تروي الكاتبة الالمانية هنكي سيدوف في كتابها بعنوان "عفوا كولومبوس قبلك بـ2000 عام وصل الفينيقيون الى اميركا"، وكانت الكاتبة الالمانية جاءت الى لبنان بزيارة رسمية بدعوة وجههتها اليها السيدة مهى الخليل الشلبي لزيارة صور حيث قامت بجولة على آثارها... وقفت الزائرة على شاطئ صور الجنوبي، واشارت بيدها الى البحر، وتلت عنوان كتابها امام الجميع من المسؤولين المرافقين... فالصوريون، اباً عن جد، صنّاع سفن. ألم تغادر ابنة صور اليسار شواطئ المدينة الى بلاد المغرب وشيدت هناك مدينة قرطاج ورافقتها حاشيتها على متن سفن من صناعة ابناء مدينتها صور؟ للأسف هذه الصناعة تواجه الاندثار اليوم لأسباب عدة، ابرزها الكلفة المالية وغلاء الخشب والمازوت وانقطاع الكهرباء، واهمها غياب الاهتمام الرسمي بمطالب الصيادين وبأوضاعهم المادية وعدم مبالاة المسؤولين للمحافظة على هذا الارث التاريخي الثمين.
آل بربور وصناعة السفن
عائلة آل بربور ارتبط اسمها بهذه الصناعة جيلاً بعد جيل ويتوارثها افراد العائلة... المعلم ايليا بربور، الوريث الاخير (80 عاماً) هو المعلم الحصري الوحيد الآن، يساعده اولاده الذين لا يقلّون مهارة عنه. يقع محل عمله ومنشرته المكتظة بالاخشاب عند مدخل حارة المسيحيين في صور المواجهة لميناء الصيادين حيث ترسو عشرات المراكب للصيادين في حوض الميناء وكلها من صناعة آل بربور.يقول المعلم ايليا "بدأت ممارسة المهنة منذ الصغر مع والدي، وفي العام 1958 تسلمت العمل، وعندما كبر اولادي ساعدني بعضهم وتعلموا المهنة واتقنوها". وبكل حسرة يضيف "كنا نصنع في الماضي اكثر من 15 مركباً صغيراً وكبيراً في السنة للصيادين في ميناء صور وغيرهم من موانئ لبنانية عدة، الى جانب مراكب سياحية للمغتربين، وكانوا يقصدوننا من ميناء جونيه ومنياء العقبة في الاردن".ويفاخر المعلم ايليا بأن وزارة التجارة اللبنانية "طلبت منا العام 2000 صناعة مركب كبير بمواصفات فينيقية للاشتراك في معرض للسفن اقيم في البرتغال. صنعته مع اولادي، وكانت مقدمته رأس حصان وفي الخلف ذنب حورية بحر وعلى جانبيه المجاديف، ونقل الى البرتغال ورافقناه ورفعنا علم لبنان على احد سواريه ونال اعجاب كل من رآه وحصد الجائزة الثالثة بين العشرات من المراكب من دول عدة، وكانت صورنا في كل وسائل الاعلام". يقول متحسراً "كانت ايام عز، أما الآن فأصبحت صناعة المراكب الخشب "صفر" لارتفاع الكلفة واسعار الخشب والمازوت وانقطاع الكهرباء وغلاء الاجور، اضافة الى الوضع الاقتصادي الذي يتخبط به الصيادون، واكثرهم لا يجنون ثمن المازوت الذي يستعملونه، اذ يخرج معظمهم للصيد ويعودون فارغي اليدين. تعب وسهر وشباك خالية وافواه بانتظاره. والاسباب كثيرة، اولاً الصيد بالديناميت من البعض الذي يقتل السمكة وبويضاتها. كما ان البعض يستعمل الشباك الضيقة والتي تصطاد السمك الصغير من دون رقيب او حسيب، فيما يستعمل البعض الآخر السموم التي تقضي على كل شيء، الى جانب رمي الاوساخ في البحر من دون مسؤولية. كل هذه الاسباب تقضي على الثروة السمكية وتنعكس على الصيادين فقرا وتعتيراً وقد يكونوا هم الوحيدين في المجتمع من يطبق "اعطنا خبزنا كفاف يومنا".
صيادون يتذمرون
يقول احد الصيادين العتاق كل هذه المشكلات تحل بشهر واحد، بتنفيذ القانون البحري الجدي وبقبضة حديد جدية تمنع كل ما هو ممنوع، مما يحفظ للصيادين وعيالهم رغد العيش، وتعود الحركة الى الميناء، ونعود الى سماع هدير منشرة المعلم ايليا ويجدد الصيادون مراكبهم وتعود سمكة صور الى سابق شهرتها. أليس عيباً على وطن مثل لبنان يحده غرباً البحر من اقصى جنوبه الى اقصى شماله ويأكل اهله السمك المثلج ويدفع من اقتصاده الملايين ثمنه، وسمكنا يموت في البحر او ممنوع ان يصل الينا؟ حتى السمك هجر لبنان!