Translate

jeudi 15 janvier 2009

جريدة النهار

جريدة النهارلغيابه الرايات السود! ولصورته المروج الخضر! ولقامته في العين رجل يختزن رجالاً! لكأن الكبير منصور الرحباني رحل على غفلة ممن احترفوا التمتع بطلاّته المكهربة: ألم يكن من حجر صوان ذاك الوجه المصقول في معجم الاساطير؟ وكنت ممن يحبون التعامل معه انه كأيقونة المعابد الاثرية، هنا ليبقى، ولنستمر نحن خارج الاماكن التي كان يواعدنا فيها وبعيداً من غبار الازمنة وثقوب العمر، في زيارته مرة كل عام كما هذا العام في كازينو لبنان حيث روى لنا بلباقته المحببة ومن خلال خرافة يبرع في ابتكار ركائزها "عودة الفينيق" التي تتظاهر في حكاية الماضي لتلفتنا كلبنانيين وعرب الى واقعنا ومستقبلنا.فجأة مشهد يكتمل فيّ: عاصي ومنصور معاً تحت عنوان "الاخوين رحباني"، تبعه شعور قوي باستعادة الاسطورة كل وهجها الحارق. فلبسٌ تلاشى وطروحات عمّن الافضل بينهما تبخّرت، لديّ على الاقل وموقتاً هنا. وبدا منصور لي بكل مسيرته مضغوطاً على موهبة فوّارة، مصادرا دوماً لفضاء مجازفاته ذات العصب الرحباني الصافي، بريء كمن يغرف من مقلع خام، وجريء كمن صُنع في معدن المؤسسين، ومتعدد كمن صوته يختزل شعباً و"يؤسطر" حلماً. وديع ذلك المنصور من الفنون، والمفتن عفوياً لمعظم من قارب اعماله اما مشاركة واما تذوّقاً، والمستوعب بطيبة الكبار وكرم ذوي العطاء الخصب، لكل من ادعى لرأيه ما لم يعترف به للآخرين. قلت: عاد منصور الى عاصي وعاصي الى منصور، وقدر كأنه أشعل نجمه.لا أبالغ وهذا ليس رثاء، قلمي كصوت منصور وعاصي ان قالا شعراً او تمشهدا صوَراً وألحاناً واغنيات، قلمي يرسل تحية لفنانين جعلا مع من ذابوا فيهما، الزمن الذي عبروا ايامه لبنانياً بامتياز وعربياً كما لم يألفه عالمنا العربي وانسانياً كما تُلوّن الهديات وتُركّز الانتماءات وتُنبى ذاكرة المجتمعات المخلخلة. وفيرز "الصوت المودي" الذي أُعطي له التزيّن بتلاوين لبنان بحراً وسهلاً وجبلاً. غريب هذا الثلاثي، عاصي، منصور وفيروز، فيكفي ان يطل احدهم هنا او هناك او هنالك ليحضر الاثنان الآخران من غير ان ينجح اي كان في زعزعة الصورة، حتى وان هم غرقوا في الرمال.لم اقع هنا في كلام من نوع: لا لم يمت منصور الرحباني، فامثاله لا يموتون. لكنني على يقين على طريقتي انه كلما فتحت صباحاً احدى الاذاعات اللبنانية وتصاعدت اصوات فيروز او نصري شمس الدين او هدى حداد او اي لحن من ألحان العروض المسرحية التي قالت لبنان بين 1957 ("ايام الحصاد" بعلبك) و2008 ("عودة الفينيق"، كازينو لبنان)، تكون في مخيلتي وجه من الذاكرة لرجل صنع لنا فضاءً يفرحنا، يطيّرنا، يأخذنا الى أبعد وأعمق مما حولنا، وكمن يولد من جديد مع يوم جديد...

Aucun commentaire: