Translate

lundi 17 août 2015

على خطى المسيح في جنوب لبنان - نص محدث - بقلم جوزف خريش




على خطى المسيح في جنوب لبنان 
- نص محدث- بقلم جوزف خريش

أقسام البحث :
مقدمة
اولا : بين يارون و قانا، طلّة اولى على ربوع لبنان ووجوه العهد القديم
ثانيا :  بين صور والصرفند ،ايمان الكنعانية العظيم
ثالثا : في صيدا ، بين الانتطار والعبور  ( سيدة المنطرة ) الى التجلي
رابعا :  من صيدا الى حرمون وسفوحه ،موقع التجلي وبداية درب الصليب
خامسا : على طريق موطن اقرباء يسوع وموطن احباء الله

مقدمة:
في اثناء زيارته التاريخية الى لبنان في ايار 1997 خاطب البابا القديس يوحنا بولس الثاني مئات الالوف من اللبنانيين المتحلقين حوله في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت بقوله : " نحن هنا في المنطقة التي وطئتها منذ الفي سنة قدما السيد المسيح مخلص العالم ... أيها اللبنانيون واللبنانيات إن ابن الله نفسه كان اول من بشّر أجدادكم. فإن هذا لامتياز عظيم... لا يمكننا أن ننسى أن صدى كلمات الخلاص التي نطق بها يوما في الجليل قد بلغت باكرا الى هنا.....فلبنان هو بلد بيبلي " ، مكررا في  كلمة اخرى في اطار الزيارة عينها أن " لبنان هو ارض مقدسة وأرض قداسة وقديسين ".
بعد 12 سنة من تلك الزيارة التاريخية تعددت الاصوات والابحاث ، في مختلف الاوساط الدينية والثقافية وحتى السياسية الداعية الى تعزيز السياحة الدينية ، كجزء من تعزيز الحوار بين الاديان والعيش المشترك في لبنان الذي باتت مقولة البابا القديس عنه " لبنان الرسالة " على كل شفة . من بين تلك النداءات التي مهدت منذ عام 2009 لاعلان يوم عيد البشارة الواقع في  25 اذار من كل سنة عيدا وطنيا جامعا ، كانت كلمة لرئيس الوزراء اللبناني قال فيها : "ان لبنان  يزخر بالمعالم الدينية وبالمزارات التاريخية والأماكن التي تكتنز قيما مقدسة لدى مسيحيي العالم أجمع، التي من شأنها أن تؤمن إليه دفقا دائما وعلى مدار السنة من الزوار الخارجيين إن أحسنت الحكومة تطويرها والترويج "  . واضاف : " أن من شأن هذه السياحة،التي تثبت أبناء لبنان وبناته في أرضهم،أن تثبت أيضا لبنان الرسالة، مكانا دائما للقاء الأديان والحضارات وللحوار ".

من هنا كانت انطلاقة مشروع " على خطى المسيح في جنوب لبنان " . يشكل هذا البحث محاولة لمقاربة موضوع له أهميته، في الظروف الراهنة، يتعلّق بينابيع الإيمان، فوق الأرض اللبنانية، مستفيدا في تحليله من بعض ما انتهت اليه دراسات وابحاث واكتشفات أثرية ، ومن تنامي الوعي لدى جميع اللبنانيين بأهمية تراثهم الوطني الديني والثقافي .
اردنا ان يتمحور البحث حول الاجابة على السؤال : ما هي أبرز المحطات في رحلات المسيح الى جنوب لبنان والبقاع ، وما هي الظروف والأهداف التي أحاطت بها ؟  مقاربة يتتّبع فيها البحث المسارات المحتملة التي سلكها السيد المسيح ورسله ، إستناداً الى نصوص كتابية بيبلية وكتابات مؤرخين وباحثين وتقاليد ومرويات محلية.
يمكن حصر هذه المسارات في المحطات والمواقع الجغرافية التالية انطلاقا من الجنوب الى الشمال ، وعلى مسارين : ساحلي غربي ، و شرقي جبلي وشرقي  :
اولا : بين يارون و قانا، طلّة اولى على ربوع لبنان ووجوه العهد القديم
ثانيا :  بين صور والصرفند ،ايمان الكنعانية العظيم
ثالثا : في صيدا ، بين الانتطار والعبور  ( سيدة المنطرة ) الى التجلي
رابعا :  من صيدا الى حرمون وسفوحه ،موقع التجلي وبداية درب الصليب
خامسا : على طريق موطن اقرباء يسوع وموطن احباء الله

أولا : بين يارون و قانا ، طلّة اولى على ربوع لبنان ووجوه العهد القديم

1- يشير احد علماء  الكتاب المقدس الفرد دوران، في بداية القرن العشرين، الى ان رحلة السيد المسيح في ارض لبنان بدأت من نقطة تقع قرب بلدتي يارون ومارون الراس ، المحاذيتين ، من جانبي الحدود،  لمجموعة من القرى والبلدات المتعددة الأديان والمذاهب.هناك عرف منذ الالف الثاني قبل المسيح نظام " المدن الملجأ" . من بين تلك البلدات القريبة من بحيرة الحوله  بلدة الجش (جيسكالا) التي هي بحسب بعض المؤرخين (جيروم) مسقط رأس عائلة بولس الرسول . من هناك  يطل السائح على مواقع غنية بالذكريات البيبلية، وعلى مشاهد طبيعية جميلة . ينحدر الطريق الى واديين يؤدي كل منهما ،عبر سلسلة من المرتفعات والأودية، الى قانا وصور. ينحدر الوادي الأول غربا بإتجاه عين ابل ورميش ودبل والقوزح، ليصعد الى ياطر وكفرا وصديقين فقانا. فيما  ينعطف الوادي الثاني شمالاً من يارون الى عين ابل وبنت جبيل وكونين وبيت ياحون وتبنين وحريص، وقد يمّر ايضاً في دير انطار . لعله موقع انتظار ، على غرار موقع تلة الانتظار  فوق تلة سيدة المنطرة في مغدوشة ؟

يشير النص الانجيلي ان السيد المسيح كان عندما يتجول في أرض الوثنيين لم يكن يسلك طرقا مألوفة بل يتجول متخفياً اكثر الاحيان عن الانظار (مرقس 7/24). إلا ان اسمه وعجائبه التي كانت تسبقه وتذيع صيته في كل مكان من المنطقة لم تكن لتتيح له الاحتجاب عن أنظار الجموع التي يقول عنها النص الانجيلي انها كانت تتقاطر اليه طلباً للشفاء والاستماع الى أقواله ،آتية اليه من كل مناطق فلسطين وسوريا وخصوصا " من حول صور وصيدا" (مرقس 3/8، لوقا 6/17). وبعبارة " رحل الى جهات صور وصيدا " (متى 15/21) يمكن ان يقصد اكثر من  رحلة واحدة قام بها السيد المسيح متجولاً ومتوغلاً، للإختلاء في الجليل الاعلى ولبنان ، وللتأمل في طبيعة لبنان مع عدد من تلاميذه المختارين ، او للتخّلص من مطاردة اعدائه له، وخاصة بعد مقتل يوحنا المعمدان.
في جوار تبنين ، حيث تقع قلعة صليبية تضم بين أسوارها كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم، ينقل التقليد ان السيد المسيح وقف عند تلة مطلة على منظر جميل يشمل جبل حرمون شرقاً ومدينة صور غرباً، متأملاً في أمجاد ماضيها ومصيرها كما سبق وتأمل النبي حزقيال وتنبأ لمدينة صور بالخراب بسبب خطاياها ، الكبرياء وعبادة المال . (حز 27 و 28) . عند ذلك الموقع ، الذي قد يكون "دير انطار" ، قرب قرية "السلطانية" ( كانت تسمى  "اليهودية " قبل 1960) ، يمتد مشهد بانورامي جميل يضم في لوحة واحدة شبه جزيرة صور العائمة كصخرة على وجه المياه في البحر المتوسط غربا ، من جهة ، وجبل حرمون المنتصب شرقا مكلللا بالثلج على مدار الفصول الاربعة ،من جهة أخرى . تشير المرويات والتقاليد ( راجع الاب ضو ) الى وقفة وقفها المسيح هناك متأملا في ماضي صور وفي جذوره البشرية فيها، جذور تصله بجدّه العشرين "يورام" (راجع متى 1\8) زوج عتليا الحفيدة المشتركة لكل من الملك العبري أخاب ( 874-853) والملك الصوري ايتوبعل الاول من خلال ابنته ايزابيل زوجة الملك أخاب (1ملوك 16/31). الملكة ابنة صور هذه والجدّة العليا ليسوع كانت قد انتهجت سياسة مشحونة بالتعصب القومي والديني عندما حاولت أن تفرض على الشعب اليهودي طقوسا وعبادات فينيقية وثنية ، مما ادى الى نشوب ثورة ضدها (3 ملوك 17\1) فقتلها متطرفون صونا لديانة الاله الواحد في وجه آلهة البعل .
Aperçu

تشكل قانا محطة رئيسة على طريق يسوع داخل جليل الامم ، كما تشكل محطة اولى في إعلان رسالته العالمية ومجده أمام الناس ، من خلال معجزة تحويل الماء الى خمر في " عرس قانا الجليل " . وقانا ، وفقا لشهادة كل من مؤرخ الكنيسة الاول اوسابيوس القيصري (265-340) والقديس جيروم من القرن الخامس وفرنشيسكو سوريانو حارس الاراضي المقدسة في القرن الخامس عشر ،  والبطريرك الطيب الذكر مكسيموس الخامس حكيم ، والمنسنيور بولس فغالي وغيرهم من الباحثين والمؤرخين اللبنانيين وغير اللبنانينن ، هي "قانا واحدة وهي الان في لبنان" . (راجع : م.ب. رونكاليا ، "على خطى يسوع المسيح في فينيقيا- لبنان" 2007، ص 134) .
تستحق قانا الجليل اللبنانية هذه وقفة طويلة ومعمقة ، لا من السياحة الدينية وحسب ،  بل من التاريخ الديني والثقافي بصورة عامة ايضا . فمعالمها ناطقة بأحداث منقوشة على صخور وادي عاشور وأجرانها ومغارتها التي تذكّر بقانا العرس الانجيلي، وبقانا "مدينة الملجأ" ، حيث كان المسيحيون الأولون يتوارون عن الأنظار هرباً من ألإضطهاد، غداة استشهاد اسطفانس طليعة الشهداء المسيحيين عام 34 . جاء في كتاب أعمال الرسل " أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب اسطفانوس فاجتازوا الى فينيقية" .
في كتابه الموثق اثبت الباحث الايطالي مرتينيانو رونكاليا هذه الوقائع، ومن بينها ان يسوع زار قانا مرتين : الأولى في اذار عام 28 حين اجترح معجزته الأولى، والثانية في آب من السنة نفسها حين شفى ابن احد الضباط الرومان وآمن به الرسول نتنائيل . ان كتاب رونكاليا الغنيّ بالمعلومات عن علاقة قانا وجنوب لبنان بالكتاب المقدس تستحق وقفة طويلة ، لأنها تسلط الضؤ على احداث تستند الى مصادر معرفية لا تعرف عنها الثقافة اللبنانية الحالية إلا النذر القليل.

ثانيا : -بين صور والصرفند ، ايمان الكنعانية العظيم
لا تؤكد النصوص الكتابية ان السيد المسيح دخل الى مدينة صور بالدرجة عينها من التأكيد لدخوله الى مدينة صيدا : " ثم مضى من هناك وذهب الى نواحي صور وصيدا فدخل بيتاً" (مرقس 7/24) . وايضا : " ثم خرج من تخوم صور ومرّ في صيدا " (مرقس 7/31). غير ان هناك اكثر من تقليد متوارث اثبتته كتابات المؤرخين الاولين ، مثل اوسابيوس القيصري والقديس جيروم وغيرهما، مفاده ان السيد المسيح استراح عند " رأس العين " جنوبي مدينة صور وتناول طعاماً عند ذلك الينبوع وشرب منه. وعند احدى بوابات صور كان المسيحيون الاولون ، الى العهد الصليبي، يكرمون صخرة كان يقف السيد المسيح فوقها ليعلّم الناس. (لبنان في حياة المسيح، بطرس ضو، 1980، ص 6-265 )
عند مشارف صور او قريبا من الصرفند - وقد يكون الموقع الملوّح اليه هو عدلون، شفى السيد المسيح ابنة المرأة الكنعانية او السيروفينيقية، الناطقة باليونانية للدلالة على وثنيتها من جهة وعلى انتمائها الفينيقي الصوري تمييزا له عن الفينيقي القرطاجي ربما - من جهة اخرى- بالنسبة لذوي الثقافة الرومانية اليونانية ( متى15/21 –28 ومرقس 7\24-30) . كانت تلك السيدة قد سمعت ان السيد المسيح دخل هناك بيتاً، فجاءت مسرعة تستغيث به طالبة الشفاء لأبنتها. أمام اصرارها تعجّب يسوع من ايمانها ، على الرغم من اللهجة القاسية التي خاطبها بها اولا . لكنه امام قوة شخصيتها وحدة ذكائها وايمانها الكبير ما كان منه الا ان يستجيب لطلبها  :" ما اعظم ايمانك ايتها المرأة، فليكن لك ما تريدين " (مرقس 7/21 – 28). ذٌكر في كتابات القرن الثالث ان تلك المرأة كان اسمها يوستا، اي عادلة أو عدلاء، واسم ابنتها بيرينيق ( في الميامر المنسوبة الى القديس كليميس).

في طريقه من صور الى صيدا، مرّ السيد المسيح في الصرفند، (وهي " صارفة صيدا" وتعني مصهر الزجاج) . ورد اسمها في مواعظ المعلم الالهي اكثر من مرة في معرض ذكره للعلاقة بين النبي ايليا وأهل الصرفند، معربا عن تقديره لإيمان اهل صيدا وصور ومشيدا بايمانهم كما فعل مع الكنعانية . قال : " ان صور وصيدا تكون لهما حالة اكثر إحتمالا يوم الدين" ، مقارنة بحال بعض المدن اليهودية التي كانت قد عاينت الآيات وسمعتها ولكهنا لم تؤمن كما آمن اهل صور وصيدا (لوقا 10/13 – 14)
 في عظة اخرى القاها السيد المسيح في الناصرة، ذكر أيضا " صارفة صيدا "، مشيداً بإيمان اهلها ايضا : "ارامل كثيرات كنّا في اسرائيل في ايام ايليا حين حدث جوع عظيم... ولم يبعث ايليا الى واحدة منهن الا الى صارفة صيدا، الى امرأة ارملة (لوقا 4/5 -26) انقذها ايليا وعائلتها من الجوع (3 ملوك 17/8 – 24) . يومها تفوّهت الأم اللبنانية بكلام عبّر عن ايمان عظيم بآيات النبي إيليا، وماثل الى حد بعيد الكلام الذي نطقت به بعدها بحوالي ثمانية قرون ابنة وطنها يوستا (عادلة) الكنعانية السيروفينيقية، معلنة هي ايضا عن "ايمانها العظيم" : " الآن علمت انك رجل الله حقاً وان كلام الرب في فيك حقا " (3 ملوك 17\24)
جدير بالذكر ان التقاليد المسيحية (والاسلامية من بعدها عبر العصور) ذكرت ايليا النبي، فشيدت في الصرفند كنيسة تخلد ذكرى اقامة ايليا فيها واحسانه الى اهلها. لا يزال يوجد حتى اليوم مقام على اسم "الخضر"، وهو عبارة عن مزار يقصده الحجاج من مختلف المذاهب. يشير اليه المؤرخون والحجاج منذ القرن الرابع على انه المكان الذي كان فيه بيت الأرملة التي زارها النبي ايليا وشفى ابنها. (لبنان في حياة المسيح، بطرس ضو، 1980، ص 268 )
ثالثا : في صيدا ومغدوشة سيدة المنطرة وجوارها ، بين الانتطار والعبور الى التجلي
إن مرور السيد المسيح ورسله في صيدا ثابت في النص الانجيلي بصورة صريحة : " ثم خرج من تخوم صور ومر في صيدا "   ، ( مرقس 7/31 ومتى 15/21 – 29 ). وكذلك يثبت النص المقدس إقامة بولس الرسول في كل من صور وصيدا بضعة أيام : " مكثنا هناك سبعة ايام " ( أعمال الرسل 21/4 ) و " أقبلنا الى صيدا فعامل يوليوس (الضابط الروماني) بولس بالرفق وأذن له ان يذهب الى اصدقائه (الصيداويين) ليحصل على عناية منهم " ( أعمال الرسل 27/3 )
الى ذلك هناك تقليد قديم اشارت اليه القديسة ميلاني من اواسط القرن الرابع ( 343-410 ) بقولها انها رأت في صيدا بيت المرأة الكنعانية التي شفى السيد المسيح ابنتها. وقد تحول هذا البيت، مع الزمن، الى كنيسة مكرّسة على اسم القديس الشهيد فوقا من بداية القرن الرابع ( 303 ) ، ( راجع حياة المسيح في لبنان ، بطرس ضو، ص 265 )
في العهد الصليبي كان التقليد لا يزال يشير الى وجود حجر مرصوف في حنية كنيسة دأب المؤمنون على تكريمه، اعتقاداً منهم ان السيد المسيح كان يجلس عليه عندما كان يأتي الى صيدا ويعلم اهلها. (المرجع نفسه، ص 268 )
تناقل الحجاج على مدى الحقب التاريخية الذكريات ومشاهد المعالم المتعلقة بزيارة السيد المسيح الى صيدا . ففي القرن السابع عشر يذكر احد الحجاج الأوروبيين، لدى مروره فيها انه زار كنيسة المرأة الكنعانية في حي " الكنان" ، " تحريفاً ربما لاسم "كنعان"، في إشارة الى الكنعانية. كانت تلك الكنيسة تقع قرب ما اصبح يعرف لاحقاً بكنيسة مار نقولا الصغيرة وكاتدرائية الروم الكاثوليك. (راجع مقام سيدة المنطرة، الأرشمندريت سابا داغر، ص 13 سنة 2003). هذه الكنيسة هي اليوم موضع اهتمام من السياحة اللبنانية والمهتمين بالتراث اللبناني لتتحول الى متحف للإيقونات.

اليوم يرتفع فوق تلة مغدوشة الواقعة على مقربة من مدخل صيدا الجنوبي مقام عظيم يحمل اسم " سيدة المنطرة"، إحياءً لذكرى زيارة السيد المسيح وامه السيدة مريم العذراء وعدد من تلاميذه الى صيدا وجوارها. وقد سمي المقام ب " سيدة المنطرة" ( من الجذر اللغوي الارامي "نطر" ويعني انتظر راقب وتأمل )، لأن السيدة العذراء والنساء المرافقات لها "إنتظرن" فوق التلة خارج المدينة عودة السيد المسيح ، وذلك جريا على عادة كانت تحرّم على النساء اليهوديات دخول المدن الوثنية ،كما تردد منذ القديم.
مقام " سيدة المنطرة" يعود تأسيسه الى القرن الرابع، الى مناسبة زيارة قامت بها القديسة هيلانة والدة الأمبراطور قسطنطين الأول، بعد رفع الإضطهاد عن المسيحيين وإقرار صيغة جديدة من الحرية الدينية في جميع أقاليم الأمبراطورية عام 313 في " اعلان ميلانو ". في ذلك الزمن قامت القديسة هيلانة بعدة مشاريع عمرانية منها تشييد كنيستي القيامة والمهد في الأراضي المقدسة، و الإهتمام بترميم مقامات عديدة اخرى في المنطقة منها على سبيل الذكر لا الحصر ترميم واعادة تدشين كاتدرائية  صور (بين 316-320) بعد تدميرها  اثناء موجة الاضهاد الديوقلايسياني ، وكانت اعظم كنيسة في فينيقيا وربما في العالم ، وكنيسة "ابيلا" الواقعة في منطقة  السلسلة الشرقية من جبال لبنان ، شمالي غربي دمشق،   والمشيدة تكريما لذكرى  هابيل  ، وغيرهما من الكنائس  .
بين تاريخ زيارة القديسة هيلانة الى المنطقة وتاريخ اكتشاف مغارة ايقونة " العذراء حاملة الطفل" في مغدوشة عن طريق الصدفة على يد احد الرعيان،  مرحلة طويلة من الزمن (من 313 حوالي الى 1721). يروى ان الايقونة كانت هدية من والدة الامبراطور الى أبناء المنطقة. تزامن اكتشاف المغارة مع قيام حالة من الصحوة داخل الكنائس الشرقية بصورة عامة نجمت عن العلاقات الجديدة بين امارة لبنان في ظل الحكم العثماني وبعض الدول الغربية ، ولا سيما منها فرنسا وايطاليا ،وخصوصا الفاتيكان. علاقات ادت بفضل سياسة الامراء المعنيين والشهابيين المنفتحة عل المسيحية والكثلكة بخاصة، الى تأسيس جمعية الاباء المخلصيين التي منها انطلقت سلسلة من بطاركة الروم الكاثوليك المتحدين مع روما ( 1724). فبفضل هؤلاء الرعاة الجدد ورعايتهم الحكيمة تطور مقام "سيدة المنطرة " من مزار وضيع في مظهره ومساحته  الى مزار واسع تجاوز صيته الرقعة المحلية الى العالمية .فهو يشمل حاليا ، فضلا عن المغارة الاثرية، بازيليك تتسع لحوالي الف مقعد ، وبرجا يرتفع الى علو 28 مترا يحمل في اعلاه تمثالا للسيدة العذراء طوله 8 أمتار . ويماثل بجماله واشعاعه الديني مقام سيدة لبنان في حريصا. (راجع : مقام سيدة المنطرة ، الارشمندريت سابا داغر طبعة 2003  )

رابعا : من صيدا الى حرمون وسفوحه (المدن العشر او الديكابول) موقع التجلي وبداية درب الصليب

حول وجهة مسار الطريق التي سلكها السيد المسيح بعد مغادرته صيدا اقترح الباحثون اكثر من احتمال واحد . يوحي النص الانجيلي : " ثم خرج من تخوم صور ومر في صيدا وجاء فيما بين تخوم المدن العشر الى بحر الجليل" ( مرقس 7\13) بأن السيد المسيح عرّج من صيدا الى الجهة اليمنى الشرقية نحو بلاد الجولان ، قاطعا مناطق المدن العشر،ليعود منها الى طبريا، حيث كان مركز رسالته ونشاطه التبشيري. يرى الاب بطرس ضو  ان " المسيح اجتاز الجبل اللبناني من صيدا حتى مشغرة في سهل البقاع مرورا بجزين . واجتاز لبنان الشرقي من سهل البقاع حتى ميسلون ودمشق" .(لبنان في حياة المسيح ص 275-276) .، فيما يستبعد الباحث واستاذ تاريخ الكتاب المقدس الاب ميشال دوران ان يكون المسيح قد وصل الى دمشق، كما يتبين من الرسم المثبت في هذا البحث.
أيا كانت الاراء حول مسارات رحلة المسيح من صيدا الى حرمون والعودة منها الى طبريا يبقى هناك ثلاث محطات رئيسة لا يمكن تجاهلها: قيصرية فيليبس ، بانياس – حرمون – قسم من البقاع، ابيلينه او "ابيلا".

-
في قيصرية فيليبس وقراها، اعلان تأسيس الكنيسة على صخرة بطرس
يذكر النص الإنجيلي ان السيد المسيح " لما جاء الى نواحي قيصرية فيليبس سأل تلاميذه:"من تقول الناس ان ابن البشر هو "(متى 16/17). وفي مكان آخر : " ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيليبس ..." (مرقس 8/27)، لذلك يجمع الباحثون على ان قيصرية فيليبس هي مدينة بانياس  التي تقع اليوم في الأراضي السورية وعلى مسافة 18 كم شرقا من مرجعيون اللبنانية. وقد سميت هكذا تمييزاً لها عن قيصرية الساحل. كان يحكمها في زمن المسيح فيليبس اصغر ابناء هيرودس وله فيها قصر جميل أبيض. صنّفها الرومان في عداد "المدن الملجأ" التي كان يمنح فيها الملاحقون امام وجه العدالة والمضطهدون حق الحماية. لذلك لم يكن مستغرباً ان يقصدها السيد المسيح مع عدد من تلاميذه المختارين بهدف الإختلاء في طبيعتها البعيدة عن أنظار الأعداء، وحيث يقيم اصدقاء له منهم "المرأة النازفة" التي كان قد شفاها من مرضها في كفرناحوم (متى 9/20 – مرقس 5/25 – ولوقا 8/40)، كما اثبت ذلك المؤرخ الكنسي اوسابيوس القيصري من القرن الرابع (تاريخ الكنيسة، ك7 ف 17 )، ذاكراً ان تلك المرأة ، تعبيراً منها عن شكرها للسيد المسيح، اقامت له في بستانها تمثالاً ظل قائماً حتى القرن الرابع قبل ان يهدمه الأمبراطور جوليانوس الجاحد .
في بانياس القريبة من منطقة الينابيع التي تستقي مياهها من جبل حرمون وتغذي نهر الأردن، يوجد مغارة تعرف منذ القديم بإسم " بانيون" او بان ، اله المراعي والقطعان في المعتقدات الوثنية. كانت تلك المغارة تشكل - حسب التقليد العبري- إحدى " عيون الغمر " التي خرجت منها مياه الطوفان. (سفر التكوين 7/11)
المكان مؤات جداً للإختلاء والصلاة على إنفراد والتأمل (لوقا 9/18) والحوار مع التلاميذ في أعمق المواضيع وأهمها:التكوين ، البشارة ،الفداء ، تأسيس الكنيسة وعالميتها ومستقبلها. وقد تكون أجواء المكان الطبيعية والظروف التي تحيط بالحادثة ملائِما لترنيم صلاة داوود : "لماذا تكتئبين يا نفسي وتقلقين فيّ ... الهي اذكرك من ارض الأردن وجبال حرمون، من جبل مصعر، غمر ينادي غمراً على صوت شلالاتك، جميع تياراتك وامواجك قد جازت علي..." (مزمور 41 )، وأيضاً : " انت خلقت الشمال والجنوب، لإسمك يرنم طابور وحرمون".
سفر المزامير 89: 12
في هذا الجو الطبيعي والنفسي سأل السيد المسيح تلاميذه : " من يقول الناس ان ابن البشر هو؟" .أجاب بطرس : "انت ابن الله الحي". أجابه يسوع بعبارته التأسيسية: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها... وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات..." (متى 16/18 – 19).عمد يسوع في كلامه الى اللعب على لفظة "صخرة" التي ترجمتها باللاتينية بطرس Petrus وبالارامية "كيفا " الاسم البلدي والحقيقي لعميد الرسل.
جبل حرمون يعني الجبل المقدس ( من حرم) . صفة القداسة او الحرمة هذه تنسحب ايضا على غيره من الجبال ، منها "جبل لبنان" كله بما فيه السلسلتان الغربية والشرقية. هذا ما تؤكده نصوص الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، وما أعاده الى أذهان اللبنانيين والعالم منذ سنوات قليلة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عندما زار لبنان (10 ايار 1997) بقوله : " لبنان هو ارض مقدسة وارض قداسة وقديسين". هذا الوصف لا ينحصر في التراث المسيحي وحده بل يمتد الى التراث الإسلامي أيضاً ، حيث نجد في حديث شريف عن ابراهيم ابي المؤمنين أنه " صعد الى جبل لبنان. فقيل له: انظر فما ادرك بصرك فهو مقدس " .(راجع : المسيح عاش ايضا في لبنان، مي والفرد المر، 2005 ص 238 )

موقع التجلي وبداية درب الصليب
بصرف النظر عن مسألة أي طريق سلك السيد المسيح في رحلته من صيدا الى حرمون، يشير النص الإنجيلي الى ان المسيح وتلاميذه المرافقين له امضوا ستة ايام في الطريق قبل الوصول الى جبل التجلي ( حسب متى ومرقس) او ثمانية ايام (حسب لوقا) ، بعد توقفهم في قيصرية فيليبس. اختلف الباحثون في أي هو جبل التجلي .فمنهم من جعلوه في "طابور" الذي لا يتجاوز ارتفاعه ال 655 متر في الجليل الادنى ، ومنهم من رجّح جبل الارز في شمال لبنان على غيره ، فيما يميل باحثون معاصرون آخرون ( مارتينيانو رونكاليا والقس غسان خلف في كتابه "لبنان في الكتاب المقدس"،1985) الى ترجيح جبل حرمون ليكون هو جبل التجلي لا غيره . ومنهم من يرى ان التجلي لا ينحصر في تجل واحد بل هناك تجليات. من الشواهد التي ترجح ان التجلي الرئيسي قد حصل في حرمون لا في موقعٍ آخر ان المسيح قد اتخذ من قيصرية فيليبس نقطة انطلاقه نحو جبل حرمون جيث جرى التجلي ، وأن الأوصاف والقرائن (الجبل العالي والمقدس في متى 17 و2 بطرس 1\16-18) الواردة في الإنجيل عن هذا الجبل تنطبق على حرمون أكثر مما تنطبق على سواه:"وبعد ستة أيام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه فأصعدهم الىجبل عالٍ على إنفراد وتجلى قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالثلج" (متى 7/1 – 26)
كان التجلي مقدمة للدخول في مرحلة جديدة وأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض، مرحلة الآلام التي سيتحملها لدى عودته الى الجليل الأدنى وأورشليم. "وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم يسوع قائلاً لا تعلموا احداً بالرؤيا حتى يقوم ابن البشر من الأموات" (متى 7/9). بهذا تنبأ أنه سيتألم على أيدي الكتبة والفريسيين بتواطؤ مع السلطات الرومانية الحاكمة ، كما تألم قبله أيليا وقتل يوحنا المعمدان بأمر من هيرودس " الذي كان قد أرسل الى يوحنا من أمسكه وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة أخيه فيليبس حاكم المكان . فكان يوحنا يقول لهيرودس: "لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك"، وكانت هيروديا ناقمة عليه تريد قتله" . في تلك الاجواء كان يسوع يعرف أن " هكذا ابن البشر مزمع ان يتألم منهم" (متى 17/12)

بقي جبل حرمون حتى القرن الرابع موقعاً حافلاً بهياكل وثنية متجاورة مع الأديار المسيحية، تقصدها جماهير الحجاج لإقامة الإحتفالات والمواسم الدينية على أنواعها وخاصة في ايام الصيف (6 آب) . في هذا الاطار كتب  القديس جيروم رسالة الى "عذارى جبل حرمون" (Aux vierges de la montagne d'Hermon) يعرب فيها لهن عن عاطفته مشيرا الى حالته النسكية في البرية ، مذكراً ببعض تعاليم المسيح في محبة الضعفاء والخطأة ،ومشيدا بفضائل خادمات الله ، ومما جاء فيها بالترجمة الفرنسية :
"La brièveté de ma lettre est preuve de ma solitude…Au reste je vous prie de pardonner a ma douleur. Je vous le dis , les larmes aux yeux, j'en suis véritablement touché .Apres vous avoir écrit tant de fois, vous n'avez pas seulement daigné me répondre un seul mot. Je sais que les ténèbres ne peuvent s'allier avec la lumières « , et qu'un pécheur comme moi est indigne d'avoir part a l'amitié des servantes de Dieu, mais je sais aussi qu'une femme de mauvaise vie lava de ses larmes les pieds du Seigneur, que les chiens mangent les miettes qui tombent de la table de leurs maitres…. ».Celui a qui on remet davantage aime aussi davantage « .Les anges oubliant tout le troupeau ne se réjouissent dans le ciel que du salut d'un brebis malade. Si quelqu'un veut condamner cette conduite , le Seigneur lui dira ; » Mon ami , si je suis bon, pourquoi votre œil est-il malade ? »
(cf : Correspondance de Saint Jérôme sur :
http://www.abbaye-saint-benoit.ch/saints/jerome/correspondance/045.htm#_Toc63657449

تجدر الإشارة الى ان تلك المنطقة المنفردة الواقعة جنوب وشرق حرمون بما فيها أجزاء من لبنان وسوريا و الأردن، شكلت في القرون المسيحية الأولى وبخاصة إبان الحرب اليهودية الرومانية، "مراكز لجوء" إتقاء من أخطار الحرب والمطاردة. في هذا الصدد يذكر العالم الفرنسي ارنست رينان في مقدمة كتابه "حياة يسوع" ان بعض اقرباء يسوع كانوا لا يزالون يقيمون في المناطق الواقعة شمالي شرقي فلسطين حيث حافظ التراث الجليلي على خطه أكثر من اي مذهب آخر، وان الانجيل برواية متى، قد تمت كتابته في المناطق المشار اليها.
(Ernest Renan , Vie de Jésus, introduction ,note 27 sur:
http://www.lexilogos.com/docuement/renan/vie_jesus_o.htm )

يذكر الأب بطرس ضو في هذا الصدد نقلاً عن جوليانوس الأفريقي من كتّاب ودبلوماسيي القرن الثاني الميلادي ان جماعة لها صلة قربى بعائلة المسيح كانت تعيش هناك. ويعتقد بعض الباحثين  ان إقامة هؤلاء الأقارب كانت في بلدة كوكبا اللبنانية الواقعة في قضاء حاصبيا (بطرس ضو ،لبنان في حياة المسيح، 1980 ، ص 331.وتاريخ سوريا للمطران يوسف الدبس ،ج4 ص 38-40) و(Dict.de la Bible ,Supplement ,t.vi,Paris1960,col 332)

خامسا : على طريق الآباء الأولين ، موطن أقرباء يسوع واحباء الله :

 -  هل قصد المسيح منطقة البقاع وأجزاء اخرى من جنوب لبنان ؟
يستنتج من الآية التي جاء فيها : "ثم خرج من تخوم صور ومرّ في صيدا وجاء فيما بين تخوم المدن العشر الى بحر الجليل" (مرقس 7/31)، ان السيد المسيح صعد من صيدا بإتجاه الشرق مباشرة او الى الشمال الشرقي التفافا حول حرمون باتجاه دمشق ، ليصل في كل من المسارين الى بحيرة طبريا عبر المدن العشر ومن بينها قيصرية فيليبس وأبيلا (وادي سوق بردى) ودمشق وسواها من المدن التي يتعدى عددها العشر ليصل الى ثماني عشرة او عشرين حسب بعض الباحثين.
يمكن الاجابة على السؤال المطروح بعد معرفة الهدف الحقيقي الذي كان حافزاً لتوجيه مسارات الرحلة. يرى عدد من الباحثين أن سهل البقاع ولبنان الشرقي كانا حافلين بالتذكارات والمزارات المتعلقة بالأباء الأولين، آدم وهابيل وقايين و شيت ونوح وأولاد نوح. فهذه البقعة من الأرض التي يعتبر التقليد انها كانت جزءا من الفردوس  كانت مسرحاً للوقائع التي ارتبطت بسيرة  هؤلاء الأباء الأولين. والتقاليد المتعلقة بهذه الوقائع ومزاراتها ترقى الى اقدم العصور . تناولتها الشعوب في هذا الشرق جيلاً بعد جيل. وردت في تواريخ وكتب المؤلفين العرب الذين اخذوها عن المسيحيين. وهؤلاء اخذوها عن الشعوب التي سبقتهم من عبرانيين وفينيقيين وغيرهم، ومن نصوص الكتاب المقدس والنصوص الفينيقية والتلمودية والأشورية والبابلية والمصرية وغيرها". ( الأب بطرس ضو ص 288 و 289 ). لذلك، وبعد الاخذ بالاعتبار لهذه الافتراضات ،لا يبدو مستبعداً ان يكون السيد المسيح قد قصد هذه المزارات العديدة ليكرم فيها أباء العهد القديم والأولياء المشهورين في كتب العهد القديم تاكيدا منه على تواصل رسالة الانبياء. " لا تظنوا اني جئت لأحل الناموس والأنبياء. ما جئت لأحل بل لأكمل" (متى 5/17 ) .لذلك كانت هذه المقامات من الأهداف الأساسية لرحلة السيد المسيح  التي قام بها بوصفه حاجاً أكثر من وصفه لاجئاً او هارباً من وجه اعدائه الذين كانوا يطاردونه في الجليل واليهودية بعد أن جاء اكثر من صديق ينصحه : "أخرج من هنا فإن هيرودس يريد قتلك" ، كما قتل يوحنا المعمدان (لوقا 13/31 )

في سهل البقاع وجنوب لبنان تنتشر بالفعل أسماء تعود الى عدد من الانبياء والاولياء منهم:

هابيل الذي تحول اسمه أحياناً الى "آبل" أو "أبيل" او "إبل". فأطلقت هذه التسمية على عدد غير قليل من المدن والقرى أو دخلت في تركيبة اسمها: آبل القمح،إبل السقي ، عين إبل ، آبل بيت معكا، آبل السوق، وهي ابيلا (لوقا 3/1) . فلفظة "آبل" وردت حوالي إثني عشرة مرة في الكتاب المقدس، وهي كلها تشير الى معنى من المعاني المتصلة بشخصية هابيل. لذلك وبناء على ما تقدم لا يبدو مستغرباً ان يقصد المسيح هذه المواقع، تكريماً منه لذكرى الشهيد الأول للبشرية القديمة، والرمز السابق للمسيح الشهيد الأول للبشرية الجديدة.

تخليداً لذكرى هابيل، الذي تقول عنه التقاليد المختلفة انه قتل فوق جبل قاسيون في القرب من دمشق ودفن في آبيلا (عاصمة ابيلينه المذكورة في لوقا 3/1) بنت القديسة هيلانة هناك في القرن الرابع كنيسة كان لا يزال باقيا منها في القرن السابع عشر "عمودان مرتفعان على منحدر ربوة تبعد عن دمشق ستة عشر ميلاً ... على هذين العمودين حنية تجعل ما بينهما على هيئة باب، وقريباً من هناك أخربة كثيرة يستدل منها على ان القديسة هيلانة قد بنت في ذاك الموضع كنيسة تذكاراً لهابيل البار الذي دفن هناك.
(الأب غوجون في كتابه عن رحلته في الأرض المقدسة (J.Goujon, histoire et voyage en Terre Sainte, 1668, II, p.4)
يقول الأب ضو : "إن ذكرى هابيل وذبيحته وإستشهاده كانت في زمن المسيح تملأ سهل البقاع ولبنان الشرقي ودمشق". لذلك يفترض أن :" هذا الامر كان من دواعي زياة المسيح لهذه الأماكن في رحلته" الى مناطق في لبنان. (راجع ضو صفحة 296). كان الهدف من هذه الرحلة أذن - كما أشرنا- تأكيد السيد المسيح على تواصل الرسالات السماوية.

في البقاع مواقع اخرى عديدة تحمل أسماء الأباء الأولين، نذكر منها موقعين بإسم "النبي شيت"، الأول في رياق والآخر قرب حاصبيا وموقع في جنوب لبنان قرب تبنين ، "برعشيت" وتعني "أرض شيت" . من هذه المواقع التي تحفل بها معاجم أسماء المدن والقرى والبلدات اللبنانية أيضاً "قبر نوح" قرب زحلة و "كرك نوح" و "هِبلا" ، "وتلفظ ايضا حبلا" ،ابنة نوح . ومن اسماء الأنبياء أيضا "حام" في لبنان الشرقي، و "حول" ثاني اولاد آرام بن نوح . لعل من هذا الاسم جاء اسم بحيرة "الحولا" ، التي كانت الى زمن قريب لبنانية، و "ميشا" الإبن الرابع لآرام . من هذا الأسم جاء اسم "ميس الجبل" . (الأب ضو في كتابه المشار اليه (ص 319 – 224). وغيرها العديد من اسماء المواقع.)

-
أحباء الله المقيمون عند العيون في جبل لبنان.

-
 ختاما وتأكيدا على الطابع التعددي والمسكوني بين الاديان نورد نصا من التراث الديني المشترك بين الاديان التوحيدية الثلاثة   ينقل فيه الفيلسوف والفقيه ابو حامد الغزالي  حوارا بين الله والنبي داود وفيه يطلب داود :
- "
يا رب أرني أهل محبتك".فيجيبه الله : " يا داود إئت جبل لبنان، فإن فيه اربعة عشر نفسا فيهم شبان وفيهم شيوخ وفيهم كهول .إذا أتيتهم فاقرئهم مني السلام وقل لهم:ان ربكم يقرئكم السلام ويقول لكم ألا تسألون حاجة.فإنكم أحبائي وأصفيائي وأوليائي ،أفرح لفرحكم وأسارع الى محبتكم".فأتاهم داود عليه السلام فوجدهم عند عين من العيون يتفكرون في عظمة الله عز وجل....قال: فجرت الدموع على خدودهم " .يضع الغزالي على لسان كل واحد من هؤلاء الشيوخ (اللبنانيين) عبارة واحدة ليقول فيها ماهي حاجته. -اجاب احدهم : " لا حاجة لنا في شيء من أمورنا فأدم لنا لزوم الطريق اليك واتمم بذلك المنة علينا". قال آخر :"...أمنن علينا بحسن النظر فيما بيننا وبينك".... فأوحى الله الى داود .. قل لهم قد سمعت كلامكم وأجبتكم الى ما أحببتم فليفارق كل واحد منكم صاحبه وليتخذ لنفسه سربا فإني كاشف الحجاب فيما بيني وبينكم حتى تنظروا الى نوري وجلالي... فقال داود: يارب بم نالوا هذا منك ؟ قال: بحسن الظن والكف عن الدنيا واهلها والخلوات بي ومناجاتهم لي وإن هذا منزل لا يناله الا من رفض الدنيا وأهلها......واختارني على جميع خلقي ، فعند ذلك أعطف عليه ...وأريه كرامتي كل ساعة وأقربه من نور وجهي ، إن مرض مرضته كما تمرض الوالدة الحنون الشفيقة ولدها....اذا سمع بذكري أباهي به ملائكتي وأهل سمواتي ....يا داود لأقعدنه في الفردوس ولأشفين صدره من النظر الي حتى يرضى وفوق الرضا".   ( http://islamport.com/d/1/akh/1/19/171.html# )

هذه المعالم والمعاني والذكريات  التي تشكل تراثا حسيا وروحيا ثمينا لا للبنان فحسب بل للبشرية جمعاء  كم ينبغي المحافظة عليه حيا في النفوس ، وعدم الكلل من إلقاء الضوء عليه اليوم اكثر من أي يوم آخر بعدما اصبح الوطن الصغير برقعته اكثر من موقع جغرافي ، بل رسالة ، كما بات القول به مأثوراً بعد البابا يوحنا بولس الثاني ، وبعد ان اصبح للبنان أيضا اكثر من موقع عالمي على قائمة المواقع التراثية العالمية .


عسى ان يتنامى الوعي في الوجدان اللبناني باهمية هذا التراث، ومن ثم يبذل كل جهد لكشفه وتخصيص ما يقتضيه من وسائل التخطيط والتنقيب وما يستتبعه من  إرساء للبنى السياحية، والثقافية ، بما فيه من من مكتبات ومتاحف ومراكز ابحاث ووسائل إتصال ومواصلات، ، ورسم دروب ومسالك في الطبيعة، وتنظيم رحلات للتعرف الى جمالات البيئة اللبنانية وكنوزها الثقافية والروحية.
إن مثل هذا المشروع، إذا ما أخذ على محمل من المسؤولية – كما اشار رئيس مجلس الوزراء اللبناني في حبنه - قد يكون له أبعاد ومردودات لا تقدر بثمن على كل الأصعدة الحضارية والدينية والإقتصادية .
إن المبادرات القليلة التي إتخذتها في هذا المجال مؤسسات روحية ورسمية وأهلية للتعرف على التراث والبيئة والحفاظ عليها انما هي من نماذج العمل المشجع والواعد الذي من شأنه تعزيز السياحة الدينية والثقافية.أنها مبادرات لا تزال بحاجة الى المزيد من الوعي والإيمان المستنيرين بالحس الانساني والحضاري العميق الذي من المفترض أن تسقط معه كل المنافع والنظريات الفئوية، ليتجلّى وجه لبنان البهي والحقيقي ، كمساحة مصغرة عن عالم يمكن العيش فيه والإيمان بكل حرية ، في عصر عولمة  تتطلب أن يكون في تطبيق مبدأ "الوحدة في التنوع" الضمانة الحقيقية لعيش مبادىء المسيح وتحقيق الاخوة الشاملة في العائلة البشرية الواحدة.


lundi 10 août 2015

للتذكير : اقامة كنيسة التجلي فوق احدى قمم حرمون

للتذكير :

إقامة كنيسة التجلي فوق إحدى قمم جبل حرمون

في انتظار الاذن الرسمي من الدولة للمباشرة في البناء.. 
تجلّي السيد المسيح فوق احدى قمم جبل الشيخ قبل أكثر من الفي عام لا يزال يشغل العالم، ويحاكي الاجيال. وفي اشارة الى أهمية هذه المناسبة اقيم أخيراً قداس في كنيسة مار نقولا في راشيا الوادي، لوضع الحجر الأساس لاحقاً لكنيسة تقام فوق هذه التلال وتحمل اسم كنيسة التجلي، رعاه البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم ممثلا بالمطران غطاس هزيم وفي حضور مطران صيدا وصور وتوابعهما للروم الارثوذكس الياس كفوري، وحشد من المؤمنين يتقدمهم ممثل رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
عن فكرة بناء كنيسة في المكان قال المطران كفوري لـ"النهار": "أتيت مطراناً على هذه الابرشية المباركة منذ العام 1995. ومنذ وصولي وجدت ان الناس هنا ومن كل الطوائف معتادون أن يصعدوا في 5 آب من كل سنة الى جبل الشيخ، "جبل حرمون"، ويمضون الليل هناك، يتسلقون الى القمة ويصعد معهم الكهنة ليقيموا القداديس بمناسبة عيد التجلي. هذا تقليد قديم لم أخترعه أنا أو الذين معي اليوم". لكن لماذا المشروع حالياً؟
الجبل للجميع
يقول المطران كفوري "نحن نقرأ في الاناجيل الثلاثة، متى، مرقص ولوقا أن السيد المسيح أتى الى هذا الجبل وتجلى على قمته، هو وبطرس ويعقوب ويوحنا ومعه كان موسى وايليا. وهذا حدث مهم في ايماننا المسيحي، حدث التجلي كالمعمودية، والقيامة. يحب الناس هذه المناسبة، ويؤمنون بها، يأتون من كل المناطق. العام الفائت، كان هناك زوار من صور وطرابلس وبيروت ومن الجبل ومن زحلة، من أجل ذلك وبناء لإلحاح المؤمنين، وليس قراراً مني، استمررنا في هذا التقليد وعملنا على تطويره، فأخذنا نقيم الصلاة على الجبل، والبعض عمّد أولاده فوق، في ظل أجواء من الفرح، ويختلط الشباب من كل الطوائف في مشهد رائع وجميل. لذا ارتأينا أن يستمر هذا التقليد. وأثناء التداول مع أصحاب الشأن والمعنيين بهذه المناسبة، فكرنا أن نبني كنيسة صغيرة على هذا الجبل، وهذا الامر ليس تحدياً لأحد، وليس تعدياً على أحد، وليس انتقاصاً من كرامة أحد. قيل لنا ان الارض للدولة، فليأتٍ من يشاء ويبني جامعاً وحسينية وخلوة وسائر العبادات، هذا جبل مقدس واسمه هكذا حرمون من قديم الزمان، قبل حتى المسيحية، هو لكل الاديان ولكل الطوائف".
الاذن الرسمي أولاً
وعن الخطوة الاولى في هذا الاتجاه قال المطران كفوري: "نحن نسعى للحصول على اذن من الدولة، لا نريد أن نعتدي على ارض الدولة أو أية اراض خاصة، نحن ننتقد من يعتدون على اراضي الدولة، وإذا لم نُعطَ الاذن فهناك ملك خاص لأحد أبناء الرعية قريب من تلك التلة، فسنبني عليه، ولن نبدأ بالبناء قبل أن نحصل على الرخصة الرسمية من الدولة". وعن تمويل المشروع قال انه من التبرعات، "وننتظر ايفاء وعود كثيرة، وهناك اتصالات من خارج لبنان ايضاً أبدى أصحابها استعدادهم لكل ما يطلب منهم لدعم هذا المشروع الحلم". واضاف "في هذه المناسبة أتقدم بالشكر من كل الذين تبرعوا والذين أبدوا رغبة في التبرع ايضاً، لأن هذا المشروع هو للجميع، أكرر وليس لنا فقط، وخصوصاً أولئك الذين من غير أبناء الطائفة المسيحية، هؤلاء لهم أجران، أجر مضاعف ونشكرهم جداً".
في حال أذنت الدولة بالبناء، متى بدء العمل؟
يجيب المطران كفوري "ما من شك في أننا جاهزون للعمل. أما بالنسبة الى الطريق التي تربط تلك التلة براشيا الوادي والتي يبلغ طولها 12 كيلومتراً والتي لا تزال ترابية، فهل سيتم تأهيلها وتعبيدها تسهيلاً لانتقال المؤمنين الى تلة التجلي قال: "الطريق يجب تأهيلها، هناك أناس يقولون بعدم تعبيدها حرصاً على وضع الجبل الأثري، لا مشكلة المهم تأهيلها بطريقة ما. وفي نظري لا شيء يمنع أن تكون معبدة، وخصوصاً ان قمة جبل الشيخ التي تعلو 2814 متراً تبقى بعيدة عن تلة التجلي أكثر من 1400 متر، آملاً في تسهيل وصول الناس الى التلة".
ورداً عما اذا كان هذا المشروع يعزز السياحة يجيب: "طبعاً يعززها كثيراً، وأكرر انه موقع عالمي، فالناس من الخارج من كندا واميركا واوستراليا، بدأوا بالتوافد الى المنطقة بمجرد علمهم بالمشروع، اعتمر قلوبهم الفرح، لأن هذا رمز للمسيحية ولكل الناس. ان السيد المسيح تجلى على هذا الجبل، على جبلنا، هذه نعمة كبرى بالنسبة الينا. أما التسمية فستكون "كنيسة التجلي".
ويختم المطران كفوري مكرراً "محبتنا لكل الناس، وخصوصاً الذين تعاونّا معهم"، داعياً الجميع الى المشاركة في 5 و6 آب المقبل في الاحتفالات الكنسية فوق تلة التجلي.

منوعات: محترف راشيا يُطلق رحلة التجلّي السنوية إلى جبل تجلي السيد المسيح حرمون لمناسبة عيد التجلي

منوعات: محترف راشيا يُطلق رحلة التجلّي السنوية إلى جبل تجلي السيد المسيح حرمون لمناسبة عيد التجلي

محترف راشيا يُطلق رحلة التجلّي السنوية إلى جبل تجلي السيد المسيح حرمون لمناسبة عيد التجلي

لمناسبة عيد التجلي والذي يُصادف في السادس من شهر آب في كل عام عقد رئيس "جمعية محترف راشيا" الفنان شوقي دلال مؤتمراً صحافياً في راشيا الوادي أطلق فيه الرحلة السنوية الثامنة عشرة إلى جبل حرمون لمناسبة عيد التجلي بتاريخ 5 و 6 أب المٌقبل وبالتعاون والتنسيق مع مطرانية صور وصيدا وراشيا وتوابعها للروم الأرثودكس ، وبحضور عدد من شخصيات إعلامية وثقافية وإجتماعية وجاء في المؤتمر:
بداية مع النشيد الوطني اللبناني وإلى كلمة رئيس الجمعية شوقي دلال حيث وجه تحية حب وتقدير للجيش اللبناني وقائده العماد جان قهوجي لمناسبة عيد الجيش وعمل القيادة الحكيمة على ما تقوم به لإنجاح فعاليات الرحلة إلى جبل حرمون .. أضاف دلال " نلتقي اليوم لمناسبة عزيزة علينا في جمعية محترف راشيا حيث أطلقنا مشروع أول رحلة للتجلي إلى جبل حرمون عام 1993 من القصر الجمهوري وها هي تٌكمل عامها الثامن عشر بكل زخم ونجاح حيث نرى سنوياً آلاف من المؤمنين والمهتمين يأتون من كل لبنان ومن معظم البلدان الأوروبية والعالمية ليشاركونا بهذا الحدث الكوني على تلال حرمون حيث تجلّى السيد المسيح ومن هناك نزل إلى قانا مع تلاميذه وصنع الأعجوبة ، ووجه دلال تحية تقدير لسيادة المطران الياس كفوري والآباء والكهنة في مطرانية صور وصيدا وراشيا وتوابعها للروم الأرثودكس على رعايتهم الأبوية والروحية لهذا الحدث العالمي والتنظيم المميز الذي يُعَدّ لهذ العام "... وأعلن دلال عن تفاصيل الرحلة وكيفية الإتصال والمُشاركة وجاء فيها:
1. التجمع والإنطلاق نهار الجمعة 5 آب المقبل من محلة اليابسة راشيا الوادي إبتداءً من الساعة 12 ظهراً ولغاية 4,30 بعد الظهر
2. الساعة 6,30 من مساء الجمعة 5 آب صلاة الغروب
3. محاضرة من وحي التجلي وسهرة كشفية على إرتفاع 2400 متر
4. الساعة 3من فجر يوم السبت 6 آب الصعود إلى أعلى قمة في جبل الشيخ ومشاهدة شروق الشمس وجميع الأراضي المُطلة من قمم حرمون على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق حتى جزيرة قبرص لمن لديه نواظير .
5. الساعة 9,30 من صباح السبت 6 آب قداس عيد التجلي برئاسة سيادة المطران الياس كفوري ولفيف من الكهنة .
6. الساعة 11 صباحاً العودة إلى راشيا ووجولة على قلعة الإستقلال والسوق التراثي ومنازل القرميد.
على الراغبين في المشاركة:
1. أن يصطحبو معهم ثياب صوف ، كيس نوم ومستلزماته مع حرام ، طعام ، عصا ، مصباح ، ماء للشرب ، خيمة
2. النقل مؤمن لمن يرغب بواسطة بيك أب صعوداً ونزولاً مع تأمين شامل على الصحة مقابل مبلغ 25000 ألف ليرة لبنانية للشخص الواحد .
3. للإشتراك والتسجيل الإتصال باللجنة المُكلفة من المطرانية على الأرقام: 964672/03 ، 688796/03 ، 544364/03
كما يمكن الإتصال بجمعية محترف راشيا لأي إيضاحات مطلوبة على الرقم 892873/03





Envoyé de mon Ipad 

"لنسر حيث سار المسيح" في يوم التجلّي مخيّم ومسيرة على دربه في جبل الشيخ - رلى معوّض - النهار

"لنسر حيث سار المسيح" في يوم التجلّي مخيّم ومسيرة على دربه في جبل الشيخ - رلى معوّض - النهار
عودة الى عيد  التجلي في جبل حرمون :
النهار ٢٣/٧/٢٠١٤
"لنسر حيث سار المسيح" في يوم التجلّي مخيّم ومسيرة على دربه في جبل الشيخ
لجبالنا اللبنانية ألف قصة وقصة، ولجبل حرمون او جبل التجلي او جبل الشيخ، شيخ الجبال، قصص عديدة إذ قدّسته الاديان على اختلافها على مر العصور.

هناك سار السيد المسيح وتجلى، ولسنوات بقي اهل المنطقة يسيرون على خطاه. وهذه السنة في نهاية الاسبوع الاول من شهر آب سيحيي اهل المنطقة هذه الذكرى على طريقتهم "لنسر حيث سار المسيح" مشروع سياحة بيئية دينية ثقافية، ومخيم سياحي اطلقته لجنة مهرجانات راشيا، مع اتحاد بلديات جبل الشيخ، وجمعية حرمون للمكفوفين، في رعاية وزير السياحة ميشال فرعون.
هذه المسيرة كانت بدأتها جمعية حرمون للمكفوفين في عيد التجلي في 5 آب من كل عام، وفي ظل الظروف الامنية الصعبة بدأ عدد المشاركين في المسيرة يتقلص الى ان توقفت منذ سنتين.
المرشد السياحي مهدي فايق اقترح على لجنة مهرجانات راشيا ان تستعيد السير الى الجبل في عيد التجلي، فتم الاتصال بالامين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار وهو اعتاد على متابعة هذه المسيرة ورئيس جمعية حرمون للمكفوفين ميشال مالك، فرحبا بالموضوع وكذلك رئيس اتحاد بلديات جبل الشيخ العميد مروان زاكي. ووافقت وزارة السياحة على رعاية المشروع وكذلك تبنيه ليصبح محطة سياحية سنوية اول نهاية اسبوع من شهر آب كما اوضحت لـ"النهار" منسقة المشروع المهندسة المعمارية ليليان جامو معلولي.
واوضحت ان التجمع سيكون الساعة السادسة مساء السبت 2 آب في ساحة راشيا الوادي لتنطلق مسيرة سلام نحو سفح الجبل، للوصول الساعة السابعة مساء، حيث ستبدأ صلاة تأمل وسلام بمشاركة ممثلين عن كل الطوائف. وهذه السنة الصلاة على نية مسيحيي الشرق المضطهدين، واطفال غزة وسوريا والعراق. وسيتم عرض وثائقي عن جبل حرمون مستوحى من كتاب "حرمون من آدم الى المسيح" (حقائق لم تكشف بعد) للدكتور نبيل ابو نقّول، ودراسة اعدتها المهندسة معلولي وفيها لمحة عن عيد التجلي حيث تجلى المسيح بصورة الرب امام 3 من تلامذته. "في الدراسة وثائق تاريخية تظهر ان جبل حرمون هو المكان المذكور في الاناجيل الاربعة، اولا لارتفاعه، وثانيا لقربه من قيصرية فيليبوس التي ذكرها الانجيل ولقدسية هذا الجبل من التوراة الى يومنا هذا مرورا بكل الاديان، وعليه آثار لمعابد قديمة، مثل قصر عنتر، وهو اعلى معبد".
والى الجانب الروحي، تحدثت عن الجانب البيئي لهذا الجبل ونقاوة الهواء، وتنوع الاعشاب المفيدة التي تنمو على سفحه. واوضحت ان احياء فكرة السير على خطى المسيح، ليس ممارسة دينية روحية فقط، انما للتشديد على اهمية المكان من حيث جماليته ورمزيته بالنسبة الى كل الطوائف، وكذلك تنوعه البيئي. "بعد المسيرة والصلاة عشاء قروي ستعده السيدات من جمعيات المنطقة، وتستفيد منه في تسويق انتاجها، كما يستفيد منه المشاركون من خلال تناول وجبة صحية من منتجات الجبل. يليه شرب "المتي" وهو تقليد في المنطقة تأكيدا على العيش المشترك الذي طالما تحلت به. وبعد مراقبة النجوم وسهرة نار عائلية، يبيت المشاركون في خيمهم للصباح، ليتقاسموا من جديد وجبة الفطور الصحية من منتجات البلدة. ويبدأون نهارهم بمسيرة على الجبل مع المرشد السياحي، ويتذوقوا مونة البلدة ويتبضعوا قبل مغادرتهم، العسل والدبس والخروب ومشتقات حليب الماعز".
ويشار الى ان لجنة مهرجانات راشيا انبثقت من لجنة انماء قضاء راشيا التي اسسها السيد وهبي ابو فاعور، بالتعاون مع اتحادي بلديات قلعة الاستقلال وجبل الشيخ، وجمعيات المجتمع الاهلي في المنطقة. وتهدف الى احياء المنطقة سياحيا وثقافيا وبيئيا لما تختزنه في طياتها من قصص وحكايات تاريخية عظيمة، وكذلك لتحفيز اهلها خصوصا واللبنانيين عموما، للتمتع بخيراتها على كل الاصعدة، وابراز غناها الروحي والثقافي والبيئي.


Envoyé de mon Ipad 

"قانا الجليل في جنوب لبنان" - حرفٌ من كتاب - الحلقة 182

"قانا الجليل في جنوب لبنان" - حرفٌ من كتاب - الحلقة 182

"قانا الجليل في جنوب لبنان" -

حرفٌ من كتاب - الحلقة 182

 

       "دامغةٌ هي الإِثباتاتُ التي تُعيّن موقع قانا الجليل في جنوب لبنان سنداً إِلى مؤَرّخ الكنيسة الأُسقف أُوزاﭘـيوس (القرن الثالث)، وإِلى القديس جيروم (القرن الرابع)، وسنداً إِلى نُصوص الأَناجيل وآثار المسيحيين الأُوَل محفورةً على الصخور في جوار قانا الجليل".
       بهذه العبارة المسؤُولة من بطريرك أَنطاكية وسائر المشرق والإِسكندرية وأُورشليم مكسيموس الخامس حكيم افتتح المؤَرّخ يوسف الحوراني كتابه "قانا الجليل في جنوب لبنان" الصادر عن وزارة السياحة سنة 2002.
       وأَحسن المؤَلّف في مستهَلّ كتابه بتأْكيد خطإٍ تاريخيٍّ وقع فيه كثيرون أَنّ بلدة المعجزة الأُولى هي كفركنّا في فلسطين البعيدةُ خمسةَ أَميال عن الناصرة، كما أَخطأَ في التشخيص فيكتور غيرين (Guérin) محدِّداً خربة قانا موقعاً للمعجزة. سبب هذا اللغط أَنّ منطقة جنوب لبنان كانت مجهولةً لم يزُرها المؤَرخون والحجّاج لوعورة مسالكها، حتى بدأَ البعض في القرن التاسع عشر يكتشف قانا اللبنانية، ومطابَقَتَها مع الاسم الكامل الوارد في إِنجيل يوحنا: "قانا الجليل"، وتَوارُدَ ذكرها منذ القِدَم في تقاليد البلدة ومعتقداتها، وفي مغارتِها ومحفورات فيها ترمز إِلى المسيح وتلامذته.
عن هذا الموقع كتب مؤَرخ الكنيسة أُوزاﭘــيوس: "قانا حتى صيدون الكبيرة، قرية في الجليل لقبيلة أَشير. في هذا المكان حوَّل ربُّنا وإِلهنا يسوع المسيح الماءَ إِلى طبيعة الخمر". والقديس جيروم الذي قطع المسافة مشياً كي يتأَكّد من الموقع كتب: "قانا، حتى صيدون الكبرى، كانت لقبيلة أَشير، فيها حوَّل سيِّدُنا ومخلِّصُنا الماءَ إِلى خمر. وهي اليوم قرية في جليل الأُمم". ومصداقية القديس جيروم أَنه عاش في المنطقة، ويعرف مواقعها، وكان اختصاصياً في تحديد المواقع الجغرافية الواردة في الكتاب المقدس.
       وفي الأَناجيل أَنّ المسيح إِبّان تبشيره جاء إِلى تُخوم صيدا وصور، وأَنّ أَوّلَ امرأَة آمنَت به كانت من بني أَشير، وهي قبيلةٌ كنعانيةٌ معارِضةٌ أَهلَ اليهود كسائر أَهل تلك المنطقة في نواحي صيدا وصور.
و"وادي عاشور" اليوم، قبالة قانا اللبنانية، ذِكْرٌ واضحٌ لقبيلة أَشير في "جليل الأُمم" الذي سكانُه من غير اليهود.
       وفي تأْكيد الموقع أَنّ الـمسافة التي اجتازها المسيح من الناصرة إِلى مكان العرس تُطابق ما جاء في إِنجيل يوحنا: "وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الجليل، وكانت أُمُّ يسوع هناك، فدعي يسوع وتلامذتُه إِلى العرس".
       وفي كتاب "على خطى يسوع المسيح في فينيقيا لبنان" يؤَكِّد مؤَلِّفُه المستشرق مارتِنْيانو رونكاليا، الذي مشى المسافة من الناصرة إِلى قانا لبنان، أَنها هي ذاتُها المسافةُ التي اقتضاها سيرُ المسيح كي يصل إِلى قانا ويجترحَ أَوّل أُعجوبة حوَّل بها الماء إِلى خمر و"آمَنَ به تلامذتُه"، وكان ذلك على أَرض لبنان.
       كتاب يوسف الحوراني "قانا الجليل في جنوب لبنان" مرجِعٌ علْميٌّ تَلَتْهُ دراساتٌ معمَّقةٌ أَثبتَت في التاريخ والجغرافيا أَن الذي جال في صيدا وصور يسوعاً مَشَح الماء خمراً في قانا، وحين غادر لبنان بات اسمُه يسوع المسيح.
 

يتم نشر هذا المقال في موقع "جماليا" بالتزامن مع بثّه في إذاعة "صوت لبنان" يوم الأحـد 17 آب 2014
*
اقرؤوا المزيد عبر الروابط للمقالات المتعلقة بالموضوع


Envoyé de mon Ipad 

lundi 1 juin 2015

في قانا مع مؤلف كتاب " على خطى المسيح في فينيقيا لبنان "

في قانا مع مؤلف كتاب " على خطى المسيح في فينيقيا لبنان "
البروفسور رونكاليا
 07/01/2008 أزرار 528

كيف، سنة 1947 (أي قبل تقسيم فلسطين) أراد مؤلف الكتاب أن يقيس المسافة الفعلية التي مشاها يسوع ليبلغ عرس قانا (كما ورد في إنجيل يوحنا، 2: 1-10) فانطلق سيراً على قدميه، عند الفجر من الناصرة، عابراً طرقات الدواب من وديان وسهوب، ونام ليلته على الحدود مع لبنان، وظهر اليوم التالي بلغ قانا، فتأكَّد له ما ورد في إنجيل يوحنا: "... وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الجليل".

بعد عودتي النهائية الى لبنان سنة 1994 من "المنأى المؤقت" (1988-1994) على بحيرة الليمون في فلوريدا، صحبتُ سعيد عقل الى قانا في زيارة كانت لي الأولى الى هناك. وما إن وصلت الى مدخل البلدة، وتوقفت كي أسأل عن وجهتي الى الأجاجين والمحفورات والمغارة، حتى خرجت إلينا من حسينية البلدة سيّدة رأت سعيد عقل حدّي في السيارة فهرعت إليه تقبّل يده وترجوه: "يا أستاذ عقل، أنا فاطمة من قانا، وأنا وارثة عن أجدادي، وأجدادي عن أجدادهم وأجداد أجدادهم أن قانا هنا، هي هي قانا الإنجيل، قانا الأُعجوبة الأُولى. ونحن قرأنا مقالاتك عن قانا، وصوتك مسموع وكتاباتك مقروءة، فاكتب يا أستاذ عقل، أكتب بعد، ليعرف العالم كلُّه أن قانا الإنجيل هي قانانا نحن، قانا لبنان".
وبقي صوت فاطمة في بالي، وصمّمتُ من يومها أن أجعل موضوع قانا الإنجيل وتثبيت هويتها اللبنانية في رأْس اهتماماتي، الى أن قرأتُ كتاب المستشرق الإيطالي الكبير البروفسور مارتينيانو رونكاليا "على خطى يسوع المسيح في فينيقيا لبنان" (الصادر عن "المؤسسة العربية للدراسات بين الشرق والغرب") وفيه فصلٌ كامل عن قانا موثَّقٌ بالوقائع والأرقام والخرائط، كسائر كتابه الموثق العلْمي، فتعرّفتُ به وتعدَّدت بعدها جلساتي إليه، وكلي نَهَمٌ الى إثبات لبنانية قانا الإنجيل، بعد قراءات لي عنها علْمية رصينة في نصوص الدكتور يوسف الحوراني والأب يوسف يمين وأوزابيوس القيصري والقديس جيروم مؤرخ الكنيسة وسواهم.
غير أن قمة ما كنتُ أصبو إليه أن أصحب البروفسور رونكاليا الى قانا، حتى كان لي ذلك قبل أسابيع (20/10/2007)، فأمضيتُ معه نهاراً كاملاً نتنقّل على صخور قانا، وهو، رغم سنواته الأربع والثمانين (وُلِد في ريجيولو، شمالي إيطاليا سنة 1923)، يتنقّل في تؤدة ولكن في فرح وإيمان، ويشرح لي ويحكي يروي يتكلم لا يتوقف عن ذكريات وخبرة طويلة حول موضوع قانا الذي شغله منذ كان في السوربون (باريس) يهيِّئ الدكتوراه في التاريخ والآثار. وروى لي كيف، سنة 1947 (أي قبل تقسيم فلسطين) أراد أن يقيس المسافة الفعلية التي مشاها يسوع ليبلغ عرس قانا (كما ورد في إنجيل يوحنا، 2: 1-10) فانطلق سيراً على قدميه، عند الفجر من الناصرة، عابراً طرقات الدواب من وديان وسهوب، ونام ليلته على الحدود مع لبنان، وظهر اليوم التالي بلغ قانا، فتأكَّد له ما ورد في إنجيل يوحنا: "... وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الجليل". واستفهمتُ منه عن معنى "اليوم الثالث" فقال إن اليهود يعتبرون المغيب بداية اليوم الجديد التالي، ويسوع جاء مع أمه مريم (بنت الناصرة) من الناصرة الى قانا وبلغها بعد الظهر (أي في بحر اليوم الثاني). ولأن العرس يكون عند المساء، مع هبوط الليل (أي بعد المغيب يعني مع بداية اليوم الثالث) فيكون التوقيت تماماً كما ورد في إنجيل يوحنا عن "اليوم الثالث" (أي بداية هذا اليوم الثالث الذي ابتدأ منذ مغيب شمس اليوم الثاني) و"آمن به تلامذته" على أرض لبنان.
سألتُه عن بلدة كفركنّا التي يدّعي اليهود أنها هي قانا الأعجوبة، فابتسم ابتسامة العالِم أمام سؤالِ جاهل وقال: "يا إبني، كفركنَّا تبعد عن الناصرة خمسة كيلومترات. فهل يعقل أن يكون يسوع استغرق يوماً ونصف اليوم ليجتاز خمسة كيلومترات"؟
وروى لي البروفسور رونكاليا كيف وهو في قانا قرأ نصوص القائد فلافيو جوزف (كان مركزه العسكري في قانا سنة 66، بعدما احتلّ الرومان فلسطين، وكتب في وضوح أن الأعجوبة تمت فيها قبل 60 سنة)، وكيف عاد (رونكاليا) الى آفيونّا مايكل أستاذه عند الفرنسيسكان (في القدس، وهو اختصاصي عالمي في الإنجيل) وكتب له تقريراً عن رحلته فتطابق تقرير الطالب مع تحاليل أستاذه.
وطوال ذاك النهار الاستثنائي في قانا، حكى لي البروفسور رونكاليا حقائق دَوَامغ، وأرقاماً ثَوَابت، وإثباتاتٍ دَوَافع، نصرخ للسلطات الكنسية أن تتبنّاها (ولْتدقّقْ فيها ما تشاء) حتى يصل الصوت الى روما، فيطوّب الفاتيكان قانا الإنجيل رسمياً قانانا نحن، قانا لبنان، ويا مرحى عندها بملايين الحجاج سنوياً يؤمّون موقعنا التاريخي الفريد في العالم، حيث جرت الأُعجوبة الأُولى، يَجيئون الى لبنان ليحُجّوا فيركعوا على الأرض التي ستصبح في كل الدنيا: فاتيكان الشرق.



                                   odyssee@cyberia.net.lb   

vendredi 22 mai 2015

القديسة التي تذكرنا بأهمية الحج

القديسة التي تذكرنا بأهمية الحج

الملكة هيلانة أم الأمبراطور قسطنطين

روما,  (ZENIT.orgأنطوانيت نمور | 56 زيارة\زيارات

في عيد القديسة هيلانة و إبنها قسطنطين نتوقف لنذكر أهمية الحج المسيحي الذي هو عبارة عن مسيرة يقوم بها المؤمن الى مكان مقدس لهدف مقدس.
فالقديسة هيلانة، كانت رائدة في هذا المجال في التاريخ المسيحي الأول.و ما أن شرّع إبنها، الإمبراطور الروماني قسطنطين، المسيحية رافعاً عنها موجات الإضطهادات الأولى حتى توجهت القديسة الى الأراضي المقدسة في بيت لحم و القدس وأشادت هناك أقدم الكنائس و أعرقها : نحن نتكلم عن كنيستي المهد و القيامة.
لقد أدركت الأم كما الإبن أهمية تلك الأراضي التي شهدت خطوات المسيح ، و الصلاة في نفس الموقع الذي وقف فيه الله ذات مرة و صلى مما يبعث في النفس اتصالا روحياً جد حميم ... و هكذا كان : 
إنطلاقاً من ذلك إعتاد المسيحيون عبر الزمن على المضي قدما في الحج إلى الأراضي المقدسة أو صوب الأضرحة أو الأماكن المرتبطة بحياة يسوع او بالقديسين أو إلى الأماكن التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس.

وحركة الحج هذه لم تكن يوماً غريبة عن الشعوب القديمة و نحن نعلم أن اليهود كانوا يحجّون صوب هيكل الرب ، إلا أن الحج إكتسب مع الحجاج المسيحيين منذ عهد قسطنطين و هيلانة معانٍي جديدة.
و أخذ الحجاج بالتوقف عند المدافن التي تحتفظ بذخائر الشهداء الأولين، و منها ضريح القديس بطرس في روما حيث أقام قسطنطين، بدءًا من العام 320، أول بازيليكا على ضريح الرسول.... 
غير أنه و بسبب التقدم الزمني من ناحية والثورة الثقافية في عصر النهضة عمد البابوات منذ يوليوس الثاني إلى ترميم ومن ثم بناء الكاتدرائية بشكلها الحالي.
على أية حال فإن الحجاج يتوقفون في هذه الربوع متأملين بمخاض الكنيسة الأولى التي تأسست على دماء أبطال الإيمان ... من أحبّوا المسيح حتّى الموت، فاثمرت دمائهم بشرى خلاص.

و خلاصة القول يبقى في أن الحج يمثل مسيرتنا كمؤمنين في هذه الأرض: يذكرنا أننا في رحلة تتجه صوب صاحب كل المعاني: الله الرب!! وفي تعب المسير ومشقاته نوع من اللاهوت الذي يطال بعمق حياة و قلب الحجاج. وفي الحج أيضاً حركة مسكونية تقرّب المؤمنين بعضهم من بعض كما تقرّبهم من قلب الكنيسة الأم.ليبقى أسمى المعاني في طيّات رحلات الحجاج الخارجية الى الأماكن المقدسة :
تلك الدعوة الى عيش القداسة رحلة حج داخلية!!

 

mercredi 13 mai 2015

Dans les ruines du patrimoine chrétien au Moyen-Orient... - May MAKAREM - L'Orient-Le Jour

Dans les ruines du patrimoine chrétien au Moyen-Orient... - May MAKAREM - L'Orient-Le Jour

Du 3/1/2015-Dans les ruines du patrimoine chrétien au Moyen-Orient...

Élie Abi Nassif, professeur d'architecture qui dirige les travaux de diplôme à l'Alba et anime, depuis 2008, le cours patrimoine religieux ; Guy-Roger Conchon, enseignant à l'Alba et membre de la mission archéologique française à Kilwa, et Ghassan Shami Journaliste, chercheur et auteur du livre Au pays de saint Maron, ont donné une conférence sur « Le patrimoine religieux en Orient chrétien ».

Sur le chapitre libanais, trois églises « paléo-chrétiennes », définitivement disparues, ont été évoquées par Élie Abi Nassif. « Il ne reste plus que leurs mosaïques pour témoigner de leur passé ». Celle de Khaldé, au sud de Beyrouth, a été fauchée par les travaux d'autoroute qui mène vers le Sud. « Ses fondations, encore visibles, sont devenues un dépotoir d'ordures ! » a fait observer le conférencier, signalant que la mosaïque qui décorait ce lieu de culte a été posée juste en face du musée national, dans le petit jardin renfermant les cinq colonnes romaines découvertes au centre-ville en 1940. S'appuyant sur les relevés des plans existant à la DGA, les étudiants de l'Alba ont pu reconstituer son architecture. Deux photographies de la maquette sont actuellement exposées au Louvre, dans l'espace dédié aux arts de l'islam.

De même, une modélisation 3D, réalisée d'après les données archéologiques (mosaïque, murs porteurs et traces de colonnes), offre une image de l'architecture de l'église byzantine du temple d'Echmoun. Une autre dédiée à saint Christophe a été découverte par Ernest Renan, sur la route de Qana (entre Tyr et Qana), dans les environs de la tombe de Hiram, roi de Tyr. La mosaïque a été transportée au musée du Louvre.
Élie Abi Nassif indique qu'au IVe siècle, l'Asie mineure, l'Afrique du Nord et le golfe Arabo-Persique abondaient d'églises et de monastères. C'était avant l'islam. « Aujourd'hui, il n'en reste plus rien, ou presque rien, sinon des ruines, comme celles de Saint-Siméon-le-Stylite (Qala't Semaan), au nord d'Alep, qui s'étendait autrefois sur 12 mille mètres carrés bâtis. Ou encore celles de Sergio Polis à al-Rasaphe où les deux saints martyrs Serge et Bacque ont été enterrés. »

(Pour mémoire : « Regardez ! Une carte de la Syrie d'avant-guerre... »)
Un monastère dans le désert d'Arabie
Prenant à son tour la parole, Guy-Roger Conchon a donné une description générale du monastère posé sur un plateau désertique à Kilwa en Arabie saoudite. Les explorations menées par la mission archéologique de l'Université de Nancy 2, dirigée par Saba Farès, indiquent que Kilwa, située sur la route caravanière du myrrhe et de l'encens, a fait l'objet d'une occupation chrétienne au Ier siècle de l'ère chrétienne. La communauté tirait profit d'une agriculture irriguée au moyen de systèmes hydrauliques ambitieux. Ces chrétiens ont également laissé de nombreux témoignages architecturaux, cellules isolées pour des moines, chapelle, église, cuisine, réfectoire, citernes d'eau, jardins, une quantité de croix marquées sur la pierre et des épigraphies commémorant les cultes, dont une inscription gravée sur le linteau de la porte d'une cellule. Dans la partie droite de ce linteau qui mesure 1,20 m de long sur 0,30 m de hauteur, est dessinée une croix aux bras en forme de triangle. À gauche se trouve l'inscription, dont Saba Farès, qui dirige la mission archéologique, propose la lecture suivante : « Bism Allah ḥimat ahl Takla min iqlîm » ou « Au nom de Dieu, (ceci est) le territoire protégé de la communauté de Thècle de l'iqlim », la sainte patronne dont le culte est répandu en Syrie.
« Le toponyme et l'architecture sont des détails qui indiquent une culture syrienne », souligne Guy-Roger Conchon. En effet, « le système constructif rappelle celui de la plaine de Hauran, en Syrie. Les bâtiments collectifs, bien préservés, sont en pierres de très grande taille, avec un lien à base de chaux. Des pierres sèches sont employées pour la construction des cellules des moines, dont l'état de conservation est très mauvais. Les pierres tombales sont regroupées en nécropole évoquant un tumulus ». Quant à l'église, il fait observer qu' « elle est construite sur le modèle des églises nestoriennes qu'on retrouve en Mésopotamie ».
(Pour mémoire : "Pas une seule strate de la culture syrienne -pré-chrétienne, chrétienne, islamique- n'est épargnée")
Sur les pas de saint Maron
Auteur d'une série de documentaires sur les premiers chrétiens (saint Maron, l'apôtre Paul, saint Simon le Stylite) mais aussi sur Damas, Seidnaya et Maaloula, sur le monastère Saint-Georges al-Homeira' dans Wadi al-Nassara (vallée des chrétiens) et l'autel de la Sainte Vierge dans la cathédrale de Tartous, Ghassan Shami a sillonné les « villes mortes » dans le nord de la Syrie et plus particulièrement Jabal Semaan et sa capitale Brad où fut enterré saint Maron.

Appelé autrefois Kfar Nabo, Jabal Semaan compte 25 villages et 32 temples et églises bâtis entre le IVe et le VIIe siècle après l'ère chrétienne. Selon le conférencier, ici se trouve la plus ancienne église du monde : Fafertine. Sur son linteau est gravée la date de sa construction : 372 après J.-C. Plus au sud, sur les ruines du temple du dieu Nabo, saint Maron a bâti, en 398, son église ou basilique de 27,30 m de long et 16m de large.

Après la mort de saint Maron, Kfar Nabo s'est dotée d'un hôtel de deux étages pour accueillir les pèlerins. Construit entre 504 et 505, il comporte des façades de colonnes carrées. Des croix sont gravées sur les linteaux dont l'un porte l'inscription suivante : « Au nom du Père et du Fils et du Saint-Esprit. Dieu prend soin de notre entrée et de notre sortie. Pour accomplir le vœu de Zachée en 553 » (ce qui équivaut au calendrier d'Antioche à 504/505 ap. J.-C.). Le secteur comprenait un temple dédié aux reliques des martyrs. Sa date de construction, 574 selon le calendrier d'Antioche, est gravée en syriaque sur le linteau de son entrée sud. Le conférencier relève aussi qu' « un nombre d'huileries indique l'expansion de la culture des olives à Kafr Nabo. L'une d'elles datant date du IIIe siècle ap. J.-C. a été creusée dans la roche souterraine (...) Elle est unique par sa forme et la finition de ses matériaux ».
(Diaporama : Les deux visages d'Alep)
Le palais de Brad
Abordant ensuite Brad, la capitale du mont Nabo, Ghassan Shami fait observer que c'était « une ville monumentale. Sa prospérité avait débuté aux IIe et IIIe siècles ap. J.-C ». Elle était dotée d' « édifices luxueux comme l'Androne, d'un marché commercial (souk), de bains publics encore bien conservés, d'un majestueux tombeau romain, d'huileries,... Elle s'est beaucoup développée entre le IVe et le VIIe siècle : le sanctuaire de saint Maron et deux couvents et trois églises y furent construits ». Dont celle de Julianos, la plus grande église en Syrie du Nord après celle de Saint-Siméon. Construite à l'emplacement d'un temple païen, elle déroule 42 m de long et 22,50 m de large. Dans sa cour a été érigé le sanctuaire de saint Maron.
Et ce n'est pas tout. Au sud-ouest du village de Brad, sur une colline, se dresse « un des plus beaux couvents de la Syrie du Nord (palais de Brad) ». Il date du VIe siècle. « La chapelle et les cellules des moines sont encore intactes », et une partie de la colonne d'un ermite est encore debout ; de même, la tour de 10 mètres du haut de laquelle les moines surveillaient les travaux des champs.

Pour conclure, le conférencier donne un aperçu sur l'architecture des églises du nord de la Syrie en citant l'archéologue américain Howard Crosby Butler : « Au début du IVe siècle, de nouveaux éléments ont apparu dans l'architecture de la Syrie du Nord, à la lumière des règles dominantes dans les centres politiques en Orient, et en Occident. Ces étranges éléments ne sont ni grecs ni romains... Ils lancent une nouvelle tendance tout au long de trois siècles, comme un nouveau style. Ils sont un aspect d'influence oriental qui paraît aussi dans les inscriptions syriaques qui se mélangent, dans cette région, avec les inscriptions grecques. Sans doute, la plupart du peuple de ce pays sont araméens. En effet, l'art régional ne pouvait pas paraître durant les pouvoirs grecs et romains et qui était influencé, durant un moment, par le courant classique (...) Et l'architecture classique qui fut imprégnée d'une nouvelle vie, et renouvelée par un peuple inspiré et patriotique, est devenue plus effective dans l'architecture chrétienne qui a englobé les montagnes d'Antioche de l'Orient. »
Lire aussi« L'humanité est en train de perdre des milliers d'années de patrimoine »
Syrie: l'Unesco appelle à la création de "zones culturelles protégées"
En Irak, l'EI détruit des sites historiques et vend des antiquités pour se financer


Envoyé de mon Ipad 

jeudi 7 mai 2015

لبنان في الكتاب المقدس: 3 أبعاد وأسطورة


الجبل الابيض الشاهق هو لبنان "الاسطورة" في العهد القديم، "جبل حرمون او الشيخ" في ايامنا. 71 مرة ذكر اسمه في الكتاب المقدس: تغنّى به الانبياء اليهود وقدموه مثالا لشعبهم، في الجمال والخصب والغنى والوفرة والعبرة، رمزا للهيكل المقدس، وصلّى موسى الى الله كي يدعه يرى "هذا الجبل الطيب ولبنان" (تثنية الاشتراع 24/3-25)، واعلن الملك الاشوري سنحريب فخره بانه صعد اليه (سفر الملوك)، واستوحى منه الحبيب اجمل الصفات لحبيبته (نشيد الاناشيد)، وسكنته الآلهة واقترنت به القدسية قرونا… وفيه ايضا، تجلى يسوع المسيح، وفقا لتقليد كنائس مسيحية في لبنان عيّنت 6 آب للاحتفال بالعيد.
لبنان من اجمل الصور التي وردت في الكتاب المقدس، "كأنه اسطورة، خارق الطبيعة، رائع بالفعل" تقول استاذة الكتاب المقدس في جامعات الروح القدس والقديس يوسف والحكمة الدكتورة في اللاهوت البيبلي الاخت روز ابي عاد (من راهبات القديسة تيريز الطفل يسوع المارونيات) في حديث الى "النهار".
اصل الكلمة يرجع، وفقا للكتاب المقدس، الى "اللبان، اي الابيض في العبرية. وقد ألهمتها جبال لبنان الدائمة البياض"،. ولم تكن تلك الجبال اي جبال، اذ "كان يُعَرَّف بها ايضا بهالليفانون، اي هذا اللبنان. والمقصود بذلك ان لبنان كان معرَّفًا به، ولم يكن نكرة". كذلك، يمكن ان تعني كلمة لبنان، على قولها، "ليفونا، ومعناها في العربية اللبان، اي رائحة البخور الطيبة المنبعثة من اشجار الصنوبر والارز". اما كتب التلمود فتشير الى ان لبنان حمل اسمه هذا، "لانه يبيّض الخطيئة. وبالتالي رُبِطَ بالهيكل، بالخلاص". كان لبنان اذاً ساحرا في عيون اليهود وغيرهم من الشعوب.
"الجبل المقدس… بعل حرمون"
لبنان العهد القديم لم يكن لبنان المعروف اليوم. وتشير ابي عاد الى انه كان مقصودا بتلك اللفظة "جبل محدد هو جبل حرمون، او جبل الشيخ، كما يسمى حاليا". وتقول: "الكاتب اليهودي للكتاب المقدس كان يرى من ارض فلسطين، حيث كان يعيش، الجهة الجنوبية من سلسلة جبال لبنان الشرقية. وهو ما سمّاه هاللفانون". اعلى قمة في جبل حرمون يبلغ ارتفاعها 2800 متر، وبسبب هذا العلو الشاهق، تمكن الكاتب اليهودي من رؤية الجبل، واورد عنه "صورا شعرية فياضة وجياشة… هي التي اوحت في النهاية بتسبيح الله". 
من خلال ثلاثة ابعاد، يطلّ لبنان في الكتاب المقدس الذي تتكلم كتبه الشعرية، منها سفر المزامير ونشيد الاناشيد وبعض الكتب النبوية، على جمال "الجبل الابيض" وفرادته. وفي البعد الاول "القدسي والمسيحاني"، يشكل حرمون قبلة العين وتوق القلب، تهليلا لله. "انت خلقت الشمال والجنوب لاسمك يهلل تابور وحرمون"، جاء في المزمور 89/13 التسبيحي لله بمخلوقاته. وفي هذه الصورة، "يفرض حرمون نفسه، لان موقعه هو الاعلى"، تقول ابي عاد، "ولا شيء يصده او يقابله، بل يشرف على كل المنطقة: فينيقيا، فلسطين، دمشق، ونهر الاردن. وبالتالي، هو اسمى المخلوقات التي تسبّح الرب". 
من العصور الاولى، سُمِّيَ جبل حرمون "الجبل المقدس"، وايضا "بعل حرمون" (سفر القضاة 3/3). "وتشرح ان "البعل يعني في الديانة الفينيقية اله حرمون. وقد سُمِّيَ كذلك، لان فيه يسكن الإله. وكان يُعتَقد في الديانات القديمة ان الالوهة تسكن على الجبال". ويستتبع ذلك مزيد من الشرح: "جذر لفظة حرمون هو "حرم". ولا تزال الكلمة مستخدمة حتى اليوم، ومنها نستقي تعبير الحرمة، اي القدسية، والمكان الذي لا يمكن اي كان ان يصل اليه". 
وتتعاقب الصور الشعرية الجميلة عن لبنان، التي تعبّر، على قول ابي عاد، عن "الوفرة والفيض والغزارة والخضار"، وتحمل "بعدا واقعيا جدا". وجاء في المزمور 72/16: "وفرت الحنطة في البلاد وتموجت على رؤوس الجبال كلبنان اذ اخرج ثماره وازهاره واذ اخرجت الارض عشبها". وتشرح: "في الكتاب المقدس، المسيح، اي الملك الصحيح، هو الذي تحل وفرة وازدهار وفرح واطمئنان في ايامه. وبالتالي، فان الوفرة التي كان ينتظرها اليهود من المسيح او الملك وجدوها في جبل حرمون". 
ويربط ايضا النبي اشعيا الشهير (35/2) الفرح والازهار والابتهاج "بمجد لبنان". "لتفرح البرية والقفر ولتبتهج البادية وتزهر كالنرجس… قد اوتيت مجد لبنان…". في هذا الفصل، يتكلم على عودة اليهود من المنفى البابلي. وتقول: "بهذه العودة، يعطيهم رجاء ونوعا من التمهيد لظهور الله في ارض الميعاد. فيجعل مجد لبنان برمته في استقبال الرب. نقرأ هنا نشيد ابتهاج وفرح واصداء مسيحانية، بحيث يحتفل النبي بنهاية المنفى، ويأخذ رمز التغيير الآتي من مجد لبنان". 
وعند النبي هوشع، يبرز ايضا لبنان في ابهى حلة. "اكون لاسرائيل كالندى فيزهر كالسوسن ويغرز جذوره كلبنان. وتنتشر فروعه ويكون بهاؤه كالزيتون ورائحته كلبنان. فيرجعون ليجلسوا في ظلي ويحيون الحنطة ويزهرون كالكرمة فيكون ذكره كخمر لبنان" (14/6-8). وترى ابي عاد في هذه الآية "رجاء ودفعا يعطيهما هوشع في كلامه على توبة اسرائيل". وتتدارك: "من دون جذور، تموت النباتات والاشجار. ويقول ايضا علم النبات انه بقدر ما ترتفع الاشجار المعمرة او النباتات، تغرس جذورها في الارض، كي تصمد في مواجهة العواصف. اذًا الجذور علامة الصلابة. وارتباط هذه الكلمة بلبنان يدل الى صموده ومكانته وصلابته. وفي هذه الصورة ايضا، كأن هناك اعادة خلق من الله بصلابة ومتانة، بما يعكس قدسية". 
وتتوقف عند "خمر لبنان". "ففي العهد القديم، كان الخمر رمزا للعهد، علامة الوفرة والفرح. وله علاقة مباشرة بالزمن المسيحاني، اي الزمن الذي سيأتي فيه المسيح. كذلك، كانت لكرمة لبنان شهرة واسعة في تلك الايام، وعرفت بجودتها"، تقول. في بضعة اسطر، ذُكِرَ اسم لبنان ثلاث مرات، واقترن باجمل الصفات. وتضيف: "في هذه الآية نرى صورا انيقة ولطيفة له تحاكي الحواس كي تلمس قلب الانسان وتترسخ فيه. وقد قدمت عن لبنان صورة اسطورية، كأنه خارق، فردوس اسكاتولوجي، جنّة". 
ولبنان "رمز الهيكل او اورشليم" يقدمه النبي حبقوق. "لان العنف في لبنان يغطيك والفتك بالبهائم يفزعك" (2/17). وتقول ابي عاد: "هذه صورة يَقصِدُ بها العنف الحاصل في اورشليم، وتحديدا ضد الهيكل، ايام الاشوريين (721 ق. م) والبابليين (587 ق. م). ومن لبنان وألمه، استلهمها، كأنه يقول، لرؤيته ما يحصل في القدس والهيكل، انهم يفتكون ايضا بلبنان، اي بالقدسية". وتتدارك: "في كتابات الحاخامين، نجد ان 99 في المئة منهم يقصدون بلبنان الهيكل. فالهيكل ينقي، ولهذا السبب سمي لبنان، لكونه يطهر من الخطيئة بثلوجه، ولغابات الارز التي تغطيه".
ثلوج وأنهار وعطور… وحبيبة
في البعد الثاني، يبرز الغنى الطبيعي المستوحى من لبنان. ويأتي الثلج الابيض في الطليعة، ولا سيما ديمومته على قمم حرمون العالية على مدار السنة، بما شكل سحرا جذابا لعيون الناظرين اليه من البعيد: "هل يخلو صخر القدير من ثلج لبنان، ام تنضب المياه الغريبة الباردة الجارية؟" (ارميا 18/14). العلاقة وثيقة ما بين الثلج ولبنان. وما يعنيه النبي بهذا السؤال هو انه "يقدم الى شعبه جبل حرمون مثالا، كأنه يقول: لا يمكن شريعة الرب ان تزول، بقدر ما هو مستحيل ان يخلو جبل حرمون من ثلجه". 
مرجعان آخران تعزز بهما ابي عاد هذه الفكرة، الاول كتاب المؤرخ دو فيتري (1611) الذي تكلم فيه على "تميز لبنان حصريا في كل هذا الشرق بثلجه". والآخر "الترغوم"، "اي ترجمة الكتاب المقدس من العبرية الى الآرامية، الذي نجد في سفر تثنية الاشتراع (3/9) تسمية "جبل الثلج" للدلالة إلى حرمون". وفي التلمود ايضا، يسمى "حرمون الكبير". 
وتتوالى الصور الجميلة حينا، و"العطرة" حينا آخر، في "نشيد الاناشيد"، حيث يرد اسم لبنان "6 مرات في 8 فصول". ويتغزل الحبيب بحبيبته قائلا: "هلمي معي من لبنان ايتها العروس…" (4/8)، و"رائحة ثيابك كرائحة لبنان" (4/11)، ويصفها بانها "انهار من لبنان" (4/15)، وانفها "كبرج لبنان الناظر نحو دمشق" (7/5). واقران الحبيبة، شكلا ورائحة، بلبنان "هو للتغزل بها، دلالة الى جمالها وتجددها وخصبها ورفعتها وصلابتها"، تشرح. 
والرائحة هنا هي رائحة "البخور المنبعث من اشجار الارز والصنوبر، وايضا رائحة الزهور، بما يدل الى وجود مياه وخصب في لبنان". واذ تلفت الى ما كتبه الكاتب الالماني اورتمار كيل، نقلا عن مرجع، "ان حرمون كان يدعى حديقة الهية"، تثير تساؤلا: "كيف ستأتي العروس من كل هذه الجبال، ومما يسميه الحبيب "مرابض الاسود وجبال النمور، معي من لبنان"؟ وهل معقول ان تكون الحبيبة تعيش هناك؟ وهل هي انسان بكل معنى الكلمة؟". 
وتشير الى ان "بعض مفسري الكتاب المقدس يقول ان وصف الحبيبة في هذا الشكل يعطيها بعداً الهياً عملاقاً، يتجاوز كونها انسانا. ويرى فيه آخرون اسطورة كنعانية مرتبطة بالإلهة عشتار وعشيقها ادونيس، علما ان وصفا للبنان يرد في ملحمة "غلغامش"، وهو انه جبل الارز، مسكن الآلهة، وعرش عشتار. كذلك، ساد اعتقاد في العصر الحجري، اي في الالف السادس او السابع ق. م، ان كل النمور والاسود والفهود صفات للإلهة عشتار. وبوصفه الحبيبة في هذا الشكل، اعطى الحبيب الاسطورة اطارا واقعيا بتطبيقه على حبيبته". وقد رأى الباحث كيل في هذا الامر "اثباتا بان كل سفر نشيد الاناشيد هو اناشيد لبنانية كانت ترنم في كنعان ودخلت على الكتاب المقدس". وهذا يعني ان انجذاب الشعب الساكن في فلسطين الى لبنان كان تلقائيا. 
وتتتابع الصور، وهذه المرة تتغنى الحبيبة بحبيبها. "ساقاه عمودا رخام، موضوعان على قاعدتين من ابريز وطلعته كلبنان" (5/15). وقد استخدمت هذه الاستعارة، "لتعبر بها عن الاشراق والاشعاع اللذين يتمتع بهما وجه الحبيب". 
ويبدو ندى حرمون صورة جميلة اخرى تعزز سحر لبنان. وجاء في المزمور 133/3: "هو كندى حرمون النازل على جبال صهيون". وتقول ابي عاد: "ثمة من يقول انه بقدر ما كانت هناك مياه في جبل حرمون، كانت تتبخر ايام الحر، وتضفي انتعاشا وبرودة، وصولا الى صهيون. قد كان تأثير حرمون كبيرا، الى درجة الاعتقاد انه مصدر اي برودة تصل الى صهيون".
"المرتعد أمام صوت الرب"
"عدم قدرة عظمة لبنان على التفوق على عظمة الله" هو البعد الثالث للبنان في الكتاب المقدس. وفيه تختلف الصور، ويشكل عجز لبنان انذارا يوجهه انبياء الى شعبهم كي لا يضيع. وجاء في نحوم (1/ 4): "يزجر (الرّب) البحر فيجففه وينضب جميع الانهار… وقد ذبل زهر لبنان". وتقول ابي عاد: "بذبل زهر لبنان، فان رمز الرائحة والخصب والجمال قد ذبل، ونحوم يدعو الشعب اليهودي الى التنبه، مشيرا بذلك الى عظمة غضب الله التي تتجاوز عظمة لبنان، والى ان الله هو المطلق، ولا شيء يوازيه، حتى لبنان العظيم". وفي المزمور (29/5-6) "صوت الرب يحطّم ارز لبنان يجعل لبنان يقفز قفز العجل"، و"هذا يعني ان لبنان، رغم عظمته، يرتعد امام صوت الرب… وان لا اله وثنياً يقف امام الله الحقيقي".
هالة حمصي / النهار 29/8/2010