ألسيدة أم النور " تُدعى العذراء الهادية او المرشدة ( Hodigitria) في الطقس
الماروني. السيدة أم النور، هكذا تُدعى في كتاب الهدى ( من القرن العاشر ب.م ) وفي
الصلوات الطقسية بوجه عام . ويُرمز الى لقب السيدة أم النور بنجمة تُرسم فوق
المنديل الذي يغطي جبينها وكتفيها ،كما هي الحالة في صورة سيدة ايليج" ( انجيل
ربولا وصوره ، 586م. 1978، ص ، 196) بهذه العبارة يلخص أستاذي المؤرخ المرحوم الأب
بطرس ضو التقليد الذي جرى عليه أجدادنا الانطاكيون (في لبنان وسوريا وفلسطين ) في
إطلاق لقب "سيدة أم النور" على العذراء مريم . وهو اللقب عينه الذي يحلو لأبناء
بلدتي عين إبل المقيمين في لبنان وعالم الانتشار أن يطلقوه مجددا، اليوم، على النصب
التذكاري الذي يقومون بتشييده عند مدخل البلدة الشمالي ، بحيث يقوم فوق تلة "ضهر
العاصي" منارة ايمان وسلام، في منطقة الجليل الاعلى التي تقع فيها عين إبل ، فيما
يُرجّح علماء الجغرافيا المقدسة (مثل الفرد دوران ) أن السيد المسيح ورسله، ومن
بينهم السيدة العذراء مريم ، قد ساروا فوق أرضها خلال تجوالهم في ما يوافق أرض جنوب
لبنان اليوم ، كما تفيد نصوص الانجيل المقدس والتقاليد في القرون المسيحية الاولى :
-" وكان يسير في الجليل كله ... فشاع ذكره في سورية كلها ( فينيقية الساحلية
والجبلية) " ( متى 4: 23). -" ثم خرج من هناك وذهب الى نواحي صور وصيدا واذا امرأة
كنعانية خارجة من تلك البلاد تصيح..." ( متى 15:21) . -" ثم مضى من هناك وذهب الى
نواحي صور وصيدا فدخل بيتا ..." مرقس 7:24) - " وتبعه جمع كثير من الجليل... والذين
حول صور وصيدا جمع كثير اذ سمعوا كم صنع اتوا اليه .." ( مرقس 3:7-10) - يشير النص
الانجيلي الى أن المسيح أحب اهل بلاد صور وصيدا واشاد بهم بقوله :" إن صور وصيدا
تكون لهما حالة اكثر احتمالا يوم الدين " (متى 11:21، لوقا 10: 13 و 14). في معرض
الاعداد لتمثال العذراء فوق التلة العين إبلية ، الواقعة على طريق المسيح قادما الى
بلاد صور وصيدا أو راجعا منها الى الجليل الادنى ، ولكي يأتي العمل الفني صادق
التعبير ومطابقا لملامح شخص السيدة المكرمة ، يحلو السؤال عن كيفية أداء ما نتوقع
بأن يكون تحفة حضارية وروحية مميزة. ولذلك نود التذكير بضرورة الابتعاد عن الارتجال
في التصميم والتنفيذ اللذين هما بحاجة الى اختصاص وابداع. فنسوق في هذا الصدد ،وعلى
سبيل الاستلهام ، أمثلة ثلاثة من الفن المشرقي المقدس ، لعله يتم الأخذ بها ، في
تحقيق النموذج الاقرب الى صورة العذراء بملامحها البشرية المحلية ، على أمل أن يحظى
العمل الفني المنتظر بمسحة وهالة توحيان بالروحانية والقداسة . 1. النموذج الاول هو
الرسم الذي وضعه مار ربولا السرياني.انها الصورة الاكثر قدما في تاريخ الفن المسيحي
المشرقي .وضعها عام 586 في انجيله الشهيرالمزيّن بالرسوم .وهي واحدة من بين 292
صورة اخرى انتشرت في العالم ، وألهمت الكثير من اهل الفنون المقدسة .قال عنها احد
الناقدين الفنيين الروس كونداكوف :" إن صورة أم الله الواردة في انجيل ربولا ملفتة
بطابعها الجدير بالتقدير .العذراء الواقفة، بوجهها البيضاوي الشكل وعينيها
الواسعتين ، انما هي صورة الجمال السرياني الانثوي ، كما رآه الرسام في
عصره".والناقد الروسي عينه يرى في الصورة "نموذجا لصورة العذراء الهادية وحاملة
الطفل على ذراعها الأيسر"
( N.Kondakov,Ikonogr,bogomatri,ISaint
–Petersbourg,1911,p.181,in Boutros Daou,Evangile de Raboula et ses icons,
p.190-196) Raboula ND.JPG
كان لهذه الصورة تأثير واضح في الفن البيزنطي والاوروبي.
ومن الامثلة العديدة على ذلك والتي يذكرها الاب ضو صورة "العذراء الهادية" الموجودة
في كنيسة القديسة فرنسيسكا في روما.ومن مميزاتها العينان الواسعتان والفم الصغير
والانف المستقيم ، كما في صورة ربولا. ومن الارجح انها جيء بها من الشرق، كما جيء
بغيرها من قبل فنانين سريان ، وذلك في زمن كانت فيه روما ،بين القرنين الاول
والثامن، تدين بمعظم أحبارها الى الشرق او ممن هم متأثرون بالشرق. 2-النموذج الثاني
هو صورة مريم منقذة الشعب الروماني. الشبه بينها وبين صورة ربولا ملفت من اكثر من
جانب واحد. وهي تتميز خصوصا بالنجمة التي تزين الرأس والكتف ( ولذلك دعيت أم النور
). والبعض يرى أن صورة مريم منقذة الشعب الروماني قد تكون منقولة عن صورة "أم الله"
و"سيدة المعونات" التي كانت في كنيسة السيدة في مدينة صور اللبنانية ، وقبل ان تصبح
"سيدة البحار" ، حيث اطلق لاول مرة على السيدة العذراء لقب "أم الله " ( تيو توكوس)
وشيد على اسمها أولى بازيليك في العالم عام 303. ولعل نقل الصورة حصل على يد احد
البابوات الذين تشكل مدينة صور مسقط رأسهم او الذين هم من اصل فينيقي سوري.نعني بهم
خصوصا :البابا سيسينيوس الذي ولد في صور وانتخب بابا سنة 707.والبابا الثاني الصوري
هو قسطنطين الاول الذي انتخب سنة 708 وتوفي سنة 715. ومن البابوات العظام الذين
ولدوا في سوريا: البابا غريغوريوس الثالث الذي انتخب سنة 731.وعرف عنه دفاعه عن
تكريم الصور في وجه الأيكونوكلاست (أعداء الصور). ساهم في انتشار المسيحية في
اوروبا انتشارا واسعا عن طريق الدبلوماسية.وعزز العلاقات مع فرنسا بارسائه التحالف
التاريخي معها عبر الملك شارل مارتل . قد يكون التأثير السرياني والفينيقي بالغا
جدا على اوروبا وبيزنطية ، في الفترة الممتدة بين 586 و741، ليس فقط في الفن بل
أيضا في السياسة وسائر جوانب الحياة الحضارية،إذ ان الفترة التي نتكلم عنها ظهرت
فيها اولى مفردات الفن الكنسي ،ومن بينها صورة "مريم الهادية وحاملة الطفل" ،تحت
تأثير ربولا، وشهد تاريخ الكنيسة خمسة بابوات من أصل شرقي ، منهم ، كما أشرنا،
اثنان من صور- لبنان (ساسين وقسطنطين ) واثنان من سوريا ( أنيست وغريغوريوس
الثالث)،وواحد من عائلة فينيقية مقيمة في جزيرة صقلية الايطالية (سرجيوس الاول). om
Elnour.JPG -3 النموذج الثالث هو صورة سيدة أيليج في بلاد جبيل.ترقى هذه الصورة الى
القرن الحادي عشر.الشبه كبير بينها وبين صورة ربولا: العينان الواسعتان، الفم
الصغير، ألانف المستقيم ، الوجه البيضاوي الوضّاء. فوق ذلك يلاحظ اهل النقد الفني
والخبرة أن المواد المستعملة في رسم صورة سيدة ايليج وصنعها انما هي ذاتها
المستعملة في رسم صورة العذراء في انجيل ربولا السرياني الماروني . ألامر الذي يدعو
الى الاستنتاج بأن الصورتين تعودان الى مصدر فني وحضاري واحد. MarieElige1.jpg هذه
الخصائص الفنية التي تميزت بها النماذج الثلاثة التي اتينا على وصفها ، والتي تعبّر
أكثر ما يكون التعبير عن الصورة التاريخية الاقرب الى حقيقة السيدة مريم ، نأمل أن
تؤخذ بالاعتبار في المشروع الجلل الذي تنوي عين إبل تحقيقه ، تخليدا لذكرى السيدة
أم النور ،الهادية ،الشفيعة ، بنت أرضنا، أم فادينا ،وأمنا. ( رسالة كنت بعثت بها عام 2008 الى الفريق الذي كان يعد في كندا لاطلاق المشروع )
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire