"قانا الجليل في جنوب لبنان" -
حرفٌ من كتاب - الحلقة 182
"دامغةٌ هي الإِثباتاتُ التي تُعيّن موقع قانا الجليل في جنوب لبنان سنداً إِلى مؤَرّخ الكنيسة الأُسقف أُوزاﭘـيوس (القرن الثالث)، وإِلى القديس جيروم (القرن الرابع)، وسنداً إِلى نُصوص الأَناجيل وآثار المسيحيين الأُوَل محفورةً على الصخور في جوار قانا الجليل".
بهذه العبارة المسؤُولة من بطريرك أَنطاكية وسائر المشرق والإِسكندرية وأُورشليم مكسيموس الخامس حكيم افتتح المؤَرّخ يوسف الحوراني كتابه "قانا الجليل في جنوب لبنان" الصادر عن وزارة السياحة سنة 2002.
وأَحسن المؤَلّف في مستهَلّ كتابه بتأْكيد خطإٍ تاريخيٍّ وقع فيه كثيرون أَنّ بلدة المعجزة الأُولى هي كفركنّا في فلسطين البعيدةُ خمسةَ أَميال عن الناصرة، كما أَخطأَ في التشخيص فيكتور غيرين (Guérin) محدِّداً خربة قانا موقعاً للمعجزة. سبب هذا اللغط أَنّ منطقة جنوب لبنان كانت مجهولةً لم يزُرها المؤَرخون والحجّاج لوعورة مسالكها، حتى بدأَ البعض في القرن التاسع عشر يكتشف قانا اللبنانية، ومطابَقَتَها مع الاسم الكامل الوارد في إِنجيل يوحنا: "قانا الجليل"، وتَوارُدَ ذكرها منذ القِدَم في تقاليد البلدة ومعتقداتها، وفي مغارتِها ومحفورات فيها ترمز إِلى المسيح وتلامذته.
عن هذا الموقع كتب مؤَرخ الكنيسة أُوزاﭘــيوس: "قانا حتى صيدون الكبيرة، قرية في الجليل لقبيلة أَشير. في هذا المكان حوَّل ربُّنا وإِلهنا يسوع المسيح الماءَ إِلى طبيعة الخمر". والقديس جيروم الذي قطع المسافة مشياً كي يتأَكّد من الموقع كتب: "قانا، حتى صيدون الكبرى، كانت لقبيلة أَشير، فيها حوَّل سيِّدُنا ومخلِّصُنا الماءَ إِلى خمر. وهي اليوم قرية في جليل الأُمم". ومصداقية القديس جيروم أَنه عاش في المنطقة، ويعرف مواقعها، وكان اختصاصياً في تحديد المواقع الجغرافية الواردة في الكتاب المقدس.
وفي الأَناجيل أَنّ المسيح إِبّان تبشيره جاء إِلى تُخوم صيدا وصور، وأَنّ أَوّلَ امرأَة آمنَت به كانت من بني أَشير، وهي قبيلةٌ كنعانيةٌ معارِضةٌ أَهلَ اليهود كسائر أَهل تلك المنطقة في نواحي صيدا وصور.
و"وادي عاشور" اليوم، قبالة قانا اللبنانية، ذِكْرٌ واضحٌ لقبيلة أَشير في "جليل الأُمم" الذي سكانُه من غير اليهود.
وفي تأْكيد الموقع أَنّ الـمسافة التي اجتازها المسيح من الناصرة إِلى مكان العرس تُطابق ما جاء في إِنجيل يوحنا: "وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الجليل، وكانت أُمُّ يسوع هناك، فدعي يسوع وتلامذتُه إِلى العرس".
وفي كتاب "على خطى يسوع المسيح في فينيقيا لبنان" يؤَكِّد مؤَلِّفُه المستشرق مارتِنْيانو رونكاليا، الذي مشى المسافة من الناصرة إِلى قانا لبنان، أَنها هي ذاتُها المسافةُ التي اقتضاها سيرُ المسيح كي يصل إِلى قانا ويجترحَ أَوّل أُعجوبة حوَّل بها الماء إِلى خمر و"آمَنَ به تلامذتُه"، وكان ذلك على أَرض لبنان.
كتاب يوسف الحوراني "قانا الجليل في جنوب لبنان" مرجِعٌ علْميٌّ تَلَتْهُ دراساتٌ معمَّقةٌ أَثبتَت في التاريخ والجغرافيا أَن الذي جال في صيدا وصور يسوعاً مَشَح الماء خمراً في قانا، وحين غادر لبنان بات اسمُه يسوع المسيح.
يتم نشر هذا المقال في موقع "جماليا" بالتزامن مع بثّه في إذاعة "صوت لبنان" يوم الأحـد 17 آب 2014
*
اقرؤوا المزيد عبر الروابط للمقالات المتعلقة بالموضوع
Envoyé de mon Ipad