الأحد 09 تشرين الثاني 2008 - السنة 76 - العدد 23526 النهار
النسخة المطبوعة . بين 1آب -ت1 2008 . بين ت2- ك1 2008
جذورالمسيحية في لبنان -لأنطوان خوري حرب عندمـــا ينطـــق التاريـــخ وعلـــم = Racines du Christianisme au Liban, livre ecrit par A.Kh.Harbالآثـــارالمسيحية
كتبت مي منسى في" النهار"بتاريخ 7-11- 2008ر
الى رصانته العلمية، التاريخية والاركيولوجية، هو كتاب سخي بصوره، ممتع بحكاياته، يأخذك في رحلة سياحية عبر لبنان، منبسطة على كامل اراضيه، واكثر منها تشويقا تلك الرحلة الروحانية الى عمق جذورنا المسيحية في تفرعاتها وانغراسها في هذه التربة من هذا العالم المتوسطي، كما الظروف والمناخات التي نمت فيها المسيحية بدءا من الديانات والمعتقدات الوثنية التي مهدت لها وأرست فيها طقوسا ورموز ومعابد شاهدة على هذا التاريخ القديم، الى ان جاء السيد المسيح مبشرا ومحققا معجزته الاولى في عرس قانا الجليل.في مستهل هذا العمل الشاهق، اعطى المؤلف الكلام للمطران جورج خضر الذي نوه اكثر ما نوه بالمراجع اليونانية واللاتينية التي ذكرها حرب في كتابه والدالة على قيمة العمل واصالته، بحيث لا يترك بقعة انتشرت فيها المسيحية الا يخبر عنها ماضيا وحاضرا، رابطا برؤى صادقة العهود في ما بينها، مدققا بتاريخها وواقعها...المطران جورج خضر وضع في مقدمة الكتاب ختم المفكر والمحلل والعالم في تاريخ الكنيسة منذ بداياتها. من تمعنه في النصوص اعتبر ان هذا الكتاب لا بد ان يترك في نفس قارئه عمق الاثر ويجعله اكثر لصوقا ببلده اذ يأخذه الى تلك الحقيقة المختزنة فيه. في دمجه التاريخ وعلم الاثار في كتاب اقل ما نقول به انه نادر وثمين، وبتنسيق اكاديمي علمي رفيع بين شغف الاكتشاف وواجب التنوير، مضى انطوان خوري حرب في رحلة بطوطية في ارض بلده، جمع بالكلمة والصورة ما منحه التدقيق في الجذور وبلوغ النبع الذي منه اشرقت الديانات حتى استتبت في الدين المسيحي وانتشرت على ساحة الارض اللبنانية، استنادا الى ادلة علمية توفرها المعالم الاثرية للكنائس القديمة التي شيدت بمعظمها على آثار معابد البعل وعشتروت والتي تؤكد ذلك الانتقال المباشر من الوثنية الى المسيحية منذ عهودها الاولى لا سيما في العهد البيزنطي.قبل الدخول الى منبع هذا الكتاب والتعمد في مياهه، هو الحجر العتيق يستوقفنا بمسامه التي ما زالت ترشح بانفاس من سكنوا فيه، هي اشجار الارز الالفية تذكرنا اننا من هنا، هي الكنائس والقرى المترامية في السفوح والوديان والتلال، تشيح عن كاهلنا شبح الخوف من الغد. لكن ما هو هذا الغد، سوى ذلك الزمن الممسوك بخيط الامس؟انطوان خوري حرب حمل تاريخ الوطن واجبا مقدسا في مؤلفاته، من كتابه الاول "اسم لبنان عبر العصور" الى "اصول الشعب اللبناني"، فتاريخ الانتشار اللبناني" و"الكتابة من التصويرية الى مدينة جبيل"، ثم "الديانة اللبنانية القديمة"، الى المعالم الاثرية في الجنوب اللبناني"، و"الموارنة، تاريخ وثوابت" نستدل الى هذه الدرب الواحدة التي اتخذها هذا اللبناني"، العالم في الاثار والتاريخ، امينا على الارث، وفيا للهوية، ثابتا في ايمانه المسيحي والوطني وكلاهما يتخاويان في عقيدة واحدة. فمن مراجع البحث المدونة في آخر الكتاب عربية واجنبية، ومن فهرس الاماكن الجغرافية التي كشف عنها المؤلف يدرك القارىء العمل الجبار الذي قام، متوجا به اعماله السابقة.
التمهيد للمسيحية في ارض لبنان كتاب من ثلاثة اقسام، استهل القسم الاول منه برسالة القديس بولس الى اهل رومة، مدخلا الى الفكر الديني في لبنان القديم، وقبل ان يتطرق المؤلف لموضوع "جذور المسيحية في لبنان"، توقف عند ظاهرة التدين عند اللبنانيين، بدءا بعصور ما قبل التاريخ حتى ظهور المسيحية في نهاية مرحلة التاريخ القديم وذلك في هدف تبيان التهييئات المهمة التي قدمتها ارض لبنان للمسيحية ومهدت لها. من كلمة السيد المسيح "انا ما جئت لابطل بل لأكمل" مشى انطوان خوري حرب في هذا العمل مؤرخا وعالم آثار وموثقا بدقة المعلم وازميل نحات. فمن تنقيباته ان اقدم معالم الفكر الديني في لبنان ظهرت عند انسان انطلياس القديم منذ حوالى اربعين الف سنة، والذي كان يدفن بطقوس قائمة آنذاك على وضع مواد غذائية الى جانبه كما وأدواته الحجرية، ما يشير الى إيمان هذا الانسان القديم بحياة ما بعد الموت. في التركيز على النص والتصميم، نستدل على الثالوث اللبناني – الفينيقي المؤلف من إيل الإله المطلق، وعشتروت الأم الكلية مثالاُ للعنصر الأنثوي، والبعل أدون. توارث اللبنانيون عقيدة عبادة "الإلهة الأم" وطقوسها، من عشتروت أولاً العنصر الأنثوي في الوجود. ومن الصور التي تشكّل هذا الكتاب منحوتة في الحجر للأم المرضعة، وقد التقطها المؤلف في أفقا والى جانبها صورة للسيدة مرم ترضع الطفل، وما يلقننا إياه الدكتور حرب هو أن أبناء أفقا يكرّمون صورة العذراء الأم المرضعة، كما أسلافهم عبدوا عشتروت.. الكتاب الشيّق يمضي بنا الى الأماكن التي بقيت فيها آثار هؤلاء، من أفقا وبعلبك وجبيل، حيث يغدو عالم الآثار راوياً يخبر اسطورة أدون من موته الى قيامته.
المسيح ولبنانالمدخل الى هذا القسم للبابا يوحنا الثاني وما قاله لدى زيارته للبنان عام 1997: "يا رجال ونساء لبنان لقد كان المسيح نفسه أول من نقل الى أسلافكم البشارة الإنجيلية... "ثم بعده ينتقل حرب الى الجليل "موطن الجليلي" وبين تاريخ وجغرافية يعرّفنا على المقوّمات الطبيعية لأرض الجليل وبنية إثنية أهل الجليل. الصور تشل إرث هذا الكتاب الكبير، من حرمون الجبل المقدس والذي عليه تجلّى السيد المسيح أمام تلامذته بطرس ويعقوب ويوحنا، الى مقام النبي شيت وفسيفسائية عن معجزة قانا، وجدرانية السيدة العذراء، ورحلة السيد المسيح الى فينيقية والمدن العشر.يقول هذا الكتاب: "بسبب مجيء السيد المسيح الى صور ثم انتقاله الى صيدا وعبوره المناطق الجنوبية في طريقه الى بحر الجليل، يصح اعتبار ارض الجنوب اللبناني، أرضاً مقدسة شاءها المخلّص ان تكون ذات كرامة خاصة.
انتشار المسيحية في لبنان"اذهبوا الآن وتلمذوا كل الامم، معمدين اياهم باسم الآب والابن والروح القدس".بهذه الوصية للسيد المسيح انطلق الرسل بعد العنصرة ينقلون البشارة الى الأمم، ومع العمل التبشيري بدأ الاضطهاد على يد اليهود أولاً لأنهم كانوا بانتظار مسيح يخلّصهم من التشتت ويحقق لهم ملكوتا أرضياً، في حين ان الديانة الجديدة دعت الى المحبة والتسامح والتحرر من الخطيئة وعدم التمسك بفرائض الناموس اليهودي المتزمت. ثم الرومان المتمسكون بطقوس تقوم على عبادة الآلهة المتعددة الأوصاف والمراتب.الأسلوب مشوّق، يعيد الى الذاكرة تفاصيل منسية من أسماء الذين استشهدوا في الزمن الأول لانتشار المسيحية، كما نستعيد اسم الفيلسوف بورفيريوس الصوري الأصل والذي تصدى بعلمه وفكره للعقيدة المسيحية في القرن الثالث بعد الميلاد. ومن أشهر مؤلفاته "حياة أفلاطون" و"حياة فيتاغور" و"تاريخ الفلسفة" وكتاب "الايساغوجي" الذي يعتبر من أعظم الكتب التي طبعت القرون الوسطى بطابعها.من الدين الى الفلسفة يأخذك هذا المؤرخ المطلع في الزمن، ولا يمر على الأحداث بسطحية، بل تحفر معه وتتلقى من دروس الماضي ما تعيشه اليوم.اسمعه يروي لك قصة هذا الفيلسوف بورفيريوس الذي كان من كبار مناهضي المسيحية، في خمسة عشر مؤلفا بعنوان "ضد المسيحية". وبالرغم من ذلك اعتبره القديس والفيلسوف اغوسطينوس أعلم الفلاسفة، كما تصدى له أسقف صور ميتوديوس، وكتب ضد المرافعات دفاعاً عن المسيحية، الى أن استشهد في اليونان على يد السلطة الرومانية المتمسكة آنذاك بعقيدتها الوثنية.ويتابع انطوان خوري حرب يروي التاريخ هذا مرتكزاً على الوثائق القديمة، منوّراً أمامك انتشار المسيحية في العالم، بالصور والحفريات الأثرية والفسيفسائيات، وأنت بين قراءة ومتعة الألوان تغدو ذاك الإنسان القديم العائد الى دياره بعد ألفي سنة يتفقد الدروب التي عبرها السيد المسيح وأرسى فيها تعاليمه ومعجزاته.ومع تقدمك في الاطلاع على تاريخك في هذا الكتاب الكبير، الواسع وسع التراث، يصبح النص متخاوياً مع هذا الكم الهائل من الآثار. وتتساءل لماذا لبنان الصغير بمساحته، قدّر له أن يكون مهداً للفكر الديني، وأرضاً خصبة للعقائد التي تتالت عليه وتركت في معابدها ومنحوتاتها آثارها حتى مجيء المسيحية التي رسّخت على أنقاض المعابد دين المحبة والتسامح الذي جاء له المسيح مبشّراً؟
مي منسى
الى رصانته العلمية، التاريخية والاركيولوجية، هو كتاب سخي بصوره، ممتع بحكاياته، يأخذك في رحلة سياحية عبر لبنان، منبسطة على كامل اراضيه، واكثر منها تشويقا تلك الرحلة الروحانية الى عمق جذورنا المسيحية في تفرعاتها وانغراسها في هذه التربة من هذا العالم المتوسطي، كما الظروف والمناخات التي نمت فيها المسيحية بدءا من الديانات والمعتقدات الوثنية التي مهدت لها وأرست فيها طقوسا ورموز ومعابد شاهدة على هذا التاريخ القديم، الى ان جاء السيد المسيح مبشرا ومحققا معجزته الاولى في عرس قانا الجليل.في مستهل هذا العمل الشاهق، اعطى المؤلف الكلام للمطران جورج خضر الذي نوه اكثر ما نوه بالمراجع اليونانية واللاتينية التي ذكرها حرب في كتابه والدالة على قيمة العمل واصالته، بحيث لا يترك بقعة انتشرت فيها المسيحية الا يخبر عنها ماضيا وحاضرا، رابطا برؤى صادقة العهود في ما بينها، مدققا بتاريخها وواقعها...المطران جورج خضر وضع في مقدمة الكتاب ختم المفكر والمحلل والعالم في تاريخ الكنيسة منذ بداياتها. من تمعنه في النصوص اعتبر ان هذا الكتاب لا بد ان يترك في نفس قارئه عمق الاثر ويجعله اكثر لصوقا ببلده اذ يأخذه الى تلك الحقيقة المختزنة فيه. في دمجه التاريخ وعلم الاثار في كتاب اقل ما نقول به انه نادر وثمين، وبتنسيق اكاديمي علمي رفيع بين شغف الاكتشاف وواجب التنوير، مضى انطوان خوري حرب في رحلة بطوطية في ارض بلده، جمع بالكلمة والصورة ما منحه التدقيق في الجذور وبلوغ النبع الذي منه اشرقت الديانات حتى استتبت في الدين المسيحي وانتشرت على ساحة الارض اللبنانية، استنادا الى ادلة علمية توفرها المعالم الاثرية للكنائس القديمة التي شيدت بمعظمها على آثار معابد البعل وعشتروت والتي تؤكد ذلك الانتقال المباشر من الوثنية الى المسيحية منذ عهودها الاولى لا سيما في العهد البيزنطي.قبل الدخول الى منبع هذا الكتاب والتعمد في مياهه، هو الحجر العتيق يستوقفنا بمسامه التي ما زالت ترشح بانفاس من سكنوا فيه، هي اشجار الارز الالفية تذكرنا اننا من هنا، هي الكنائس والقرى المترامية في السفوح والوديان والتلال، تشيح عن كاهلنا شبح الخوف من الغد. لكن ما هو هذا الغد، سوى ذلك الزمن الممسوك بخيط الامس؟انطوان خوري حرب حمل تاريخ الوطن واجبا مقدسا في مؤلفاته، من كتابه الاول "اسم لبنان عبر العصور" الى "اصول الشعب اللبناني"، فتاريخ الانتشار اللبناني" و"الكتابة من التصويرية الى مدينة جبيل"، ثم "الديانة اللبنانية القديمة"، الى المعالم الاثرية في الجنوب اللبناني"، و"الموارنة، تاريخ وثوابت" نستدل الى هذه الدرب الواحدة التي اتخذها هذا اللبناني"، العالم في الاثار والتاريخ، امينا على الارث، وفيا للهوية، ثابتا في ايمانه المسيحي والوطني وكلاهما يتخاويان في عقيدة واحدة. فمن مراجع البحث المدونة في آخر الكتاب عربية واجنبية، ومن فهرس الاماكن الجغرافية التي كشف عنها المؤلف يدرك القارىء العمل الجبار الذي قام، متوجا به اعماله السابقة.
التمهيد للمسيحية في ارض لبنان كتاب من ثلاثة اقسام، استهل القسم الاول منه برسالة القديس بولس الى اهل رومة، مدخلا الى الفكر الديني في لبنان القديم، وقبل ان يتطرق المؤلف لموضوع "جذور المسيحية في لبنان"، توقف عند ظاهرة التدين عند اللبنانيين، بدءا بعصور ما قبل التاريخ حتى ظهور المسيحية في نهاية مرحلة التاريخ القديم وذلك في هدف تبيان التهييئات المهمة التي قدمتها ارض لبنان للمسيحية ومهدت لها. من كلمة السيد المسيح "انا ما جئت لابطل بل لأكمل" مشى انطوان خوري حرب في هذا العمل مؤرخا وعالم آثار وموثقا بدقة المعلم وازميل نحات. فمن تنقيباته ان اقدم معالم الفكر الديني في لبنان ظهرت عند انسان انطلياس القديم منذ حوالى اربعين الف سنة، والذي كان يدفن بطقوس قائمة آنذاك على وضع مواد غذائية الى جانبه كما وأدواته الحجرية، ما يشير الى إيمان هذا الانسان القديم بحياة ما بعد الموت. في التركيز على النص والتصميم، نستدل على الثالوث اللبناني – الفينيقي المؤلف من إيل الإله المطلق، وعشتروت الأم الكلية مثالاُ للعنصر الأنثوي، والبعل أدون. توارث اللبنانيون عقيدة عبادة "الإلهة الأم" وطقوسها، من عشتروت أولاً العنصر الأنثوي في الوجود. ومن الصور التي تشكّل هذا الكتاب منحوتة في الحجر للأم المرضعة، وقد التقطها المؤلف في أفقا والى جانبها صورة للسيدة مرم ترضع الطفل، وما يلقننا إياه الدكتور حرب هو أن أبناء أفقا يكرّمون صورة العذراء الأم المرضعة، كما أسلافهم عبدوا عشتروت.. الكتاب الشيّق يمضي بنا الى الأماكن التي بقيت فيها آثار هؤلاء، من أفقا وبعلبك وجبيل، حيث يغدو عالم الآثار راوياً يخبر اسطورة أدون من موته الى قيامته.
المسيح ولبنانالمدخل الى هذا القسم للبابا يوحنا الثاني وما قاله لدى زيارته للبنان عام 1997: "يا رجال ونساء لبنان لقد كان المسيح نفسه أول من نقل الى أسلافكم البشارة الإنجيلية... "ثم بعده ينتقل حرب الى الجليل "موطن الجليلي" وبين تاريخ وجغرافية يعرّفنا على المقوّمات الطبيعية لأرض الجليل وبنية إثنية أهل الجليل. الصور تشل إرث هذا الكتاب الكبير، من حرمون الجبل المقدس والذي عليه تجلّى السيد المسيح أمام تلامذته بطرس ويعقوب ويوحنا، الى مقام النبي شيت وفسيفسائية عن معجزة قانا، وجدرانية السيدة العذراء، ورحلة السيد المسيح الى فينيقية والمدن العشر.يقول هذا الكتاب: "بسبب مجيء السيد المسيح الى صور ثم انتقاله الى صيدا وعبوره المناطق الجنوبية في طريقه الى بحر الجليل، يصح اعتبار ارض الجنوب اللبناني، أرضاً مقدسة شاءها المخلّص ان تكون ذات كرامة خاصة.
انتشار المسيحية في لبنان"اذهبوا الآن وتلمذوا كل الامم، معمدين اياهم باسم الآب والابن والروح القدس".بهذه الوصية للسيد المسيح انطلق الرسل بعد العنصرة ينقلون البشارة الى الأمم، ومع العمل التبشيري بدأ الاضطهاد على يد اليهود أولاً لأنهم كانوا بانتظار مسيح يخلّصهم من التشتت ويحقق لهم ملكوتا أرضياً، في حين ان الديانة الجديدة دعت الى المحبة والتسامح والتحرر من الخطيئة وعدم التمسك بفرائض الناموس اليهودي المتزمت. ثم الرومان المتمسكون بطقوس تقوم على عبادة الآلهة المتعددة الأوصاف والمراتب.الأسلوب مشوّق، يعيد الى الذاكرة تفاصيل منسية من أسماء الذين استشهدوا في الزمن الأول لانتشار المسيحية، كما نستعيد اسم الفيلسوف بورفيريوس الصوري الأصل والذي تصدى بعلمه وفكره للعقيدة المسيحية في القرن الثالث بعد الميلاد. ومن أشهر مؤلفاته "حياة أفلاطون" و"حياة فيتاغور" و"تاريخ الفلسفة" وكتاب "الايساغوجي" الذي يعتبر من أعظم الكتب التي طبعت القرون الوسطى بطابعها.من الدين الى الفلسفة يأخذك هذا المؤرخ المطلع في الزمن، ولا يمر على الأحداث بسطحية، بل تحفر معه وتتلقى من دروس الماضي ما تعيشه اليوم.اسمعه يروي لك قصة هذا الفيلسوف بورفيريوس الذي كان من كبار مناهضي المسيحية، في خمسة عشر مؤلفا بعنوان "ضد المسيحية". وبالرغم من ذلك اعتبره القديس والفيلسوف اغوسطينوس أعلم الفلاسفة، كما تصدى له أسقف صور ميتوديوس، وكتب ضد المرافعات دفاعاً عن المسيحية، الى أن استشهد في اليونان على يد السلطة الرومانية المتمسكة آنذاك بعقيدتها الوثنية.ويتابع انطوان خوري حرب يروي التاريخ هذا مرتكزاً على الوثائق القديمة، منوّراً أمامك انتشار المسيحية في العالم، بالصور والحفريات الأثرية والفسيفسائيات، وأنت بين قراءة ومتعة الألوان تغدو ذاك الإنسان القديم العائد الى دياره بعد ألفي سنة يتفقد الدروب التي عبرها السيد المسيح وأرسى فيها تعاليمه ومعجزاته.ومع تقدمك في الاطلاع على تاريخك في هذا الكتاب الكبير، الواسع وسع التراث، يصبح النص متخاوياً مع هذا الكم الهائل من الآثار. وتتساءل لماذا لبنان الصغير بمساحته، قدّر له أن يكون مهداً للفكر الديني، وأرضاً خصبة للعقائد التي تتالت عليه وتركت في معابدها ومنحوتاتها آثارها حتى مجيء المسيحية التي رسّخت على أنقاض المعابد دين المحبة والتسامح الذي جاء له المسيح مبشّراً؟
مي منسى