Translate

samedi 11 février 2017

مواكب شهداء المسيحية.




Objet: مواكب شهداء المسيحية - 
Date: 7 février 2017JTK 
Joseph Khoreich 

موجات الاضطهاد ، في ضوء الدوافع والاسباب والقرارات الرسمية
" إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم"  (يوحنا 15/20)

منذ ايامها الاولى الى ايامنا الحاضرة تعرضت المسيحية ، ولا تزال تتعرض في مناطق عديدة من العالم ، الى الاضطهاد ومختلف اشكال المضايقات. تكشف مواقع المراقبة ومختلف وسائل الاعلام الحديثة عن أن المسيحية هي اليوم  الاكثر عرضة للاضطهاد  من بين الاديان ، ( راجع تقارير Les Portes Ouvertes   ) . فما هي الاسباب والدوافع ، وما هي بخاصة القرارات ، المراسيم والشرائع التي تأخذ بمضامينها  السلطات الرسمية ، المدنية والدينية ، لتبرير مواقفها المعادية من مواطنين لها ، طالما اكدت  تعاليمهم ومعاملاتهم وأخلاقياتهم على احترام السلطات والعيش بسلام مع الجميع ، ولا سيما بالنسبة لأبناء الأقليات المسيحية في العالم ، ومنهم على الأخص المسيحيون من أبناء المشرق الذين باتوا في وسط البيئات الاسلامية شبه غرباء في مهد المسيحية  وفي ارضهم الأم . في هذا الواقع الذي لا يبدو انه يحمل من جديد  ، وقياسا على مختلف مراحل تاريخ المسيحية  ، يجوز القول أنه قلما نجت فيه الجماعات المسيحية من ظاهرة الاضطهاد المرتكب بحق أبنائها المدنيين والعزّل ، وبالتالي من قلما نجت من ظاهرة الاستشهاد بالدم ، وغالبا لا لسبب الا لأنهم مختلفون . ولكن للموضوعية ينبغي القول أيضا  : إنه  بمقدار ما مورس من اضطهاد بحق المسيحية وأبنائها من قبل الآخرين مارس بعض رؤساء المسيحية وابنائها ، المدنيون منهم والكنسيون ، الاضطهاد بحق الآخرين أيضا، فتحوَلت المسيحية بفعل ممارساتهم  في محطات وحقب من التاريخ ، ( حرب الايقونات ، والحروب الصليبية ، وعصر حركات الاصلاح ،ومحاكم التفتيش ،  وخلال الحربين العالميتين )   من مجتمع مضطهد ( بصيغة المفعول ) يتلقى الضربات الى مجتمع مضطهد ( بصيغة الفاعل ) يسدد الضربات لغيره. وذلك خلافا لجوهر تعاليم الانجيل  الصريحة والناصعة : " أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ،.." ( لوقا 6/27).  "اعطوا ما لقيصر  لقيصر وما لله لله " ( متى : 22/17-22) ،  " أطيعوا مدبريكم " ( أفسس : 6/5-9) .فليس من المستغرب في ضوء ذلك والنقد الذاتي للتاريخ ان يستبق قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني زيارته التاريخية الى مصر والاراضي المقدسة وسوريا في مطلع الالفية الثالثة بإعلانه فعل اعتذار عن كل الخطايا والآلام التي تسببت بها حروب تم خوضها تحت "شعار الصليب" .
في هذا البحث الوجيز ليس من الممكن الاحاطة بجميع جوانب هذا الموضوع المتشعب والواسع . ألا انني سأتوقف على ظاهرة حملات الاضطهاد والاستشهاد التي تميزت بها القرون الاربعة الاولى من المسيحية ، وذلك في زمن سابق لأستيلاء  أهل السياسة والدفاع على ادارة شؤون المواطنين والمؤمنين الزمنية والدينية . كما قبل ان يستولي بعض رؤساء الكنيسة على شؤون الناس الدينية والدنيوية ، ضاربين  بعرض الحائط  بالمبدأ الايماني الذي يشكل جوهر الحياة المسيحية ' والقاضي بالفصل بين "ما هو لله وما هو لقيصر" . إنها حقبة من تاريخ المسيحية،  لا بل الانسانية بأجمعها ، من شأنها ان تقدم للقارىء المعاصر نموذجا عن مختلف أشكال المعاملات والتشريعات التمييزية التي لا تعترف بحقوق المسيحيين فحسب ، بل ايضا بحقوق الانسان في المطلق ، " كل أنسان وكل الانسان " . ألامر الذي يوجب ان يفتح امام الانسان المعاصر ، وفي اطار الحوار بين الاديان والحضارات ، باب جديد وواسع لنقد التراث الديني ، ولا سيما منه الفقهي واللاهوتي المتطرف ، والمسؤول على الساحة العالمية ، منذ احداث 11 ايلول 2001 ، عن ظاهرة تصاعد الارهاب الديني الذي تغذيه  الشرائع الفقهية  القديمة ( التكفير ، الردة ، الجزية ، الذمية ، البراء والولاء، محاكم التفتيش وغيرها ) بما فيها من تشويه لصورة العزة الالهية  ولحقيقة الاديان من حيث هي رسالات سلام ورحمة ، كي يستعيد الانسان صورته الحقيقية عندما يكون محترما  للقيم  الاساسية ( التي نصت عليها شرعات حقوق الانسان والشرائع السماوية )  : حرية الفكر والتعبير والاعلام  والمعتقد ، حرية العبادة والدين يما فيه جرية تغيير الدين ،  واحترام المرأة والعامل والطفل ، وحرية الانتقال والهجرة ، من دون التعرض للأذى من اي جهة ، وغير ذلك  من الحقوق والحريات الاساسية التي تتعرض في ايامنا الى الألغاء والمس بقدسيتها  في مجتمعات او دول عظمى ونافذة .
 موجات الاضطهاد العشر التي طاولت حياة المسيحيين وحقوقهم في القرون الاربعة الاولى :
تختلف  الاضطهادات التي مورست على الاجيال المسيحية الاولى بحسب  مزاجية الرؤساء والقيادات والمراتب الحكومية في وظائف الدولة واداراتها ، وخاصة في الجيش وحاشية القصر والقضاء .  وكذلك بحسب الانتماءات السياسية  والدينية ، ووفقا للاحوال الاقتصادية ، ولأختلاف الطبقات واللغات والفئات القومية والاجتماعية . وقد تكون الاضطهادات موسمية او دائمة ،  جسدية دموية ، او نفسية قهرية ضاغطة ، من خلال النبذ الاجتماعي والعزل ومصادرة الاملاك وحجز الحريات ، عن طريق السجن والتفنن بمختلف اشكال التعذيب وادواته ،  تمهيدا للموت  .
منذ ظهور المسيحية عمد الحكم الروماني الى اعتبارها جسما غريبا عنها. لذلك راح الحكام يتهمون المسيحيين بأنهم  "أعداء الدولة" ، لا بل ايضا أعداء الجنس البشري ، ملصقين بهم التهم  المختلقة والباطلة ، متذرعين بأمور عديدة  منها الطقوس السرية الجديدة التي كان يمارسها المسيحيون ، مما لم يكن بوسع الثقافة الوثنية استيعابه وفهم  معانيه الروحية . من جهة اخرى ، اذا كان بعض أتباع الاديان والمذاهب الغريبة عن دين السلطة الحاكمة  قد وجدوا  أحيانا سبل التخلص من الخضوع للديانة الرسمية ، مقابل تنازلات مادية او معنوية ، الا ان المسيحيين أبدوا مواقف متشددة ، في هذا الموضوع ، رافضين  القبول بأي عبادة للامبراطور وغير ذلك مثل تقديم الذبائح في المعابد الوثنية كعلامة للولاء الوطني ووحدة الدولة ، معلنين بذلك ولاءهم ل"مدينة سماوية"  ، وفقا لعبارة القديس أغوسطينوس . الامر الذي شكل سببا رئيسيا للاضطهاد ، بين اسباب اخرى . انطلاقا من هذا الموقف المبدأي تصاعدت المواقف العدائية من السلطة الرومانية والشعب الروماني حيال المسيحية الاولى ، الى حين الانتصار عليها في عهد قسطنطين . مع ذلك لا يمكن الجزم بأن السبب الاول  للاضطهاد كان سببا دينيا بحتا بقدر ما كان وطنيا سياسيا . اضيفت اليه تدريجا اسباب اخرى اقتصادية واجتماعية واخلاقية ، مقرونة خصوصا برؤية  الى الحياة والكون مناقضة  للوثنية . تناقض  قائم على الرغم  من مناداة  تعاليم المسيحية الى احترام السلطة :  " أطيعوا مدبريكم " ( افسس 6/5-9) ، وتوصيتها بالصلاة من اجل الحكام الزمنيين ( رسالة اكليمنضوس الى القورنثيين ) . في حين كانت  الدولة الرومانية لا تنظر الى الاديان الا من ناحية الولاء للدولة التي يجتمعون المواطنون في ظلها ، كمامن  خلال الطقوس المتعارف عليها ، إلا انه كانت للمسيحيين نظرتهم الخاصة التي تميزت بإزدراء المجد الباطل ومظاهر الغنى ، وبالابتعاد عن مظاهر اللهو والاعمال المطبوعة بالعنف الدموي ، وبالنهي عن العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج المقدس والاسرة . هذه الرؤية وهذا المنهج السلوكي الاخلاقي هما مما شكل محور سوء الفهم الاساسي والتعارض العميق بين الدولة والمجتمع الروماني من جهة والدين الجديد من جهة أخرى .. موقف جوهري أدى بالمسيحيين الى القبول بالشهادة حتى الموت ، اقتداء بمعلمهم الاول وفادي البشرية قاطبة ، فوق الصليب.
درج المؤرخون للقرون المسيحية الاولى على تحديد عشر محطات رئيسة ، في عرضهم لوقائع الاضطهادات التي جرت  بين 64 و311 ، قبل ان تعرف المسيحية نوعا من الهدنة او السلام المؤقت،  لكي تستأنف موجات  الاضطهاد بعد ذلك التاريخ في ما يمكن وصفه بحروب الردة  الى الوثنية ،  ثم الحروب الداخلية المتبادلة بين ابناء الكنائس المسيحية ذاتها .حروب وصدامات  توزعت على مدى التاريخ المسيحي في الالفيتين الاولى ثم الثانية . هذا ما عدا عن الحروب الخارجية التي شنها المسيحيون على الآخرين ( الحروب الصليبية مثالا )  . يمكن تحديد هذه المحطات كالتالي :
- اولا : في عهد نيرون ( 66- 68) - ثانيا : في عهد دوميسيانوس ( 91) ، ثالثا : في عهد تراجان (98-113) - رابعا : في عهد ادريان ( 117-138) وأنطونان التقي ( 118-138) ، ومارك اوريل ( 161-180) - خامسا : في عهد سبتيموس ساويروس ( 193-211) -  سادسا : في عهد مكسيمينوس الاول او التراقي (235-238)، سابعا : في عهد داقيوس ( 249-251)- ثامنا : في عهد فاليريان ( 254-260) - تاسعا : في عهد ديوكليسيانوس ( 284-305) وخلفائه (303) ومكسيميان دايا (305)- عاشرا : في عهد قسطنطين واعلان ميلاتو ( 313 ) - حادي عشر : ما بعد قسطنطين ، يوليانوس الجاحد والردة الى الوثنية - ثاني عشر : الكنيسة والدولة : من واقع الكنيسة في الدولة الى واقع الدولة في الكنيسة
الى المحطات العشر أضفنا محطتين أخريين حيث اتخذ الاضطهاد شكل صراع متبادل بين مسيحيين ، او شكل نظام مسيحي ضد آخر مختلف ، وذلك خلافا لروح الانجيل ومبادئه السامية . حاولنا ، مع تحديد ابرز محطات الاضطهاد الذي مورس سواء من قبل السلطات الحاكمة على الجماعات المسيحية في القرون الارعة الاولى ، أم  بتأثير عائد الى  اختلاف في عقليات الشعوب وعاداتها الاجتماعية والثقافية ، حاولنا القاء الضوء خصوصا على الاسباب التي ادت الى الاضطهاد ، وعلى مواقف السلطات الرسمية من خلال القرارات التي اعلنتها والتشريعات التي سنتها لهذه الغاية .
- اولا : في عهد نيرون ( 64- 68) :  قبل سنة 64 لم تكن المسيحية قد حظيت بعد باعتراف رسمي من قبل مجلس شيوخ الدولة  ، لا  بكونها جماعة جديدة ولا  بكونها ديانة شرعية ( ( Religio Licita . يطلق عليها المؤرخ تاسيت في حولياته صفة "  خرافية " Superstitio) ) . ألأمر الذي يعني انها  كانت في البداية خارج  دائرة القوانين ، وغير مشمولة  برعاية الدولة  لا سلبا ولا ايجابا  . ولكن على أثر الحريق الذي وقع في ضواحي روما وأتى على قصر نيرون راحت الانظار تتحول نحو المسيحيين ، بوصفهم الحلقة الضعيفة التي اشار اليها نيرون نفسه بالاصبع تبريرا منه لتهمة  توجهت اليه اولا ، ثم الى الجماعة اليهودية التي كانت تحظى بنفوذ لدى السلطة . كان نيرون يريد توسيع نطاق قصره،  لذلك افتعل الحريق ، ثم اتهم به الآخرين . منهم من عزا تسليط الاتهام على الجماعة المسيحية بسبب التنافس الذي كان قد بدأ يظهر بين أتباع الديانتين الشقيقتين ، وتصاعد نفوذ أبناء الدين الجديد . لذلك كان الاضطهاد  النيروني اول اضطهاد ،  أعلن بقرار رسمي ،  مستهدفا المسيحيين في اطار الدولة الرومانية . كان من أبرز ضحايا الاضطهاد النيروني الرسولان بطرس وبولس . بغض النظر عن المبالغة في حجمه وعدد ضحاياه ، ( من بينهم عمودا الكنيسة القديسان بطرس وبولس ) ومشاهده الدرامية ، على ما  نقلته الينا صفحات التاريخ ، يعزي بعض المؤرخين حقيقة  ألاسباب الرئيسية  لهذا الاضطهاد الى الاسقاطات النفسية وسوء فهم حقيقة مبادىء المسيحية وطقوسها من قبل الشعب الروماني الوثني . أسباب ستتوضح اسبابها ومظاهرها في المراحل اللاحقة ، وستتم ترجمتها بنوع خاص من خلال مواقف السلطة الحاكمة والقرارت والتشريعات الرسمية  التي رافقتها . السؤال الذي سيبقى مفتوحا ، والذي تطرحه اليوم بصورة ملحّة ظاهرة الاضطهاد في عالمنا المعاصر، وما يرافقها أحيانا من مواقف بطولة وقداسة دفاعا عن قيم مقدسة : هل من المقبول بعد ، في ظل الحقوق التي نصت عليها الشرعة العالمية لحقوق الانسان ( 1948 )  وملحقاتها ، أن تستمر تشريعات بعض الدول ، ناهيك  عن سياساتها،  في استمرار تكريس التمييز الديني والعنصري والطبقي وممارسة الارهاب باسم الدين ؟ كما كان يحدث في المجتمعات القديمة التي يشير اليها هذا البحث ؟
ثانيا : في عهد دوميسيانوس ( 93) : ظهر اضطهاد المسيحيين في العهد الدوميسياني في اطار ملاحقة خاصة استهدفت طبقة من المفكرين مثل الرواقيين (Stoiciens ) وفئات من المواطنين الرومان الاحرار ، ممن  كانوا يمتازون بأفكارهم ومواقفهم الاخلاقية  والمبدئية الصلبة أمام قضايا السياسة والحياة والوجود . من هذه الناحية شمل الاضطهاد المسيحيين أيضا لأنهم يلتقون مع الرواقيين وغيرهم من اهل الفكر والمبادىء في ما يتعلق بالحرية الفكرية والمواقف الاخلاقية التي تتميز بالشجاعة  في مواجهة الظلم والفساد  . مواقف كانت تعتبر بنظر الامبراطور دوميسيانوس ( تاسيت ، تاريخ  1، 1) من نوع الجريمة الوطنية . الى تاريخه لم تكن الاوامر الرومانية القانونية  الرسمية قد صدرت بوضوح وبصورة مطلقة بحق المسيحيين ، الا بدءا من عهد تراجان وأدريان بين  (107- 138).
ثالثا : في عهد تراجان ( 98-113 ) : يعتبر مومسن ( Momsen ) ان اول قرار رسمي صدر عن السلطة الرومانية بحق المسيحيين ، وضمن شروط ،  كان في سنة 112 ، وقد وجهه تراجان الى بلين الصغير ( Pline Le jeune  ) حاكم مقاطعة بيتينيا والمؤرخ المعروف . بموجبه تم الاعلان على انه لا يجوز ملاحقة المسيحيين الا بناء على : " شكاوى تتعلق بالحق العام " : الخيانة – تحقير السلطة – التمرد على أحكام القضاء  ، المشاركة في اجتماعات محظورة ، القيام بأعمال سحر وغيرها . لم  يحدد القرار الامبراطوري نوع العقوبات التي ينبغي انزالها بالملاحقين قضائيا من المسيحيين ، كما لم يعطها بعد صفة التعميم المطلق ، تاركا للقضاة نسبة معينة من الصلاحية في تحديد الجريمة والعقوبة المناسبة لها . في الاجراءات التي حددها تراجان كان محظورا  على القضاة تعقب المسيحيين من دون سبب وجيه . ولكن عندما كانت توجه شكوى ما بحق احدهم كان  يطلب من مقدم الدعوة أن يرفقه  بنص مكتوب . وفي حال ظهر ان التهمة  باطلة ، كان على مقدم الدعوة أن ينال عقوبة توازي تلك  التي  كانت ستصدر بحق المشتكى عليه . الا ان معدلات مشاعر الكريستيانو فوبيا ، إن جاز التعبير ، كان يتأرج بين التشدد والتسامح في الاوساط الشعبية  وفقا  لارتفاع معدلات  الديموغرافيا في الاوساط المسيحية . لم تكن الوثنية بطبيعتها متشددة من ناحية التمييز الديني ، كما يمكن ان يظن ، لأن الكهنة الوثنيين لم يكونوا متطلبين من الناحية اللاهوتية ، فكانوا يتقبّلون من دون تعقيد مختلف العقائد على تعددها . لذلك اذا كان من حالات للتذمر الوثني من الغرباء (  (Xenophobia فإن الشكاوى كانت غالبا ما تعزى الى تصرفات اليهود اولا،  ثم تطلق بعد ذلك على المسيحيين ، باعتبار ان الجماعتين هما متوازيتان بالنسبة الى مشاركتهما في المرجع والتعاليم . أما الشكاوى الاساسية والمباشرة فكانت تتعلق بالأجتماعات الليلية التي كان يلتقي فيها المسيحيون للصلاة ، والتي اسيء فهمها من قبل المجتمع الروماني الوثني ، الذي كان يرى فيها  مناسبات  تتخللها أفعال مخلّة بالاداب العامة ،  وتقديم ذبائح تتكوّن أضاحيها من اجساد الاطفال ، واكل لحوم البشر ، وغيرها من طقوس مستغربة وسحرية صادمة لأبسط ألأخلاق والمشاعر الانسانية .  هذا من الناحية الدينية ، اما من الناحية الوطنية والسياسية  فقد كان يتم تفسير تصرفات المسيحيين على أنها ترجمة للأنعزالية واللامبالاة بالقضايا الوطنية ، وازدراء الاديان ألاخرى وطقوسها ، ولا سيما منها عندما يرفض المسيحيون  المشاركة في تقديم الذبائح وفق العادات الوثنية في الهياكل،  تكريما للآلهة ، أو بمثابة عربون ولاء لشخص الامبراطور ، رمزالدولة ، او تعبيرا عن محبتهم للوطن . مجموع هذه الاحكام المسبقة والاوهام المتفاعلة في الوجدان الشعبي الروماني العام  كانت من شأنها أن تؤدّي، في ظروف الحروب والويلات الطبيعية ، الزلازل وحالات الجفاف وغيرها ، الى تفسيرهذه الظواهر على انها تعبير عن غضب الالهة حيال الممارسات التي تدمر هياكلها . أضف الى ذلك الشغف العام والمتعة التي كان الشعب الروماني يجدها في اللقاءات العامة فوق الملاعب وما يرافقها من مشاهد دموية يُقدَم في أثنائها المحكوم عليهم بالاعدام طعاما للوحوش الضارية . لذلك لم يكن من خارج التقاليد الرومانية المطبوعة بالسادية إخضاع المسيحيين المحكوم عليهم بجرائم نص عليها قانون تراجان ، لكي يكونوا في عداد الضحايا التي يزج بها في الملاعب وحلبات المصارعة ، تلبية لأشباع غرائز الجمهور الذي تستهويه مشاهد العنف . في عهد تراجان  كانت المرة الاولى التي يشار فيها الى الاحوال الشخصية ، إذا جاز التعبير ،  العائدة  للمسيحيين تحديدا . تواصلت هذه السياسة القضائية حيال المسيحيين في عهدي أدريان وانطونان التقي ، وبقيت مرهونة في التطبيق الى حد كبير بمزاجية القضاة والظروف الاجتماعية والسياسية السائدة .
رابعا : في عهد أدريان ( 117- 138) : لم يضف الامبراطور أدريان أي تدبير خاص في سياسته على الاجراءات التي سبقه الى وضعها الامبراطور تراجان . عاد فصدّق على قرار سلفه في ما يتعلق بالصيغة القانونية التي كان قد سبقه الى تحديد مضامينها وشروط تطبيقها ، وأبدى اكثر ميلا لأرضاء المشاعر الشعبية عندما أوضح أنه ينبغي على كل مسيحي تثبت عليه الادانة ان يتم تسليمه الى الشعب الروماني الذي بات صوته اكثر ارتفاعا لمعاقبة المخالفين للقوانين . هذه السياسة عينها جرى على متابعتها خلفيفة  الامبراطور انطونان التقي الذي حكم بين 118 الى 138 وغيره .. من ضحايا الاضطهاد الذي جرى في ايام تراجان وأدريان وانطونين : القديس سمعان اسقف اورشليم ، ومار اغناطيوس الانطاكي ، البابا كليمنضوس ، البابا سيكستوس ، و مجموعات من الضباط والجنود في الجيش الروماني .
خامسا : في عهد الامبراطور مارك أوريل ( 61-180) : جدّد مارك أوريل القرارت التي كانت قد صدرت في العهود السابقة لعهده . ونظرا للكوارث الطبيعية ( فيضان نهر التيبر –Tibre ونهر  بو PO ) التي وقعت في عهده اضطر الى تلبية  مطالب الشعب الروماني الملحة ، للاقتصاص من المسيحيين  الذين يعود الى تصرفاتهم سبب غضب الالهة. فكانت اكثر المناطق تعرضا لهذه الموجة من الاضطهاد مدن  : أزمير ، روما، فيينا ، ليون . الى ذلك رأى الامبراطور الرواقي في الدين الجديد والصاعد ، لما تضمنته بعض عقائده اللاهوتية والاخلاقية  ( المتضاربة مع العقل ومنطق الطبيعية ) ضربا من الجنون . لذلك لم يتساهل في سفك دمائهم ، مستهدفا بدرجة اولى فئة الفلاسفة واللاهوتيين . كان من بينهم القديس جوستينوس وتلامذته ( سنة 165). في اواخر القرن الثاني ومع اطلالة طلائع الغزوات البربرية على حدود الامبراطورية تشددت الاوامر الرسمية  في شأن حماية الحدود، من خلال اتباع سياسة ضبط الأمن واختبار ولاء الشعب للسلطة عبر سن قوانين جديدة  ، من أجل الفرض الالزامي  في تطبيق الطقوس الخاصة بتكريم الالهة والتعبير عن الولاء للامبراطور بالنسبة  لجميع المواطنين في كل أنحاء الامبراطورية .  أمام هذه الاوامر المتشددة كان على المسيحيين المخلصين ان يواجهوا التحدي :  قبول أكليل شهادة الدم من أجل  الحفاظ على وديعة الايمان أم لا !.
خامسا : في عهد سبتيموس ساويروس ( 193-211) : بدأ عهده متعاطفا مع المسيحيين . بعد انتصاره على خصومه في غرب الامبراطورية وشرقها ، ونودي به امبراطورا سنة 193 ، ونال تأييد أبناء قومه في فينيقيا ( لبنان وسوريا لأنه من أصول سيرو فينيقية تعود به الى عرقا في شمالي لبنان ، ومتزوج من ابنة رئيس كهنة حمص ، ووالد الامبراطور كراكركلا . ونال تأييد أبناء صور له امام خصمه نيجر قائد الشرق ) ، أصدر مرسوما ملكيا في السنة التاسعة من حكمه مؤرخا في فلسطين سنة 202 حرّم فيه اعتناق الدين المسيحي . تضمن قرارات دامية تم تنفيذها بشدة وامتدت مفاعليها الى مصر وقرطاجة وبلاد الغال . في عهده نال اكليل الشهادة آلاف المسيحيين في مناطق الامبراطورية كافة شملت مصر وقرطاجة ( تونس ) وبلاد الغال ( فرنسا ) . كان من بين ابرز الوجوه التي نالت اكليل الشهادة :  في الاسكندرية الخطيب ليونيد والد اللاهوتي الشهير اوريجينوس (الذي استشهد بدوره لاحقا في مدينة صور في عهد داقيوس)  ، القديس ايريناوس في ليون – فرنسا ، البابا فيكتور في روما ، السيدتان بربيتوا وفيليسيتيه  ( Perpetue , Felicite) في قرطاجة . الا ان التأثير الشرقي الذي دخل الى البلاط الامبراطوري مع الاسرة الساويروسية قوى نفوذه مع الزمن ليصبح في عهد فيليبوس العربي (من مواليد السويداء – سوريا (244-248) ، اول امبراطور مسيحي ( بحسب اوزيب القيصري مؤرخ الكنيسة الاول ) . إن ما ييدعم أرجحية هذا القول كون اوزيب القيصري من المقربين الى قسطنطين . الى هذا يُستنتج من سيرة القديسة بربيتوا (Perpetue )  ان أبناء هذه المنطقة لم يتعرضوا كثيرا  للأذى  في عهد سبتيموس ، نظرا لمولده او اقامته فيها مدة من الزمن . ابتداء من هذا العهد بدأ المسيحيون ينشرون الكتب والرسائل المتعلقة بسيرة الشهداء ويخصونهم بالتكريم ، كما بدأ النفوذ في السلطة  يتحوّل لصالح الدين الجديد بعدما تم أعلانه في ما عرف لاحقا ب " أعلان ميلانو"  سنة 313.
سادسا : في عهد مكسيمين الاول التراقي    Maximin  (235-238 ) : خطة  هذا الامبراطور التي استغرقت ثلاث سنوات قامت على قاعدة " اضرب الراعي فتتبدد الخراف " . لذلك كان اول ما قام به نفي البابا بونسيان –  Pontien ( 233- 237 ) الى سردينيا ، حيث تعرض للاهانة بالضرب حتى الاستشهاد ، ثم اتبعه بالبابا أوتيروس ( 237- 238 ) وبالعديد من الرعاة الاساقفة والكهنة والشمامسة. وقام بهدم الكنائس . بعد موت مكسيمين عرفت الكنيسة نوعا من الهدنة إثر ما اشرنا اليه - في المقطع السابق-  من تصاعد للنفوذ الشرقي السيرو فينيقي داخل البلاط الامبراطوري .
سابعا : في عهد الامبراطور داقيوس  ( 249- 251 ) :  في ظل حكم الامبراطور داقيوس شهدت المسيحية احدى اشد موجات الاضطهاد ، حين اتخذ الاضطهاد شكلا منظما ومبرمجا تمثل بانتهاج سياسة التهجير والامساك المتشدد بزمام الشؤون العسكرية والسياسية ، تحسبا من تفاقم خطر الغزوات الغوطية على الحدود . لذلك أصدر مرسوما سنة 250 يأمر بموجبه جميع رعايا الامبراطورية لكي يقدموا الذبائح تكريما لروما وللامبراطور . وذلك أمام قضاة مكلفين بمتابعة هذا الاجراء وتحت طائلة المسؤولية . على ان يمنح كل مواطن أدى هذا الواجب " شهادة حسن سلوك "  LIBELLUS   )) ، بما يتيح للسلطة السياسية ، من خلال هذا الامتحان تصنيف المواطنين بين من  مخلصون  للنظام وبين من هم  خارجون عليه ،  بحيث يحكم على هؤلاء  عقوبة السجن او الموت او غير ذلك من العقوبات المتنوعة.  ألأمر الذي اتاح بتصنيف المؤمنين الى عدة فئات :
مقدمو الذبائح – Sacrifici  ، مقدمو البخور - Thurificati   ، مسلّمو الكتب المقدسة لأحرافها  - Traditores  ، ساقطون في الامتحان قبل أن يتراجعوا عن خطأهم او منزلقون  – Lapsi ، مشترو شهادات حسن السلوك عن طريق الرشوة او الاحتيال – Libellati  ،  مرتدون الى اديانهم السابقة أو جاحدون  - Apostats ، معترفون - Confesseurs مؤمنون حقيقيون  – Martyrs  الذي يقبلون الامتحان بكامل ارادتهم .
شهد هذا العهد ظاهرة جديدة تمثلت بنزوح جماعات عديدة من المسيحيين هربا من المدن والاماكن الآهلة للاعتصام في الجبال والبراري  بعيدا عن أعين مراقبة السلطة .كانت سياسة  داقيوس الجذرية ترمي الى تحطيم المسيحية تحطيما كاملا ، في ردة فعل منه على سياسة فيليبوس العربي المسايرة لها ، فلم يكتف بمعاقبة معتنقيها كما فعل تراجان مثلا ، بل ذهب الى أبعد من ذلك عندما أتخذ منهجا راديكاليا يقضي بتعميم الاضطهاد فوق كامل اراضي الامبراطورية . تعميم يقضي بملاحقة معتنقي المسيحية  اينما وجدوا ، ُثم إكراههم بالقوة على التخلي عن ايمانهم المسيحي . ذريعته الاساسية في هذا النهج هو ان المسيحية ، كدين ومنهج حياة ورؤية ، تشكل خطرا على المجتمع والدولة . من هنا اتخذت الاضطهادات العامة عنده شكلا جديدا غير مسبوق ، بحيث أنه يصبح لزاما على المسيحيين ان يختاروا بين حلّين لا ثالث لهما : إما الجحود ومن ثم النجاة بالحياة ، إن كانوا ضعفاء في الايمان ، راغبين في الحفاظ على المواطنية الرومانية ، من جهة ،  وإما ان يختاروا التمسك بإيمانهم المسيحي ومن ثم الموت ، إن كانوا راسخين وثابتين في ايمانهم المسيحي . حالة شبيهة بتلك التي ستشهدها الجماعات المسيحية في بعض الظروف في ظل الدولة الاسلامية ، وكما تشهده ايامنا الحالية في الحرب التي تخوضها " الدولة الاسلامية ، داعش " في العراق وسوريا وليبيا وتركيا وغيرها من الدول الاسلامية المعاصرة.  تابع غالوس  ( Gallus - 250-253-) نهج سلفه داقيوس . ثم خلفه فاليريان ( 253-260 ) الذي بدأ متسامحا مع المسيحيين لينتهي معهم اكثر شراسة من أسلافه .  ثم شهدت السياسة الرومانية نوعا من الهدنة حيال المسيحية دامت 14 سنة ( 260- 274 ) في عهد كل من غاليان  Galien   (260- 268  ) وأوريليان  Aurelien   ( 270- 280 ) . في أثنائها أعيدت الاملاك المصادرة الى مالكيها المسيحيين ، في ظل انتشار غير مسبوق للمسيحية  كمّا ونوعا في مختلف أنحاء الامبراطورية وبخاصة في بلاد ما بين النهرين وأرمينيا .  في تلك الهدنة أصدرغاليان أمرا امبراطوريا  يقضي بإعادة الاملاك المصادرة الى مالكيها من المسيحيين الذين هم في شركة مع أسقف روما وجميع أساقفة أيطاليا . ولكن لم يطل الزمن لتعود السلطة الرومانية الى سياستها السابقة في شد الخناق على المسيحيين ، في عهد ديوقليسيانوس (285- 305 )  الذي يطلق عليه  بحق  " عصر الشهداء ".
ثامنا: في عهد فاليريانوسValerien-   ( 257-258 ) : بعدما بدأ متعاطفا مع المسيحيين تراجع فاليريوس عن سياسته ليعود الى اسلوب سلفه . شهد  اول عهده ( 254-260 ) نوعا من الهدنة ما لبثت أن انقلبت الى أشد مما كانت عليه ،في العهدين السابقين .  (داقيوس وغالوس Gallus   -251-253 ). وذلك بسبب حاجته الى  أموال المسيحيين  لتغطية نفقات الحروب التي كان عليه ان يخوضها تصديا للغزوات  الجرمانية في الغرب والهجومات الفارسية في الشرق . فأصدر إعلانا بمصادرة أملاك المسيحيين ، مرفقا اياه بإعلان آخر ينص عل إخضاع جميع رجال الدين المسيحيين لإستجواب سريع وقاطع يجري بنهايته  إعدامهم في حال تمسكهم بدينهم  .هكذا ألقي القبض على البابا Felix القديس والشهيد أثناء  قيامه بالقداس الالهي في دياميس روما والقديس كليستوس مع أربعة من الشمامسة . وفي الاطار عينه حكم بقطع الرأس على القديس قبريانوس في افريقيا ، والعديد غيرهم من الشهداء في مناطق مختلفة من الامبراطورية . لم تتوقف هذه الموجة من الاضطهاد الا بانهزام فاليريانوس في الشرق في حرب طاحنة بينه وبين الملك الفارسي  شهبور . بعد ذلك ( 260) شهدت الكنيسة نوعا من الهدنة دامت 14 سنة في عهدي غاليانوس واوريليانوس ( 260-274 ) استعادت  في أثنائها  املاكها . أصدر غاليانوس إعلانا يقضي بإعادة أملاك المسيحيين ممن هم بنوع خاص في شركة مع أسقف روما واساقفة ايطاليا .  مما أتاح للمسيحية انتشارا أوسع من السابق في مختلف أنحاء الامبراطورية وخارجها ، وبنوع خاص في بلاد ما بين النهرين وأرمينيا . لكن بعد ذلك سيكون عهد ديوقليسيانوس من أشد العهود قساوة على المسيحية .
تاسعا : في عهد ديوقليسيانوس (284- 305 ) : عصر الشهداء
يُعرف الاضطهاد الذي شنه ديوقليسيانوس على المسيحية ب " الاضطهاد الكبير " ، في زمن كانت المسيحية قد بلغت فيه نموا وانتشارا واسعين . بحيث كان قد بلغ عدد أبنائها ، وفقا لبعض الاحصاءات ، خمسة ملايين من مجموع ستين مليونا هو مجموع قاطني الامبراطورية الرومانية . في ذلك الاطار التاريخي والحضاري كان ديوقليسيانوس قد اقتسم الامبراطورية ، في اطار صيغة حكم متعدد الرأس   ( Tetrarchie) ، بينه وبين مكسيميان دايا ، محتفظا لنفسه بإدارة أقليم الشرق ، ومتخذا من غاليريوس معاونا له ، تاركا لشريكه الآخر مكسيميان حكم أقليم الغرب ،  بمعاونة كونستانس كلور والد قسطنطين الكبير الذي  سيكون مطلق الحريات الدينية ومؤسس الدولة المسيحية .
في سنة 303  أملت على ديوقليسيانوس مزاجية  شريكه في الحكم ، غاليانوس ، بإصدار مرسوم يقضي بهدم جميع الكنائس القائمة فوق ارض الامبراطورية ، كما بإحراق جميع الكتب المقدسة التي هي بحوزة المسيحيين ، وبإقصاء هؤلاء عن جميع الادارات الرسمية ، وحرمان العبيد المسيحيين  من التحرر . ثم ألحق هذا المرسوم بثلاثة مراسيم أخرى ، نص الاولان منها على الزج بالاساقفة في السجن وإخضاعهم للتعذيب بهدف حملهم بالقوة على الجحود بدينهم . فيما  نص المرسوم الثالث على تطبيق هذا الاجراء على جميع المسيحيين فوق اراضي  الامبراطورية . فأدت مفاعيل هذه الاوامر الملكية الى اضطهاد واسع لم ينج  منه إلا منطقة الغال ، في حين شهدت أقاليم الشرق اشرس حملات الاضطهاد ، مما جعل عهد ديوقليسيانوس يطلق عليه بحق " عصر الشهداء " ، كما أشرنا . نصت قرارات ديوقليسيانوس على اربع أجراءات كبرى : 1- هدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وحرمان المسيحيين من الحقوق المدنية ، 2- الزج برجال الكنيسة في السجون ، 3- انزال اشد العذابات بالكهنة الذي يرفضون القبول بتقديم الذبائح للآلهة ، - 4- أكراه الشعب المسيحي على تقديم الذبائح تحت طائلة الموت .
منذ العام 303 توالت  المراسيم أو القرارات الرسمية  القاضية  بتشديد الاضطهاد على المسيحيين منها :
 - قرار 24 شباط 303 حرّم عقد الاجتماعات الخاصة بتلاوة الصلوات ، وأتاح هدم الكنائس ومصادرة الاواني والكتب المقدسة تمهيدا لأتلافها ، كما أمر بإسقاط الحقوق المدنية عن الموظفين والجنود المسيحيين ، و بحجب الترقيات عنهم ما لم يتخلوا عن أيمانهم والجحود به. كان لهذا الاضطهاد الممنهج مفاعيل جد مأساوية أدت الى استشهاد مجموعات عديدة في صفوف  ضباط وعناصر  الفرق العسكرية ، في مختلف مناطق الامبراطورية .  ( بخاصة في الدانوب وروما وأفريقيا)  .نص القرار أيضا على واجب تقديم الذابائح  للالهة من قبل جميع سكان الامبراطورية  بدون استثاء ، بدءا بالمسؤولين الرسميين وموظفي الدولة وأفراد عائلاتهم . الامثلة على ذلك عديدة . على سبيل المثال ، في مدينة صور اللبنانية استشهد رئيس ادارة الضرائب ( ادوكتوس ) ورئيس معمل الارجوان ( دوروتاوس )  ، ووقع الاعتداء علة  جميع كهنة المدينة وشمامستها .
 - في سنة 305 صدر اعلان رسمي آخر يعرف ب " مرسوم مكسيميان دايا " تم توزيعه في جميع مناطق الامبراطورية . في بعض المدن تم نقشه على أعمدة من نحاس توزعت في شوارع كبريات المدن   ، ومنها مدينة صور على سبيل المثال .
-  بالاضافة الى القرارت الحكومية ، كانت تصدرعن سكان بعض المدن عرائض معادية للمسيحين تتضمن تحريضا  عليهم . الامثلة على ذلك عديدة  في انطاكية وصور ، كما يروي شاهد عيان ( اوسيب القيصري في كتابيه " التاريخ الكنسي " و" شهداء فلسطين " ) . مجموعات عديدة من المسيحيين ، من مختلف الاعمار والفئات الاجتماعية والدينية والعسكرية ، كان يزج بها في السجون ، قبل أن تُقدًم فوق حلبات المصارعة والملاعب العامة طعاما للوحوش الضارية .
شكلت حملة الاضهاد التي جرت في عهد ديوقليسيانوس احدى اشد الحملات ، لكنها مهدت لحدث تاريخي كبير هو صدور اعلان ميلانو (313) . من العجب أن السلطة التي أصدرت تلك المراسيم القاسية عام 303 كانت هي نفسها التي تراجعت عنها في في 30 نيسان 311 ، على أثر مرض عضال ألمّ بالامبراطو كونستانس كلور والد قسطنطين الذي اليه سيعود والى والدته القديسة هيلانه ، الفضل بإطلاق الحرية الدينية وإرساء المداميك الاولى في بناء الدولة المسيحية ، مع أعلان ميلانو . فما أن توفي  قسطنطين كلور حتى نادى الجيش الروماني بابنه قسطنطين . وكان افتتاح عهد جديد .
في عهد ديوقليسبانوس تفاقمت ظاهرة التمرد في أوساط الفرق العسكرية على اوامر قياداتها مما ادى الى استشهاد مجموعات عديدة .  منهه على سبيل المثال: مجموعة جنود طيبة ( المصرية ) في جبال سويسرا وايطاليا . مما ادى بالقيادات في نهاية هذا العهد الى  الاعتراف بالعجز امام قوة المسيحية الصاعدة . خلال هذه الحقبة من التاريخ الروماني كانت الوثنية قد استنفذت معظم طاقاتها  في الضغط لأخراج المسيحية من دائرة الوجود . ولكن بنهاية حكم ديوقليسيانوس اعترف شريكه في الحكم غاليريوس ( سنة 311 ) بالعجز عن إخضاعها  وتقليص وهج إشعاعها .  مما حمله الى اعلان مرسوم يقضي بضرورة التساهل   (Tolerance)  مع أتباعها  . فلم ينقض على اصدار هذا القرار اكثر من سنة حتى صدر اعلان آخر مشترك مع القائد ليسينيوس يقضي بالكف عن مضايقة المسيحيين ، تمهيدا لمنحهم الحرية الدينية  الكاملة لاحقا .  ذلك لأن اعلان 311 لم ينص على حرية دينية عامة إذ بقي محظورا على الوثنيين اعتناق المسيحية ،  بانتظار صدور قرار آخر بعد عامين من ذلك كان أكثر انفتاحا على المسيحية هو "اعلان ميلانو"  التاريخي . بموجبه ، وبصورة رسمية ، اوقف الاضطهاد الموجه ضد المسيحيين نهائيا ، بموازاة  اطلاق حرية الدين لجميع المواطنين في الامبراطورية ، مشكلا بذلك أول وثيقة مسكونية ( عالمية ) يتم الاعتراف بموجبها بالحق الجوهري والأساس في  منظومة  حقوق الانسان ، الا وهو الحق بحرية الدين والمعتقد .
مرسوم ميلانو في شهر شباط 313 ، قبله وبعده : بعد أن ثبت للسلطة الرومانية الحاكمة بأن لا فائدة من متابعة الاضطهاد بحق المسيحيين قررت  انتهاج سبيل التسامح ( Tolerance )  معها . لذلك التقى قسطنطين وليسينوس في مدينة ميلانو – أيطاليا وأقرا    للمسيحيين الحق في ممارسة طقوسهم الدينية بحرية تامة ، شأنهم شأن أتباع جميع الديانات في الامبراطورية . بقي قسطنطين في مرجلة أولى على مسافة واحدة من الجميع ، تحت شعار" كل إنسان حر في ما يملي عليه ضميره "   .وبالرغم من أنه لم  يعلن اعتناقه المسيحية وقبول المعمودية الا على فراش الموت (سنة 337  ) فإنه قدم مساعدات وتسهيلات عديدة للمسيحيين : مساعدات مالية ، ترميم وبناء كنائس ،  أعفاء الاكليروس من الخدمة العسكرية والضرائب وغيرها . وما لبث أن تحوّل النظام مع الزمن من مدافع عن المسيحية الى الى مضطهد لغير المسيحيين ،  عندما منع الوثنيين من إقامة الذبائح للالهة في الهياكل ، وهدمها أحيانا ( هيكل أفقا ) وأمر بإتلاف كتب الفلاسفة ممن تتعارض أفكارهم مع العقائد المسيحية ، ( فورفوريوس الصوري)  . الى ذلك أصدر عدة قرارت وتشريعات ساهمت في تيسير وتنظيم حياة المسيحيين ، منها  : أعلان يوم الأحد يوم عطلة رسمية ، يوم الشمس Sunday , Soles Invictus  Dies ( سنة 321 ) - أعتماد تقويم جديد  بموجبه حلّ الاسبوع ( سبعة أيام) محل  التاسوع ( تسعة أيام)  - أقرار  الاحتفال الرسمي بأعياد الميلاد والفصح والعنصرة والصعود والميلاد - . منح الاساقفة صلاحيات للمشاركة في التشريع المدني ،( سنة 332)  وإعتاق  العبيد بموجب إعلان يصدر منهم داخل الكنيسة . كما صدرت أوامر تلغي ممارسات قديمة مسيئة الى المسيحيين تمهيدا لتكريس حقوق إنسانية كاملة :  الحظر على اليهود من ممارسة الرجم بحق من يعتنق المسيحية – منع بيع ألاطفال – إلغاء عقوبة الصلب – إلغاء عادة المبارزة بالسيوف -  حق المساجين بمشاهدة نور الشمس -  في هذا العهد بدأ المسيحيون يطلقون على  أولادهم أسماء الشهداء ، ويضاعفون من الطقوس والكتابات الخاصة  بتكريم الشهداء .  هذا النهج القسطنطيني الجديد أتاح للأمبراطور ، مع الايام ، التدخل في شؤون الكنيسة التنظيمية والعقائدية ، من خلال أتخاذه المبادرات الملكية في الدعوة الى عقد المجامع الكنسية المسكونية والاشراف عليها ، ( مجمع نيقيا سنة 225 ، وملحقه مجمع صور- لبنان 335 سنة ) ، وخاصة بعد أن أقام عاصمته في القسطنطينية ( اسطمبول ) في آسيا الصغرى ( تركيا اليوم ) .
من الايجابية بمكان  أن اعلان ميلانو المشار اليه قد وفر للمسيحيين الحرية الدينية وأعاد اليهم ممتلكلتهم وسائر حقوقهم المسلوبة، ومهّد لترسيخ أوضاع أكثر ملاءمة لتوطيد دعائم الدين الجديد داخل الامبراطورية ،  إلا ان الامر لم يدم طويلا ،  إذ أن لسينيوس نفسه لم يف بوعده ، فعاد بعد مدة قصيرة الى سابق عهده ، فطرد من قصره  افراد حاشيته المسيحيين ووجه الأوامر الى جنوده بواجب تقدمة الذبائح في الهياكل ،( استشهاد مجموعة الجنود الاربعين في البحيرة - أرمينيا سنة 320 ) ، واحتجز الاساقفة والكهنة .
حادي عشر : خلفاء قسطنطين الكبير  :
من كنيسة داخل الامبراطورية الى امبراطورية داخل الكنيسة ( Cesaro- Papisme) و من الاضطهاد الى الاضطهاد المضاد ، عهد جوليانوس الجاحد نموذجا ،
إ ن نقطة التحوّل التي سجلها إعلان ميلانو وما رافقه من تحسين لأوضاع المسيحيين داخل الامبراطورية ،  رافقتها قوانين وإجراءات نقلت المسيحية من أوضاع  كانت تتلقى فيها الاضطهاد من الآخرين الى نظام يمارس الاضطهاد على الآخرين . نذكر منها ما يلي :
- سنة 337 -  قانون يمنع الزواج المتبادل ( Mariage Mixte ) بين المسيحيين واليهود  ، باعتباره جريمة يعاقب عليها القانون .
- سنة 339 – قانون أصدره الامبراطور تيودوسيوس الكبير ينص على ان  الارتداد الى اليهودية هو جريمة يعاقب عليها ، كما اباح  القانون عينه تدمير المجامع اليهودية والمعابد الوثنية.
- 528 - بعد إعلان المسيحية دينا رسميا للدولة أقر الامبراطور جوستينيان ( 527- 564 ) قانونا يمنع بناء المجامع اليهودية وقبول شهادة اليهود ضد المسيحيين أمام المحاكم .
- سنة 535 – أقر مجمع كليرمونت مرسوما يقضي بمنع اليهود من تولي  الوظائف العامة او ممارسة أي سلطة على المسيحيين .
- 613- فرض على يهود اسبانيا الاختيار بين إثنين : إما اعتناق المسيحية وإما مغادرة البلاد .
- 692 – تلت القوانين الواردة أعلاه قوانين أخرى تمعن في المقاطعة والعزل والاقصاء ، حتى باتت اليهودية ديانة محظورة . قبيل انطلاقة الحروب الصليبية ، فرض على أتباعها في سينودس هيرونا ( 1078) بدفع الضرائب .
- بين 1096 و1291  ، كان معظم  شعوب الشرق من جميع الاديان والمذاهب – باستثناء قلة –  هدفا  للحروب الصليبية  .وما جرى في القدس بحق سكانها المسيحيين من الكنائس غير اللاتينية ومن اليهود والمسلمين لا يختلف كثيرا بطابعها الوحشي عما شهده العالم في زمن الفتوحات الاسلامية ، وفي العصور اللاحقة في زمن المماليك والعثمانيين ،ولا ننسى عصر محاكم التفتيش الكنسية في اوروبا ، الى دموية الثورة الثورة الفرنسية ، وصولا الى  الحربين العالميتين ، وما رافقها كلها من ارتكاب المجازر وأعمال الإبادات الجماعية في تركيا العثمانية وألمانيا النازية بما يندى له الجبين. جرائم لا تختلف عما تتناقله في ايامنا وسائل الاعلام الحديثة عن جرائم داعش واخواتها من الحركات التي تدعي تطبيق أصولية الشريعة الاسلامية .التاريخ يقدم لنا أمثلة عديدة عن تنكر الشرائع والممارسات غير الانسانية  لأبسط الحقوق الانسانية .
 بالعودة الى خلفاء قسطنطين نجد أن المسيحية راحت تتحرر تدريجا من حالة الضحية في الاضطهاد الى حالة الجزار أحيانا ، خلافا لتعاليم السيد المسيح ورسله ، وتعاليم الآباء  ، ومن حالة قتال الغير في حالات مشروعه ، الى حالة الاقتتال الاخوي الداخلي الذي لا يمكن تبريره في أي شريعة  . في هذا الاطار يمكن القول إنه بعد الضربات الاولى التي وجهها قسطنطين الى الوثنية استطاع أبناؤه من بعده ( 337-3610 ) الى ازالتها  من معظم أراضي الامبراطورية ، ما عدا  الاسكندرية وروما وأثينا حيث ظلت المسيحية ديانة غريبة . وفي عهد تيودوسيوس وغراسيانوس ( 375-383 ) أصبحت هي الديانة الرسمية والالزامية ، بعدما تم ألغاء ما كان قد تحقق من طابع للحرية  الدينية وفقا لسياسة قسطنطين الكبير . ومع مجيء يوستينيانوس الى السلطة ( (529 ) جرت اعادة النظر بالقوانين المتعلقة بحرية المعتقد وألغيت منها  إلغاء كاملا ، بحيث أجبر الجميع على اعتناق المسيحية . لكن الوثنية بقيت على صلابتها الى زمن الفتح الاسلامي ( 622) حين قضي عليها قضاء شبه كامل .
في ضوء تلك المعطيات يمكن للانسان المعاصر أن يفهم فهما أكمل لمندرجات الشريعة الاسلامية ، في اطار ما يجري في أيامنا من أحداث ومواقف يدعي أصحابها تبرير الارهاب ( الجهاد ) والتمييز بين البشر على اساس ديني ( الذمية ) والتعايش على قاعدة المساواة في المواطنية ( رفض مبدأ التبادلية )  وغير ذلك من حقوق الانسان الاساسية .( الشرعة العالمية لحقوق الانسان 1948 ، مقارنة مع مندرجات الشريعة الاسلامية ) . هذه الاشكالية تعود في أيامنا لتطرح بصورة حادة على ضمير الجميع ، سواء في الدول ذات النظام الاسلامي ، أم في الدول ذات الطابع الديقراطي والعلماني. هل يمكن التوفيق بين الشريعة الاسلامية وشرعة حقوق الانسان ؟    
ثاني عشر : عهد يوليانوس الجاحد ، الاضطهاد في حالات  الردة ، الأقتتال  تحت سقف البيت الواحد  :
"يا للمفارقة كان يتمتع بصفات القديس المسيحي بما فيها الطهارة " ( كلود فوكيه )
" غلبتني ايها الناصري ! " 
شكل عهد جوليانوس الجاحد محطة خاصة ضمن محطات الاضطهاد التي استهدفت المسيحيين في القرون الاربعة الاولى . لأنه كان اضطهادا من داخل البيت القسطنطيني بعد سنوات قليلة على انطلاقة الدولة المسيحية . يصح في هذا العهد تسميته ب "حرب الردة " ، على صورة ما عرفته انطلاقة الدين الاسلامي ، وما رافقها من اقتتالات بين أهل البيت الواحد . يمكن اعتبار خروج جوليانوس عن دين عمه قسطنطين وابن عمه كونستانس بمثابة ردة الفعل ضد النهج الدموي الشديد الذي تزامن مع بناء الدولة المسيحية ، بدءا بتصفية المنافسين من الاقرباء ومن بينهم والد يوليانوس  (يوليوس قونسطانس) ، وشقيقه (غالوس) بحجة المؤامرة على ابناء العم  . اختبر جوليانوس العنف الاهلي باكرا في  حياته . اغتيل والده على يد عمه الامبراطور فيما كان لا يزال هو طفلا في السادسة من عمره . بعد ان شب تم نفيه وأخاه الذي ما لبث ان أغتيل هو ايضا على يد ابن عمه . لكنه  تمكن ، بفضل ذكائه ، من تحصيل مستوى رفيع من ثقافة عصره على يد وبرفقة كبار من الفلاسفة واللاهوتيين ، في أثينا وانطاكية وباريس ، من بينهم الفيلسوف ليبانيوس وغريغوريوس النزينسي ، باسيليوس القيصري ، يوحنا ذهبي الفم وغيرهم . حالما انتهت اليه السلطة ( 361-363 )  أصدر مرسوما يعلن فيه حالة التسامح مع أتباع جميع الاديان ، وسعى في الوقت نفسه الى أقامة هيكلية  كهنوتية  وثنية ، على غرار الهيكلية  الكنسية ، بهدف إحياء وتنظيم الوثنية واعلانها دينا وطنيا يكرّم " الاله الشمس " . في مقابل هذه السياسة المشجعة للوثنية ولليهودية  ، بحيث أصدر أمرا يعلن فيه  المساواة بين اليونانيين واليهود واعدا هؤلاء  بإعادة بناء هيكل سليمان ، أنتهج سياسة سلبية ومضادة باتجاه المسيحيين .فأصدر قرارا يمنع بموجبه التلامذة المسيحيين من تحصيل الثقافة اليونانية ، لاغيا بذلك حرية التعليم  ،بما فيه  تدريس مواد الصرف والبلاغة والفلسفة الى التلامذة المسيحيين . كتب " ضد الجليليين " أي المسيحيين . واعاد الاعتبار الى كل من لهم مصلحة بتحجيم المسيحية . أمر بأن يعاد بناء الهياكل الوثنية على نفقة الاساقفة .
خليفة قسطنطين مؤسس الدولة المسيحية كان الوحيد في عائلته ممن لم يعتنقوا المسيحية .  قادته ظروف المواجهة مع الفرس للمجيء الى فارس عبر سوريا ، المعبر شبه الدائم  للحروب الدولية ،  كما هو الحال اليوم .عند مروره في أنطاكيا اصطدم بالشعب المسيحي الذي نبذه . ثم تابع حملته العسكرية  الى قطيسفون عاصمة بلاد فارس حيث كان عليه ان يتواجه  مع ملكها شابور .عن أستاذه ليبانيوس ورد انه قتل في المعركة نتيجة للجروح التي أصابته  جراء طعنة سددها اليه احد الجنود المسيحيين ، ونسب اليه صرخته الشهيرة قبل مفارقته الحياة  وهو في الثلاثين من عمره :  " غلبتني ايها الناصري " .هل اعترف جوليانوس الجاحد بالايمان المسيحي في اللحظة الاخيرة من حياته ؟. وبالتالي هل يمكن القول أنه كان مؤمنا بحقيقة المسيحية وخصوصا بأخلاقيتها الجديدة ،القائمة على المحبة ؟ جوليانوس لم يكن مؤمنا بمن كانوا يمثلونها في السلطة ، أمثال عمه قسطنطين واولاده . لكنه " كان يتمتع بصفات القديس المسيحي بما فيها الطهارة " كما يقول فيه أحد المؤرخين المعاصرين كلود فوكيه  :
[ «  Sa pensee loin d'etre uniquement retrospective était fastement impregnee de christianisme , et que l'interpretation qu'il donnait de la pensee antique était proche de celles des peres de l'Eglise ,ses condisciples a Athene , tels que Gregoire de Naziance , Basile de Cesaree , et aussi de Jean Chrisostome, rencontre a Antioche .Curieusement il avait les qualites d'un saint chretien : Chastete comprise .C'est sur le modele de l'Eglise qu'il chercha a federer les cultes paiens , qui avaient toujours  été independant jusque –la «.] Claude Fouquet  « Julien, ou la mort du monde antique « , Edit. L'Harmattan 2009 (https://www.herodote.net/Julien_l_Apostat_331_363_-synthese-628.php)


أختم هذا البحث بالعودة الى الحاضر مع البابا فرنسيس لننظر الى واقع المسيحية الراهنة متسائلا معه : هل كانت المسيحية  في عصورها الاولى  اكثر عرضة للاضطهاد ، كما يظن ، بالمقارنة مع أيامنا الحضرة ؟
"في ايامنا الحاضرة امامنا مسيحيون مضطهدون أكثر من القرون الاولى " . عبارة ترددت مرارا على لسان قداسته ، كما قالها في 30 حزيران من السنة الماضية في مناسبة الاحتفال ب " ذكرى اول شهداء المسيحية في روما ، ممن  نالوا اكليل الشهادة في اول موجة من الاضطهاد على يد نيرون  سنة 64." واضاف : " صحيح أن عدد الشهداء المسيحيين في عهد نيرون كان كبيرا  ، ولكن عددهم اليوم لا يقل عن الماضي . .. لنفكر بمسيحيي الشرق الادنى الذين يضطرون الى  الهرب من أمام الاضطهادات ،  وبهؤلاء المسيحيين الذين يستشهدون على ايدي المضطهدين . لنفكر ايضا بأولئك المسيحيين المطاردين بطريقة هادئة وبقفازات بيضاء .هذا أيضا يسمى إضطهادا " .









.
















Aucun commentaire: