Translate

lundi 28 mars 2022

على خطى المسيح في جنوب لبنان - المربع الحدودي او بوابة العبور

 ان مجموعة القرى والبلدات التي تقع عند أقصى الحدود الجنوبية اللبنانية الحالية  والفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة ( اسرائيل) تشكل بوابة العبور التي كان يسلكها السيد المسيح آتيا في زمانه من الجليل الأدنى الى الجليل الأعلى حيث كانت تقيم مجموعة من الشعوب ذات الأعراق والأديان المختلفة. لذلك كان يدعى بجليل الأمم.

- على جانبي الحدود الحالية الجنوبية الشرقية للبنان وفلسطين المحتلة (الدولة العبرية)  تقع مجموعة من البلدات التي  يتعايش فيها سكان من مختلف الطوائف والاديان في ما يشبه " لبنان مصغّرا"  بتنوع طوائفه . من بينها في الجانب العبري:  الجش وكفر برعم مسقط رأس عائلتي مار بطرس وبولس وفقا لبعض المراجع التاريخية. وفي الجانب اللبناني : مارون الرأس ويارون ورميش وعين ابل ودبل والقوزح وعيتا الشعب وغيرها.

١-  يارون قرية يقيم فيها مسيحيون من الروم الكاثوليك والشيعة. فيها كنيسة على اسم القديس جوارجيوس. ورد ذكرها في سفر يشوع من الكتاب المقدس تحت اسم يرأون ( سفر يشوع ٣٨/ ١٩) .وهو اسم يعني المكان المرتفع والمطل. وهو على مقربة من بلدة مارون الرأس التي ينطبق عليها بحق هذا الوصف ، في المحاذاة المباشرة مع الحدود الدولية والمطلة مباشرة على بحيرة الحولة. فيها كنيسة على اسم مار جرجس.

٢ - الى الجنوب الغربي منها تقع بلدة رميش، واسمها مشتق من اللفظة الارامية " رمشو" التي تعني المساء،او غروب الشمس. ولعله تحريف لاسم الالهة ارتميس ، أي عشتاروت، لا سيما وأن هناك تلة قريبة منها تقع في خراج عين ابل باسم "شرتا" والذي  يشير الى اسم الالهة الكنعانية .في رميش كنيسة مكرسة على اسم القديس جوارجيوس وأخرى تعرف  باسم كنيسة التجلّي. وفي جوار رميش خرب ومواقع أثرية من بينها قلعة صليبية تعرف باسم "قطمون" وكر سيفا وغيرهما.

٣- عين ابل: تقع بين رميش ويارون وعلى مسافة ١٣٠ كيلو مترا من بيروت . هي أكبر البلدات المسيحية الواقعة على الحدود الجنوبية اللبنانية. فيها خمس كنائس : كنيستان على اسم السيدة مريم العذراء ، كنيسة ودير على اسم القديس يوسف، كنيستان على اسم القديس جوارجيوس ، الى كابلا حديثة العهد تم بناؤها فوق تلة الدوير التي كانت تحتضن اثار معبد كنعاني فينيقي باسم" ابولون".

ولعل هذا الاسم هو  في أساس تسمية عين ابل ، عين ابولون. وهو معنى من جملة معان مقترحة الى  جانب تفسيرات اخرى ترتقي الى جذور بيبلية ( قايين وآبيل) أو كنعانية وعربية،  بحيث تعني السقي، ومطر السماء ، ماء بعل ، أو معاني أخرى مثل :  الجمل ،الراهب ،وغيرها من المعاني.

- في عين أبل تلة تعرف باسم "شلعبون" او "شعلبيم" ورد ذكرها على الأرجح في الكتاب المقدس في سفر يشوع بن نون الفصل ١٩ تحت اسم "شعلبيم" . فيها اكتشف الباحث الفرنسي أرنست رينان مدفنا قال عنه في كتابه "بعثة فينيقيا" أن هندسته تشبه إلى حد كبير هندسة قبر السيد المسيح.

"Ce caveau paraît un de ceux qui peuvent le mieux donner l'idée du tombeau de Jésus.Un des traits caractéristiques de ces trois caveaux, c'est une espèce de jour de souffrance, percé près de l'entrée et   destiné, quand la pierre était roulée à la porte, à éclairer l'intérieur."

Cf: P.676 MISSION DE PHENICIE . 

 حاليا يجري في عين أبل  بناء برج من بين اعلى الابراج المكرسة على اسم السيدة العذراء  فوق تلة من التلال الواقعة في جنوب لبنان تحت اسم " أم النور" عند المدخل الشمالي  للبلدة . من مميزاته انه يمكن للواقف عند اعلاه رؤية جبل حرمون حيث قال السيد المسيح لبطرس : انت الصخرة....، ورؤية قانا حيث بارك  العرس، كما بأمكان الزائر أن يرى مشارف الناصرة وضفاف بحيرة طبريا حيث قال السيد المسيح لتلاميذه: "ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا . فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك" (يو 21: 6).

٤- دبل  : ورد هذا الاسم في سفر النبي حزقيال بمعنى التين المجفف: " وأصيّر الارض مقفرة وخربة من القفر الى دبلة في كل مساكنهم فيعلمون اني انا الرب"    (حزقيال ٦: ١٤). فيها اثار تعود إلى العهد القديم تعرف بمغارة أو قلعة حازور أو حاصور. في البلدة كنيستان على اسم القديس جوارجيوس ومقام حديث على اسم السيدة العذراء .

٥- القوزح : تشير التسمية  الى قوس القزح . مع ما لهذا التعبير من معان عديدة في الكتاب المقدس والأساطير الوثنية. فيها كنيسة على اسم القديس يوسف .وفي خراجها تم حديثا بناء صومعة تقيم فيها راهبة فرنسية اختارت أرض جنوبي لبنان المقدسة لتقدم فوقها شهادتها في النسك والعبادة.

٦- عيتا الشعب : قرية تقع على الطريق بيت رميش وعلما الشعب - الناقورة. كان سكانها مسيحيين في أواخر القرن التاسع عشر قبل ان  يهاجروا منها الى مدينة صور لأسباب أمنية ، حاملين معهم أيقونة السيدة العذراء. وفي عيتا الشعب لا تزال توجد في أيامنا قطعة ارض باسم  "أرض السيدة " محفوظة من قبل سكان البلدة الحاليين اكراما لها. وفي العام ١٩٥٤ عندما نظمت رابطة الاخويات مشروع التجوال بتمثال سيدة لبنان فوق معظم المناطق اللبنانية الحّ سكان عيتا الشعب عندما مر التمثال في بلدتهم على حمله ورفعه فوق أكتافهم  اسوة بجيرانهم المسيحيين .

تبقى أرض جنوب لبنان،كما سميت  "بلاد بشاره"  في حقبة من التاريخ الوسيط  او كما سميت قبله ب"جبل عامل" بالنسبة لقبيلة عربية مسيحية نزحت من الجزيرة العربية ، تبقى شاهدة على ديمومة  الرسالة المسيحية في لبنان والعالم . وهي رسالة المسيح  "ابن الانسان" .انها  رسالة "الوحدة في التنوع "، ورسالة لخير :الانسان كل الانسان وكل الناس". وفقا لتعبير الكنيسة الجامعة.

بقلم جوزف خريش. 


samedi 15 janvier 2022

يسوع في قانا الجليل =من موقع زينيت =

النص الإنجيلي (يوحنا 2: 1-11) 1 
وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك. 2 فدُعِيَ يسوعُ أَيضاً وتلاميذُه إِلى العُرس. 3 ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: ((لَيسَ عِندَهم خَمْر)). 4 فقالَ لها يسوع: ((ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد)). 5 فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: ((مَهما قالَ لَكم فافعَلوه)). 6 وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. 7 فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: ((اِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً)). فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. 8 فقالَ لَهم: ((اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة)). فناوَلوه، 9 فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ 10 وقالَ له: ((كُلُّ أمرئ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن)). 11 هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه 12 ونَزَلَ بَعدَ ذلكَ إِلى كَفَرناحوم هو وأُمُّه وإِخوَتُه وتَلاميذُه، فأَقاموا فيها بِضعَةَ أَيَّام. مقدمة يصف يوحنا الإنجيلي معجزة الخمر في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 1-11) كآية أولى أتى بها يسوع لإظهار مجده الإلهي كي يؤمن به تلاميذه؛ والإيمان بيسوع هو هدف إنجيل يوحنا " أتى يسوعُ أَمامَ التَّلاميذ بِآياتٍ أُخرى كثيرة لم تُكتَبْ في هذا الكِتاب، وإِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه" (يوحنا 20: 30- 31)؛ فغاية إنجيل اليوم هو ظهور المسيح، وحمل الناس على الإيمان بشخصه، كابن الله الذي حوَّل ماء التطهير إلى خمر العهد الجديد الذي يحمل سر الخلاص. فالمسيح أتى ليحوّل حياتنا إلى فرحٍ وحياة ٍأفضل؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل يوحنا (يوحنا 2: 1-11) 1 وفي اليَومِ الثَّالِث، كانَ في قانا الجَليلِ عُرسٌ وكانَت أُمُّ يَسوعَ هُناك. تشير عبارة "اليَومِ الثَّالِث" إلى الأيام الثلاثة بعد لقاء يسوع مع نثنائيل وهو من قانا الجليل (يوحنا 1: 51)، ودعوة فيلبس (يوحنا 1: 43-51)، ودعوة واختيار التلاميذ الأولين (يوحنا 1: 35-51)، وهو اليوم السادس من الأيام التي تمّت فيها الحوادث الأولى خاصة تأدية يوحنا شهادته أمام اللجنة اليهودية (يوحنا 1: 19). وهكذا يفتتح يسوع إنجيله في اليوم السابع بعد عماد يسوع في بيت عنيا عبر الأردن (يوحنا 1: 28) على غرار سفر التكوين بأوَّل تجلِّ مجده من خلال معجزة عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 11). بدأ يسوع عمله خلال أسبوع للدلالة على الخلقية الجديدة، وينتهي هذا الأسبوع بكشف كيانه العميق وإيمان التلاميذ في قلب عرس يُعلن مجي الملكوت. وهذا الأسبوع يعود بنا إلى أسبوع الخلق الأوّل: لقد بدأ الله يخلق، بواسطة الكلمة المُتجسّد، شعباً جديداً يعلن كلمته. أمَّا اليوم الثالث في العهد القديم فيأخذ الرقم ثلاثة، يأخذ الرقم ثلاثة أهميّة كبيرة في العهد القديم، فهو يرتبط دوماً بعدد أيّام المحنة التي يليها الخلاص: إخوة يوسف يتحرّرون في اليوم الثالث (التكوين 41، 18)، إسرائيل يسير ثلاثة أيام نحو الحرّية؛ (خروج 15، 22) يبقى يونان ثلاثة أيام في بطن الحوت، (يونان 2، 1)، ينتظر الشعب لمدّة ثلاثة أيّام تجلّي الرب على الجبل قبل إعطائهم الوصايا العشر التي هي أساس عهدهم مع الله وعلاقتهم به. (خروج 19، 10. 16). وأمَّا في الديانة المسيحية فيدل اليوم الثالث على قيامة الرب حيث" قام الرب في اليوم الثالث، كما في الكتب"؛ وأعلن مجد ألوهيته كابن الله المنتصر. والقيامة هي سر فرحنا وقمة تجلي يسوع على الأرض وانتصاره على الموت. ويُعلق القديس كيرلس الكبير قوله "في اليوم الثالث لا يخلو من معنى رمزي، فالعدد الثلاثي يشير إلينا بالبداية والوسط والنهاية. فقد جاء يسوع المسيح بنفسه إلى كنيسته في المرحلة الثالثة ليقيم عرسه معها. المرحلة الأولى هو عصر الآباء ما قبل الناموس، والثانية عصر الأنبياء في ظل الناموس، والثالث هو عهد النعمة حيث أشرق النور الحقيقي على العالم ليُبدِّد ظلمته. يحتفل بالزفاف في اليوم الثالث، أي في العصر الأخير من العالم". أمَّا عبارة "قانا الجَليلِ" فتشير إلى كفرقانا (كفر كنّا) التي تبعد نحو 9 كم الشمال الشرقي من الناصرة وعلى بعد 18 كم غرب بحيرة طبريا؛ وقد ورد اسم قانا الجليل في إنجيل يوحنا أربع مرات (يوحنا 2: 1، 11؛ 4: 46؛ 21: 2). وفيها تمَّت أيضا الآية الثانية، وهي شفاء ابن خادم الملك (يوحنا 4: 46 -54). وأضاف يوحنا الإنجيلي "الجليل" تمييزا لها عن قانا ألتابعة لسبط أشير في شرقي صور (يشوع 19: 28)، وعن قانا التابعة لسبط إفرايم في منطقة السامرة (يشوع 16: 8). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "أن الاحتفال لم يتم في أورشليم بل خارج اليهودية (يوحنا 3)، في قانا احدى قرى جليل الأمم. ومن الواضح جدًا أن مجمع اليهود رفض العريس السماوي، ولكن كنيسة الأمم قبلته بقلب متهلل". وقد بُنيت كنيسة في العهد الصليبي في قانا الجليل في موضع العرس وآثارها باقية حتى الآن. والبعض يعتقد أن قانا، هي القرية اللبنانية جنوب بيروت في قضاء صور. وأمَّا عبارة "عُرسٌ" في الأصل اليوناني γάμος وبالآراميّة חֲתֻנָּה ومعناها "المشروب"، فتشير إلى الزِّفافُ والتزويجُ، إذ درجت عادة تقدمة الخمر للمدعوّين. والاحتفالات بالعرس تدوم مدة أسبوع (متى 22: 1-10). أوجد الله الزواج سُنَّة حيث يترك الرجل أباَه وأمَّه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً (تكوين 2: 20-24)؛ ويأخذ العرس دوماً رمزيّة العهد الذي أقامه الله بينه وبين إسرائيل (ارميا 51: 1)، وقد شبّه الكتاب المقدس علاقة الله مع شعبه (أشعيا 54: 5)، ثم علاقة المسيح مع كنيسته، بالعرس، وبعلاقة العريس بالعروس (متى 9: 15)، وملكوت السماوات يشبه العرس (متى 2:22-14)، بدأ يسوع خدمته العلنية في عرس قانا الجليل، وفي نهاية خدمته عند نهاية العالم نجد "عُرسُ الحَمَل" (رؤيا 7:19-9). وقد أيّد المسيح سُنَّة الزواج من خلال وجوده على الأرض (متى 19: 5-6) فالمسيح هو عريسنا؛ أمَّا عبارة "أُمُّ يَسوعَ" فتشير إلى مريم العذراء التي يُسمّيها يوحنا الإنجيلي باسم ابنها البكر (لوقا 2: 7) كما هي العادة في شرقنا. ولكن أهمية هذا اللقب ليوحنا الإنجيلي لا تكمن في شخصها التاريخيّ فحسب، بل تتخطّاه إلى ناحية الدّور الّذي لعبته في مخطّط الخلاص الإلهيّ، فهي التي قبلت كلمة الله وحملته وأعطته للعالم، وهي قادرة أن تطلب من ابنها وربّها أن يتمّم النقص البشري بخمر الفرح الإلهيّ دوماً. فلا عجب أن يوحنا لم يذكر اسم مريم كما انه لم يذكر اسمه ولا اسم أخيه يعقوب. أمَّا عبارة "هُناك " فتشير إلى مريم التي سبقت ابنها يسوع إلى العرس في قانا، وذلك لكي تساعد أهل العريس. قد تكون مريم هناك ليس كأحد المدعوين وإنما كأحد أفراد الأسرة أو لن اصحب العرس من المُقرّبين لمريم. من كان قريبا من الله كان قريبا من الناس. وهل أقرب إلى الله من مريم؟ فهي قريبة جدا منا. 2 فدُعِيَ يسوعُ أَيضاً وتلاميذُه إلى العُرس تشير عبارة "دُعِيَ يسوعُ" إلى اشتراك يسوع في أفراح قانا الجليل من اجل إظهار مجده وتقوية إيمان تلاميذه وتلبية لصداقة أهل العرس وتقديس الزواج المسيحي بحضوره، ورفعه من درجة عقد طبيعيّ بين الرجل والمرأة إلى مقام سرّ إلهيّ يمنح النعمة لهما كي يعيشا عيشةً مقدّسة، ويتحمّلا بصبرٍ ومودَّة متبادَلة أعباء الحياة المشتركة، ويُربّيا أولادهما تربية صالحة. بدأ يسوع رسالته في عقد زواج، بدأها يوم توثَّقت عرى المحبة بين شخصين متحابين، بدأها يوم ارتبط قلبان بخاتم الزواج بعهد. بالرغم من أنَّ يسوع كان له مُهِمَّة خلاص العالم، وهي أعظم رسالة في تاريخ البشرية ومع ذلك شارك في احتفالات العرس لأنها تضم الناس. وقد جاء يسوع ليكون مع الناس. حضور يسوع وسط الناس يُحوِّل حياتهم إلى عرسٍ (مرقس 2: 18-20). هل نجعل يسوع حاضرا في أعراسنا؟ وهل نعتبر نحن المناسبات الاجتماعية جزأً من رسالتنا ونشترك فيها؟ أمَّا عبارة "تلاميذه" فتشير إلى ستة منهم، وهم: اندراوس وبطرس وفيليبس ونثنائيل ويوحنا البشير وأخوه يعقوب (يوحنا 1: 35-51). أمَّا بقية التلاميذ الاثني عشر فلم يكونوا قد تتلمذوا بعد ليسوع. إن السيد المسيح هو العريس السماوي، وتلاميذه باكورة كنيسة العهد الجديد، فهم العروس الروحية. 3 ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: لَيسَ عِندَهم خَمْر تشير عبارة "نَفَذَتِ الخَمْر" إلى نقص الخمر على مستوى الضيافة. يحتمل أن الضيوف كانوا أكثر مِمَّن توقعوا حضورهم، أو انهم أقاموا أكثر من المدة المتوقعة حيث أنَّ احتفالات الزواج تتمُّ على مدى أسبوع بأكمله (التكوين 29: 27؛ القضاة 14: 15)، وكانت المآدب تُقدَّم لضيوف كثيرين، أو لأنه من البداية ما احتاط أصحاب العرس على كميّةٍ وافية من الخَمْر. ولان نفاذ الخمر يعتبر ورطة كبرى عرفت مريم بنقص الخمر وأخبرت ابنها وكأنها تنتظر منه أن يفعل شيئاً. أمَّا في مفهوم الملكوت فالخمر ضروري من أجل العيد كما جاء في نبوءة أشعيا "ناحَ النَّبيذُ وذَبُلَ الكَرْم وتَنَهَّدَ جَميعُ فَرِحي القُلوب"(أشعيا 24: 7). إنه يشير للفرح، والشعب اليهودي بسبب خطاياه ما عاد لهم فرح (يوئيل 1: 5)؛ أمَّا عبارة "لَيسَ عِندَهم خَمْر" فتشير إلى تيقظ وتدارك الأمر قبل استفحالِه فطلبت مريم عن طريق التلميح وليس التصريح من يسوع إيجاد حل. ومن هذا المنطلق، يكون الطلب بصورة الخبر، وهكذا حثّ مريم ابنها للرحمة مما يدل على دورها المنفتح على الآخر في حاجاته، لإيجادِ حلول للمشكلة. إنها تعبّر عن ثقتها وإيمانها بابنها يسوع، أنه قادر أن يفعل شيئاً فيُزيل القلق والارتباك لأصحاب العرس. إذ علمت أن إيليا النبي صنع معجزة تكثير الدقيق والزيت في وقت الضيق (1 ملوك 17: 14) أفلا يستطيع ابنها أن يفعل مثله! ويعُلق القديس كيرلس الكبير "قدمت الطلب بروح التواضع دون أن تضع الحَلْ كما لو كانت أكثر من ابنها حكمة أو حبًا للآخرين". وهنا نرى دور شفاعة، فهي تطلب المستحيل من ابنها فيعطيها. وهي ما زالت تشعر بكل من هو ليس فرحًا وتتشفع له حتى يدخل المسيح حياته فيفرح. هل نحاول أن نتعلم كيفية الخروج من ذاتنا، لنهتم بالآخر؟ أمَّا عبارة "الخَمْر" فتشير إلى الخمر المصنوع من العنب (أرميا 6: 9) وقد ذُكرت الخمر مع الحنطة والزيت كعطية عظمى للإنسان، وكانت في كل بيت يقدمونها للضيوف لا سيما في الأعياد (تكوين 14: 18). والخمر تعبير عن سر الشركة مع المسيح. فالمسيح حَوَّل الخمر إلى دمه، ودون شركة مع المسيح في القداس الإلهي لا فرح. لكن نهى الكتاب المقدس عن السُكر بالخمر، وعلّم أن السُكر بها خطيئة " لا تَشرَبوا الخَمرَ لِتَسكَروا، فإِنَّها تَدعو إلى الفُجور" (أفسس 5: 18). 4 فقالَ لها يسوع: ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد تشير عبارة "ما لي وما لَكِ" إلى عبارة كتابية لصد كل تدخّل في غير مكانه أو للتعبير عن الرفض (قضاة 11: 12 و2 صموئيل 16: 10 1 ملوك 17: 18) أو للتعبير عن انقطاع في الصلة والعلاقة بين المتكلّم والمُخاطَب، وتنطوي على نوع من القسوة وعلى تباعد في وجهات النظر بين يسوع ومريم أمه؛ كأن يسوع يقول لمريم أمِّه ليس لكِ أن تشيري عليَّ ما يجب أن اعمله، أو "دعيني! أنك تتدخلين بأمر لا يعينك". فهذا بيني وبين أبي السماوي". فيسوع لا ينظر إلى حاجة بسيطة في عرس، بل إلى ساعة إعلان مجده كمسيح التي لم تَحِنْ بعد، وهي ساعة الآلام والموت والقيامة (يوحنا 7: 30، 8: 20، 12: 23). أمَّا عبارة " المَرأَة؟" في الأصل اليوناني γύναι فلا تشير إلى قلة احترام أو إجلال حيث أعاد يسوع هذا اللقب لمريم أمِّه عند الصليب حين أراد إظهار الحب ورقة قلبه عليها: " فرأَى يسوعُ أُمَّه وإلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ" (يوحنا 19: 26)، فمن أوصى بإكرام الوالدين لن يحتقر أمَّه. بل قال الكتاب المقدس "كان خاضعا لهما" (لوقا 2: 51). ولفظة " يا امرأة" لا تتضمن حتما أي توبيخ إنما هو مطابق للعادات اليهودية والهلينية، وأطلق الله على العذراء مريم لقب "امرأة" حينما قال إن نسل المرأة أي المسيح سيسحق رأس الحية "أَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه"(التكوين 3: 16)، وأطلق يسوع هذا اللقب على المرأة السامرية " صَدِّقيني أَيَّتُها المَرأَة تَأتي ساعةٌ فيها تَعبُدونَ الآب لا في هذا الجَبَل ولا في أُورَشَليم" (يوحنا 4: 21)، حيث أن المرأة تعني السيدة. أمَّا في مفهوم إنجيل يوحنا فتُوحي لفظة "المرأة" إلى المرأة الثانية مقابل حواء المرأة الأولى؛ ومعها يبدأ نسل جديد هو يسوع، بكر الخلائق كلها (قولسي 1: 15)، إذ صارت العذراء مريم حواء الجديدة، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لا يتحدث يسوع هنا مع مريم بكونها أمَّا له بل بكونها حواء الجديدة". أمَّا عبارة "لَم تَأتِ ساعتي بَعْد" فتشير إلى عدم حضور الساعة الذي يُظهر يسوع مجده علانية بفعل المعجزة كما ورد في إنجيل يوحنا (يوحنا 7: 3، 8: 20، 12: 23، 27)، إنما تشير إلى حضوره في هيكل اورشليم وفق النبوءة القائلة "يَأتي فَجأَةً إِلى هَيكَلِه السَّيِّدُ الَّذي تَلتَمِسونَه، ومَلاكُ العَهدِ الَّذي تَرتَضونَ بِه. ها إِنَّه آتٍ، قالَ رَبُّ القُوَّات" (ملاخي 3: 1) وبالتحديد تشير الساعة إلى موت يسوع ورجوعه إلى الآب (يوحنا 13: 1، 17: 1). أمَّا عبارة "ساعتي" فتشير في إنجيل يوحنا إلى الوقت الذي حدَّده الآب لظهور مُسبق لمجد يسوع الإلهي من خلال الآيات والمعجزات، وتدل أيضا في اغلب الأحيان على ساعة الصلب، لأن الصلب هو عبور أو انتقال إلى المجد "أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان" (يوحنا 12: 23). وبناء على ذلك لم تكن معجزة في قانا لإعلان يسوع للأمَّة اليهودية إنما إظهار مجده لتوطيد إيمان تلاميذه. 5 فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: ((مَهما قالَ لَكم فافعَلوه)). عبارة "لِلخَدَم" في الأصل اليوناني διάκονοι (معناها الشمامسة وليس العبيد) تشير إلى خدام أسرار الله الذين يعمل بهم السيد المسيح لخدمة وبهجة شعبه. وكنيسة العهد الجديد تدعو الشمامسة بهذا الاسم الذين يقومون بخدمة المذبح مع خدمة الموائد والاهتمام باحتياجات الفقراء والمرضي (أعمال الرسل 6: 3-4). يؤيِّد أمْرُ مريم للخَدمَ القول أَّنَّ مريم من أقرباء أهل العرس. أمَّا عبارة "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه" فتشير إلى ثقة مريم بيسوع ليعالج المشكلة، إذ لم تتراجع أمام ما يتبين أنه موقف رفض من قبل ابنها، بل عرفت أن وراء تلك الكلمات، قلباً رحوماً شفوقاً وعطوفا. بدأت تعمل بأن هيّأت الخدم لكي يجتمعوا لإطاعة ما يأمر به. وهذا الأمر يُذكَّرنا ما قاله "فِرعَون لِجَميع المِصرِّيين لَمَّا جاعَت كُلُّ أَرضِ مِصْر: اِذْهَبوا إلى يوسف، فما يَقُلْه لَكُم فاَصنَعوه" (التكوين 41: 55). مريم التلميذة المؤمنة ترجو تدخّل الله في حينه. فأدركت أن يسوع لا بُد من تدخله عند الضرورة لسد الاحتياجات وكانت مُصرَّة في إيمانها وثقتها ولم تقطع الرجاء به. وهذه هي العظة الوحيدة التي قالتها العذراء. وهذه هي وصية الآب لنا من السماء يوم التجلي " هذا هَو ابنيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضيت، فلَهُ اسمَعوا " (متى 17: 5). هل نثق مثل مريم بيسوع ونتركه يعالج المشكلة، لأنه يرى ويعمل الأفضل؟ أمَّا عبارة "افعلوا" فتشير إلى فعل امر يدل على إصرار مريم في إيمانها وثقتها في طاعة ابنها يسوع. فهي لم تقطع الرجاء بل استعدّت أن تعمل بمشيئة ابنها يسوع، فدعت الخدَم أن يعملوا مثلها. دور القديسة مريم هو توجيه أنظارنا إلى مسيحنا والطاعة الكاملة له. فالطاعة تصنع المعجزات على ما فعل الصبي حين أعطى أرغفته فكثرت بيد يسوع وأطعمت الجماهير (يوحنا 6: 9). ونحن إن فعلنا ما يقوله لنا المسيح ننال منانا حتى لو حيّرتنا مشيئته كما حيّرت الخدم في قانا الجليل. 6 كانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. تشير عبارة "كانَ هُناكَ" إلى مكان غير مرئي من العريس والمدعوِّين قد يكون في مدخل الدار أو في الدهليز حيث يُحفظ أجران من حجر. أمَّا عبارة "سِتَّةُ أَجْرانٍ" تشير إلى ستة أجران حسب أيام الأسبوع من الأحد حتى الجمعة، كل جرن يُخصَّص ليومٍ معينٍ للتطهير، في حين يُخصَّص يوم السبت للعبادة والراحة فلا يمارس فيه الشخص عملًا يحتاج إلى تطهير. وعدد ستة تدل على عدد أيام الخلق لان الرب خلق كل شيء في ستة أيام (التكوين 1: 31-: 1)، كما ترمز إلى أجنحة سَرافينَ والكاروربيم (أشعيا 6: 2) وإلى التطهير المسيحاني، لانَّ رقم (6) يرمز إلى النقص أو عدم الكمال وهنا يدل على الإنسان الناقص الذي خُلق في اليوم السادس. ويعلق القديس أوغسطينوس "هذه الأجران الستة تعني العصور الستة التي لم تكن بدون نبوات الأجاجين الستة، وهذه العصور هي 1. من آدم إلى نوح. 2. من نوح إلى إبراهيم.3. من إبراهيم إلى داود.4. داود إلى السبي البابلي 5. من السبي البابلي إلى يوحنا المعمدان. 6. من يوحنا المعمدان إلى نهاية العالم. وهذا الجرن السادس يلمّح إلى عرس السيد المسيح مع الكنيسة المجتمعة من الأمم". أمَّا عبارة " أَجْرانٍ" فتشير إلى أجاجين من الحجارة للاستعمال الطقسي في الديانة اليهودية من اجل التطهير أو الاغتسال الطقسي، حيث لم يكن جائزا لليهودي أن يأكل ما لم يغتسل أولًا كما ورد في إنجيل مرقس "أَنَّ الفِرِّيسِيِّينَ واليهودَ عامَّةً لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغسِلوا أَيدِيَهُم حتَّى المِرفَق، تَمَسُّكاً بِسُنَّةِ الشُّيوخ. وإذا رجَعوا مِنَ السُّوق، لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغتَسِلوا بِإِتْقان. وهُناكَ أَشياءُ أُخرى كَثيرةٌ مِنَ السُّنَّةِ يَتمسَّكونَ بها، كَغَسْلِ الكُؤُوسِ والجِرارِ وآنِيَةِ النُّحاس"(مرقس 7: 3-4)؛ ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن فلسطين بلد تُعرف بقلة المياه، فلا توجد القنوات والينابيع في كل موضع لهذا كانوا يملؤون الأجران بالماء، حتى لا يسرعوا إلى الأنهار متى تدنسوا في أي وقت، بل يجدون وسائل التطهير بين أيديهم". وتوحي هذه الأجران في الإنجيل إلى تطهير مسيحاني. أمَّا عبارة " لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود" فتشير إلى تقاليد وعادة الفريسيين في غسل أيديهم قبل الأكل (متى 5: 2 ومرقس 7: 1-4 ولوقا 11: 38). أمَّا عبارة "مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة" في الأصل اليوناني μετρητὰς ، مشتقة من الكلمة العبرية בַּתִּים (معناها بَث وهي مكيال سعة لمواد سائلة ) فتشير إلى سعة نحو 45 لترا. وبالتالي تسع الأجاجين الستة نحو 540 لترا من الماء حيث أن كل جرن يسع مِقدارَ مِكيالَينِ أي 90 لترا ماء. أو نحو 810 لترا في حالة يسع كل جرن نحو ثلاثة مكاييل أي 135 لتر ماء. واليهود كانوا بحاجة إلى مثل هذه الكمية الكبيرة من الماء للتطهير أو الاغتسال الشرعي الطقسي لأنهم يتنجّسون رمزيا بلمسهم مواد الحياة اليومية واتصالهم الاجتماعي، فيتطهَّرون بغسل أيديهم. إنما برمزية يوحنّا الإنجيلي نفهم أن المقصود هو أن رغم كثرة المياه، رغم كثافة الوصايا، رغم الثبات في الشريعة، لم يقدر الشعب أن يخلص، بل بقي عطشاناً. 7 فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: امتلأوا الأَجرانَ ماءً. فمَلأُوها إلى أَعْلاها. تشير عبارة "امتلأوا الأَجرانَ ماءً" إلى مشاركة الخدم في المعجزة حيث أنها لا تحصل دون سعي البشر، وجهودهم التي لا يغفلها الرب. فما دام في استطاعتنا أن نملأ الأجران ماء نعمل ما في وسعنا، ويعمل هو ما يستحيل علينا عمله؛ عندئذٍ المستحيل يُصبح ممكناً، واللامنطقي في حكمة البشر يُصبح منطقياً في حكمة الله. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لقد اهتم يسوع بالغير واستخدم كل وسيلة لغرس الرأي السديد فيهم، حيث أن أكثر ما يليق به أن يفعل ذلك مع أمه". أمَّا عبارة "ماءً" فتشير إلى رمز الطبيعة البشرية الخاطئة المحتاجة إلى تطهير (معمودية وغسل) كما ورد في العهد القديم أخذها العهد الجديد أيضاً، فالكتاب المقدّس يبتدئ بالماء (ماء الغمر) وينتهي بالماء (نهر الماء الحيّ في الفصل الأخير من سفر الرؤيا): هي مياه الخلق، مياه الطوفان، (خروج 29، 4؛ 30، 18-21)، مياه الغسل، المياه تقدّم إلى الضيوف ليغتسلوا بعد السفر (تكوين 18، 4) مياه تطهير اليهود، كما في عرس قانا، مياه المعمودية، مياه جنب المسيح. والمياه أيضاً مصدر الخطر لجماعة التلاميذ في العاصفة (لوقا 8، 24)، ولبطرس حين كان يغرق. ويسوع يحوّل مياه شرّنا إلى خمر فرح الخلاص ويملا نقصنا برحمته. أمَّا عبارة "فمَلأُوها إلى أَعْلاها" فتشير إلى عدم تردُّد الخدم لحظة في ملء الأجاجين ماء. وهذا الأمر يُذكرنا في تاريخ شعب العهد القديم عندما جعل موسى أَمامَهم كلام العهد. فأَجابَ كُلُّ الشَّعبِ " كُلُّ ما تَكَلَّمَ الرَّبُّ بِه نَعمَلُه"(خروج 19: 8). ونحن، هل نلبي الدعوة مثل الخدم في قانا الجليل؟ الأجران الممتلئة ماء ترمز للديانة اليهودية التي يتهيأ يسوع لأن ينفخها بروح مسيحية جديدة كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد. قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أشياءُ جَديدة" (2 قورنتس 5: 17). 8 فقالَ لَهم: اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة. فناوَلوه، تشير عبارة "اِغرِفوا الآنَ" إلى الخَدم الذين استقوا الماء بأنفسهم شهودًا على الأعجوبة الكائنة، ويشهدون أن الأعجوبة لم تكن خيالًية. أمَّا عبارة " وَكيلَ المائِدَة " فتشير إلى مدير التشريفات، وهي عادة شرقية حيث يتبرع رجل مرموق الكرامة من أهل العريس بتنظيم وإدارة حفل العرس، ولذلك فهو يظل يقظا دون أن يسكر فلا يخلّ ُّ بالواجبات؛ فشهادته لها قيمتها. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" أنه لكيلا يقول أحد أن الشهادة قد صدرت عن أناس سكارى لا يدرون الفارق بين الخمر والماء، جاءت الشهادة من وَكيلَ المائِدَة الذي يحرص ألاَّ يسكر، إذ يلتزم بتدبير أمر العرس بوقارٍ وحكمةٍ". وكون المسيح هو الذي يطلب أن يشرب وَكيلَ المائِدَة فهذا يشير أنَّ المسيح هو العريس الحقيقي والكل مدعوِّيه. والمسيح أيضًا لم يكلّف وَكيلَ المائِدَة بتصديق استحالة الماء إلى خمر ما لم تثبت صحتها بشهادة ذوقه، إذ أراد أن يعترف وَكيلَ المائِدَة بنوعية الخمر التي تحمل قوة إلهية قادرة أن تعطي فرحًا حقيقيًا لوجود الله. شهادة وَكيلَ المائِدَة تثبت حقيقة المعجزة. 9 فلَمَّا ذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون، دَعا العَريسَ. تشير عبارة "الماءَ الَّذي صارَ خَمْراً" إلى المعجزة التي أوضحت سلطان يسوع على الطبيعة، وأظهرت قوة الله. وليس غرابة أن يحوِّل السيد المسيح الماء إلى خمرٍ، فهو الذي يخرج من الأرض خمرًا (مزمور 107: 37)، حيث يهب الأرض أن تنتج كرومًا يُعصر عنبها ويتحول إلى خمر. حوّل يسوع ماء التطهير إلى خمر، كي ينقلنا من حرفية الناموس حيثُ التطهير إلي فرح الروح، لنعيش في عصرٍ جديدٍ ببداية جديدة. ويقول بولس الرسول: " قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أشياءُ جَديدة" (2 قورنتس 5: 17). وهنا نتساءل من أين جاءت هذه الخمرة؟ فالعريس لا جواب له. أمَّا الخدم فكانوا يعرفون، ولكن لا نعرف إن آمنوا؛ أمَّا التلاميذ فآمنوا. ولا زالت الكنيسة في القداس الإلهي تشرب من خمرة عرس قانا الجليل المُحوّل إلى دم المسيح حتى عودته. وصارت مياه التطهير عند اليهود خمرا للعهد الجديد من اجل عالم جديد من خلال عشاء الفصح وتقديس الخمر (مرقس 14: 13-25). وهذه المعجزة تدل على مياه التطهير لدى اليهود التي صارت خمرة العهد الجديد من أجل عالم ٍ جديدٍ (مرقس 14: 13-25). فمن يستطيع أن يحوِّل الماء خمراً، يستطيع أن يحوِّل الخمر دماً في العشاء الأخير مع تلاميذه. قد جاء يسوع إلى العالم ليُحوِّل حياتنا إلى عرسٍ فرحٍ. إنه يحوِّل ماء حياتنا إلى خمر يشير إلى الفرح الروحي الأبدي كما جاء في تعليم بولس الرسول "دَعوا الرُّوحَ يَملأُكُم، واتْلوا مَعًا مَزاميرَ وتَسابِيحَ وأَناشيدَ رُوحِيَّة. رَتِّلوا وسَبِّحوا لِلرَّبِّ في قُلوبِكم واشكُروا اللهَ الآبَ كُلَّ حينٍ على كُلِّ شَيءٍ بِاسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح" أفسس 18:5-20). فالمعجزة إذا تمَّت فتدل على تتميم إرادة آبيه السماوي، أمَّا مريم هنا فهي الوسيطة أو الشفيعة. وصلواتنا تكون مقبولة بشفاعتها. أمَّا عبارة " خَمْراً" فتشير إلى فرح العهد الجديد إي الإنجيل (أشعيا 25: 6؛ مزمور 104، 14-15)، الخمر هو رمز البركة التي ينالها الشعب المختار نتيجة العهد مع الله (إرميا 2، 21)، الخمر في هذا النص الإنجيلي هو رمز إعادة تجديد العهد بين الله وشعبه. يعيد يسوع المسيح بآية التحويل تجديد العهد المحطّم بين الله وشعبه، محطّم بسبب خيانة الشعب لربّ العهد. أمَّا عبارة " وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت" فتشير إلى وكيل المائدة الذي شرب الخمر وأعجبته وتوقف عند هذا، وهو من رأى معجزة المسيح وأعجبه كلامه ولكنه لم يتغير ولم يؤمن. أمَّا عبارة "غَرَفوا " في الأصل اليوناني ἠντληκότες (ومعناها سحب من مصدر ٍعميقٍ) فتشير إلى اجرأن ضخمة جدًا وأفواهها متسعة، ولا يمكن سكب الخمر منها إلا بسحبها بكوز يده طويلة. أمَّا عبارة "كانوا يَدْرُون" فتشير إلى الخدم الذين عرفوا المسيح لشخصه وعرفوا قوته ونعمته، وعلموا أنه ابن الله فدخلوا في شركة معه (متى 26: 29). هؤلاء اختبروا قوة التجديد ولذة الفرح. أمَّا عبارة "العريس" تشير إلى عدم ذكر اسمه ولا اسم أمه. إن هذا الغياب هو رمز مقصود من قبل الكاتب لإظهار العريس الحقيقيّ: فيسوع هو الّذي سدّ النقص وقدّم في النهاية الخمر الجيّدة، هو العريس الحقيقيّ الّذي يدخل في عهد جديد، عهد حبّ مع الإنسانيّة. ويرى البعض أن العريس هو سمعان (متى 10: 4) وقيل انه بعد تلك الآية قام وترك كل شيء وتبعه فكان من تلاميذه الاثني عشر ولُقِّب بسمعان الغيور (لوقا 6: 15). فقد صار عروسًا للعريس الحقيقي الرب يسوع المسيح كما صرّح يوحنا أنَّ يسوع هو العريس الحقيقي (يوحنا 3: 29) الذي قدَّم خمر العرس، وعرسه هو عرس الحمل المسيحاني الذي بشّر به يوحنا المعمدان بمجيئه. والعريس في آخر الأمر هو المسيح المصلوب الذي يُثبت العهد الجديد بدمه "هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي" (1 قورنتس 11: 25)؛ علما أنَّ لقب "عريس" هو أحد الألقاب التي اتخذها الله لنفسه (أشعيا 54: 5) وقد أطلق يسوع على نفسه هذه اللقب "سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعْ العَريسُ مِن بَيْنِهم"(متى 8: 15). و ما من أمر اسمى من التحوّل: كما بدأت حياة يسوع العلنية وختمها بأعجوبة تحويل، كذلك نبدأ حياتنا ونختمها بالتحويل: في المعمودية نتحوّل من الموت إلى الحياة، وفي الإفخارستيا نتحول إلى جسد المسيح ودمه، وفي المسحة الأخيرة نتحول من الحياة الزمنية إلى الحياة الأبدية. 10 قالَ له: كُلُّ امرِىءٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا سَكِرَ النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إلى الآن. تشير عبارة "الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إلى الآن" إلى الخمرة التي يحتفظ بها الله إلى الأزمنة الأخيرة، وهي زمن يسوع المسيح. وهذا الزمن يُمثل النعمة في العهد الجديد بجودتها ووفرتها، لذلك تعتبر الديانة اليهودية الخمرة من النعم المسيحانية (التكوين 49: 10). فقد صرّح المسيح أنَّ العهد الجديد المؤسس في شخصه، خمر جديد يشق الزقاق القديمة (مرقس 2: 22)، ويُعلق القديس أوغسطينوس "العريس الذي قيل له: "قد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن" يُمثل شخص الرب. لأن الخمر الجيدة -أعني الإنجيل- حفظه المسيح حتى الآن". أما الخمر فيتميَّز بكونه "يفرح قلب الإنسان" (مزمور 104: 15). وهو أحد عناصر الوليمة الخاصة بالمسيح المنتظر، ولكن أيضاً، وقبل كل شيء جزءاً من عشاء الإفخارستيا، حيث يغترف المؤمن الفرح من محبة المسيح. والسعادة التي وعد بها الله مؤمنيه، يُعبّر عنها غالبا في صورة وفرة الخمر الكثيرة (عاموس 9: 14. فإن خمر العرس في قانا الجليل يُظهر أنَّ خمر العرس، هو الخمر الطيب المنتظر "حتى الآن"؛ وهو هبة محبة المسيح، وعلامة الفرح الذي يُحقِّقه مجيء المسيح (يوحنا 2: 10). أمَّا عبارة "الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ" فلا تشير إلى خمر فحسب، إنما إلى خمر جيد، بل خير الخمور في الوفرة والجودة. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لم يحوِّل المسيح الماء خمرًا فحسب، لكنه صيَّره خمرًا فائق الجودة"، مما يدل على الوليمة في آخر الأزمنة التي يخصُّ بها يسوع المؤمنين في ملكوت أبيه أي الإفخارستيا. ويُعلق القديس ايرينيوس "المسيح يُقدِّم لكنيسته كأس الخمرة الكاملة التي لا تنضب، نبع الفرح والحياة الأبدية والعهد الجديد بدمه". فقبل أن يشرب المسيحي المؤمن الخمرة الجديدة في ملكوت الله، سيشرب على ممر الأيام، الخمرة التي تحوّلت إلى الدم المسكوب في مخلصه" كما جاء في تعليم بولس الرسول" أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ " (1 قورنتس 10: 16). وهناك سؤالان: من أين جاءت هذه الخمرة؟ وما قيمة هذه الآية؟ كما كانت الخمر التي صنعها يسوع هي الأفضل وأجود، كذلك حياتنا معه هي الأفضل. فلماذا نؤجر الأفضل للنهاية؟ 11 هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه. تشير عبارة "أُولى آياتِ يسوع" إلى أول برهان على صدق رسالة المسيح ضد ما ورد في الأناجيل الأبوكرافية التي ورد فيها عن معجزات صنعها يسوع وهو طفل. وهذه المعجزات غير لائقة به. ويُسمِّي يوحنا البشير أفعال يسوع الإلهية آيات بالنظر إلى غايتها لتكون برهاناً على صحة رسالته وعلامة لصدق لاهوته. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن يوحنا المعمدان قد قال سابقاً عن المسيح وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء" (يوحنا 1: 31)، فلو كان المسيح صنع في عمره المُبكر عجائب لما كان اليهود قد احتاجوا إلى آخر يعلن عنه. لأن ذاك (يسوع) الذي جاء بين الناس وبمعجزات صار معروفاً، ليس فقط للذين في اليهودية وإنما أيضًا للذين في سورية وما وراءها. وكانت أول معجزة صنعها المسيح هي تحويل الماء إلى خمر، وآخر آية صنعها هي تحويل الخمر إلى دمه في العشاء الأخير "أَخَذَ كَأساً وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلاً: اِشرَبوا مِنها كُلُّكم فهذا هُوَ دَمي"(متى 26: 27). ولم يذكر يوحنا البشير في إنجيله سوى سبع آيات من ال 42 معجزة ، يذكر لنا يوحنا منها سبعة : أولها تحويل الماء الخمر في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 1-12) والثانية شفاء ابن عامل الملك في قانا الجليل (يوحنا 4: 37-43)، والثالثة شفاء المقعد عند بركة الغنم (يوحنا 5: 1-9) والرابعة معجزة الخبز والسمكتين (يوحنا 6: 1-15)، والخامسة يسوع يمشي على الماء (يوحنا 6: 16-21) والسادسة شفاء الأعمى في اورشليم (يوحنا 9: 1-38) السابعة إحياء لعازر (يوحنا 11: 1-44). أمَّا عبارة " أَتى بها" فتشير إلى نبوءة أشعيا بما تتعلق بتلك البلاد وهذا نصُّها “الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نوراً عَظيماً والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهم النُّور. كَثَّرتَ لَه الأُمَّة وَفَّرتَ لَها الفَرَح يَفرَحون أَمامَكَ كالفَرَحِ في الحِصاد كآبتِهاجِ الَّذينَ يَتَقاسَمونَ الغَنيمة" (أشعيا 9: 1 -2). أمَّا عبارة " أُولى آياتِ" فتشير إلى بدء الآيات العشر التي أجراها الله على يد موسى في مصر. وكانت أولها تحويل الماء إلى دم للانتقام، وأمَّا يسوع قام بتحويل الماء إلى الخمر للبركة. أمَّا عبارة "آياتِ" في الأصل اليوناني σημεῖον فتشير إلى طبيعة صانع العمل، أي هي عمل يكشف عن طبيعة من عمله، وهي بذلك تختلف عن اللفظة συναμις التي تشير إلى أعمال قدرة أو عمل القوة. فالمعجزة تدل على عمل قدرة يسوع δύναμις أمَّا الآيات فتشير إلى معجزات التي تعلن مجد يسوع وتشهد على افتتاح الزمن المسيحاني (متى 12: 38). فقد اعتبر يوحنا الإنجيلي معجزة قانا الجليل آية أي فعل رمزي على غرار العهد القديم (أشعيا 66: 19) بحيث تدل المعجزة على حدث يُمكِّن المؤمنين من الشعور منذ الآن بمجد يسوع في الأزمنة الأخيرة وتدعو الجميع البشر للتعرف على يسوع كابن الله. فالمسيح بدأ نظاما جديدا في العالم. وهكذا، أعلن مجده وأدَّى شهادة للعصر المسيحاني الجديد. أمَّا "ثانِيَةُ آياتِ يسوع، أَتى بِها بَعدَ رُجوعِه مِنَ اليَهوديَّةِ إلى الجَليل" فهي شفاء يسوع طفل عامل الملك في كفرناحوم (يوحنا 4: 54). أمَّا عبارة "مَجدَه" فتشير إلى الحضرة الإلهية إذ أُعلن حضور الآب في ابنه وحيد، الذي يخبر عنه كما ورد في الإنجيل: "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ" (يوحنا 1: 14). يكشف الله المجد في الكتاب المقدس تارة بصورة بهاء نيّر يلازم ما هو مقدس، وتارة أخرى بصورة أحداث تكشف قدرته تعالى. اللَّه يُمجدنا حينما يعلن حضوره فينا، ونحن نمجده حينما نعلن حضوره في العالم. غاية يسوع الأول من المعجزات هي إظهار مجده الذي كان محجوبا عن أعين سائر الناس مدة ثلاثين سنة وهو ساكن معهم يظهر لهم في الهيئة كسائر الناس. لذلك تحتفل الكنيسة بعيد عرس قانا الجليل مع أعياد الظهور الإلهي الذي فيه استعلن الثالوث. أمَّا عبارة "آمَنَ بِه تَلاميذُه" فتشير إلى باكورة إيمان التلاميذ الذي جاء نتيجة للمعجزة. عندما شاهد التلاميذ معجزة يسوع آمنوا به. هم قبلًا أعجبوا به وتبعوه، لكنهم بعد المعجزة عرفوا مجده فآمنوا به. وبلغت ذروة إيمان التلاميذ في عيد الفصح كما جاء في خبرة يوحنا الحبيب "فَرأَى وآمَنَ" (يوحنا 20: 8). وكما عرف تلميذي عمواس المسيح وقت كسر الخبز كذلك عرفه التلاميذ هنا حينما حَوَّل الماء إلى خمر. فالمعجزة ليس مجرد عمل فائق للعقل البشري، لكنها تُظهر قوة الله وتولّد الإيمان وتُجدِّد الخليقة. وبما أن هذه الآية لم يتبعها حديث كباقي الآيات أخرى فهذا يعني أن يوحنا الإنجيلي أراد أن يعطي هذه الآية تفسيرا جديدا متعلق بالعصر الجديد الذي كان مزمعا أن يبدأه. 12 ونَزَلَ بَعدَ ذلكَ إلى كَفَرناحوم هو وأُمُّه وإِخوَتُه وتَلاميذُه، فأَقاموا فيها بِضعَةَ أَيَّام تشير عبارة "نَزَلَ" إلى النزول إلى كفرناحوم الواقعة على شاطئ البحيرة من موقع قانا الجليل بصفته اعلى من كفرناحوم. ويلمح متى الإنجيلي سبب نزوله إلى كفرناحوم بقوله " بلَغَ يسوعَ خَبرُ اعتِقالِ يوحنَّا، فلَجأَ إلى الجَليل. ثُمَّ تَركَ النَّاصِرة وجاءَ كَفَرْناحوم على شاطِئِ البَحرِ في بِلادِ زَبولونَ ونَفْتالي فسَكَنَ فيها" (متى 4: 12 -13). وأصبحت قانا الجليل كأورشليم رمزا إلى حضور الله ومجده. أمَّا عبارة "هو وأُمُّه" تشير إلى ذكر يسوع ومريم دون ذكر يوسف، فمن المرجَّح أنَّه قد مات. أمَّا عبارة "هو وأُمُّه وإِخوَتُه وتَلاميذُه" فتشير إلى مرافقة هؤلاء ليسوع وذلك لمشاهدة الآيات التي توقعوا أن يصنعها. أمَّا عبارة "كفرناحوم" فتشير إلى مدينة هامة أقام السيد المسيح فيها خلال خدمته في الجليل، وجعل منها مركزاً لدعوته حتى أنها دعيت " مَدينتِه" (متى 9: 1). وكان موقعها على طريق رئيسي للتجارة، وفيها حامية رومانية ومركزا لجباية الضرائب. وفيها تمّت دعوة مَتَّى العشار ليصير تلميذا ليسوع (متى 9:9)، كما كانت موطنا لعدة تلاميذ آخرين (متى 4: 18 -22)، ومقراً لرجل من حاشية الملك (يوحنا 4: 46). وكان فيها مجمعٌ كبير. وبرغم من أن يسوع قد جعل منها مركزاً لأعماله، إلا أنه أدانها لعدم إيمان أهلها به كما جاء في تعنيف يسوع لها: " وأَنتِ، يا كَفَرناحوم، أَتُراكِ تُرفَعينَ إلى السَّماء؟ سيُهبَطُ بِكِ إلى مَثْوى الأَموات. فلَو جَرَى في سَدومَ ما جرى فيكِ مِنَ المُعجِزات، لَبَقِيَت إلى اليَوم " (متى 11: 23). أمَّا عبارة "إِخوَتُه" فتشير في الكتاب المقدس إلى أبناء أم واحدة، كما تدل على أبناء عمومته والأقارب كما هي العادة المُتَّبعة في الشرق (التكوين 13: 8؛ 14: 16؛ 29: 15؛ الأحبار 10: 4؛ 1 أخبار 23: 22). وهنا تدل لفظة أخوته على الأقارب. أمَّا عبارة "فأَقاموا فيها بِضعَةَ أَيَّام" فتشير إلى فرصة للرسل لكي يزوروا بيوتهم قبل أن يدعوهم يسوع رسلا ليبقوا معه دائما. يركزّ يوحنا الإنجيلي على خدمة المسيح في اليهودية خاصة في اورشليم، وتحدث قليلاً عن خدمته في الجليل (يوحنا 1:2-22؛ 43:4-54؛ 1:6-9:7؛ 1:21-25)، بعكس الأناجيل الثلاثة (متى ومرقس ولوقا) التي ركّزت على خدمة المسيح في الناصرة والجليل. ثانياً: تطبيقات نص الإنجيلي (يوحنا 2: 1-11) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 2: 1-11) نستنتج انه يتمحور حول ثلاث نقاط وهي: ساعة مجد المسيح، وساعة إيمان التلاميذ وساعة تضامن مريم، أم يسوع. 1) ساعة مجد المسيح فتشير كلمة " ساعة " في إنجيل يوحنا إلى الوقت الذي حدَّده الآب لظهور مُسبق لمجد يسوع الإلهي من خلال الآيات والمعجزات، وتدل أيضا في اغلب الأحيان على ساعة الصلب، لأن الصلب هو عبور أو انتقال إلى المجد "أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان" (يوحنا 12: 23)، ويسميّها يوحنا الإنجيلي أيضاً ساعة الارتفاع، وساعة التمجيد، لأنّه موته يعطي الحياة للبشريّة. وان تقديمه الساعة في عرس قانا هو إعلان يسوع للشعب، وللمرّة الأولى، عمّا هو مزمع أن يتحقّق في حياة المسيح وفي موته وقيامته. هو استباق لساعة الموت، لساعة تمجيد ابن الإنسان. كان هدف يسوع من عمل معجزة تحويل الماء إلى خمر هو إظهار مجده "هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه (يوحنا 2: 11). إن كلمة المجد في النص العبري من الكتاب المقدس وردت بلفظة "כְבוֹד". وهي تفيد الثقل والوزن أي الاحترام. فمجد الله في العهد القديم يدل على تجليه بعظمته وسلطانه وبهاء قداسته وقوة عمله وقدرته التي تتجلى للإنسان من خلال الأحداث (خروج 16: 10). إن مجد الله كله حاضر في شخص يسوع المسيح حيث انه ابن الله، فهو "شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه"(عبرانيين 1: 3)، ويؤكد ذلك بولس الرسول أنَّ مجد الله يتجلى "على وجه المسيح" هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ اللّه، ذلِكَ المَجْدِ الَّذي على وَجْهِ المسيح"(2 قورنتس 4: 6)، ومنه يشعّ على جميع البشر " ونَحنُ جَميعًا نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبّ"(2 قورنتس 3: 18). هو "رب المجد" (1 قورنتس 2: 8)، هذا المجد الذي سبق ورآه أشعيا النبي "وتكلّم عنه" (يوحنا 12: 41). وبعبارة أخرى، كلمة المجد تُحدد كيان المسيح، الابن الواحد للآب، الممتلئ نعمة وحقا كما جاء في مقدمة الإنجيل "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ" (يوحنا 1: 14). يكشف إنجيل يوحنا لنا بوضوح المجد في حياة يسوع وعجائبه وموته، حيث أن يسوع هو الكلمة المتجسد. الابن الوحيد للآب، الممتلئ نعمة وحقاً. في جسده يسكن ويسطع مجد ابن الله الوحيد (يوحنا 1: 14). ويتجلى هذا المجد في الاتحاد المتسامي بين يسوع وأبيه الذي أرسله (يوحنا 10: 30). فأعمال يسوع هي أعمال الآب، الذي في الابن، "يأتي بها" (يوحنا 14: 10) ويُعلن فيها مجده الذي هو نور وحياة للعالم. ويسطع هذا المجد في عجائبه كآيات تُظهر أن الله حاضر فيه، يعمل، ويتجلى، ويأتي لكي يُخلصنا، لذلك يُعلن مجده خاصة في آلام المسيح. فالآلام هي ساعة يسوع، بل أسمى ظهور مجد إلهي فيه. فيسوع "يُقدس" نفسه مقدّماً ذاته للموت (يوحنا 17: 19)؛ فالماء والدم الخارجان من جنب المسيح، يرمزان إلى خصوبة موته، الذي صار منبع حياة، وفي هذا يقوم مجده (يوحنا 7: 37-39). والعهد الجديد يحتفظ بالمجد لابن الإنسان الذي سيأتي ببهاء مجده على الغمام في آخر الأزمنة. يظهر هذا المجد من أول معجزة في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 11). ويخص إنجيل يوحنا المسيح المقيم بيننا بهذا المجد؛ ويصف عجائب المسيح كآيات تظهر أنَّ الله حاضر فيه، يعمل ويتجلى ويأتي لكي يخلصنا؛ وهذا هو معنى أُولى آياتِ يسوع الذي أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه (يوحنا 2: 11). في قانا الجليل كانت أول معجزة يسوع تحويل الماء إلى خمر، وفي اورشليم كانت آخر معجزاته بتحويل الخمر إلى دم. وفي العشاء الأخير قدّم السيد المسيح آخر قطرة من دمه. إنها الخمرة المسيحية، إنها العهد الجديد الذي يريد الله أن يقطعه مع بني البشر بدمه على الصليب. فاظهر مجده فعلم التلاميذ أن عيد الفصح قد بدأ حقا. ونستنتج مما سبق أنه لمّا حوّل يسوع الماء إلى خمر أظهر ألوهيته ومجده. واظهر نفسه المسيح، والعريس، ومؤسس العهد الجديد، فقد صبَّ يسوع "الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ " (يوحنا 2: 10) التي يحتفظ بها الله إلى الأزمنة الأخيرة. لان وفرة هذه الخمرة وجودتها هما صورة لعطاء الله وتجديد كل شيء بالمسيح. حيث يتجلّى مجد الربّ بجودة الخمر وفيضه الذي يكشف مَحبّة الله. وفي هذا الصدد قال أحد مفسري الكتاب المقدس: "سر قانا الجليل قائم على وجود المسيح، العريس الحقيقي، المستتر، أو بالأصح الذي بدأ يُظهر نفسه". 2) ساعة إيمان التلاميذ "فَآمَنَ بِه تَلاميذُه" (يوحنا 2: 11). التلاميذ الذين آمنوا به هم تلاميذ يوحنا المعمدان كما ورد في الفصل السابق (يوحنا 1: 35-51)، إذ أشار يوحنا المعمدان بقوله " هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم". وفي اليوم التالي، ردَّد شهادته أمام أثنين من تلاميذه: اندراوس ويوحنا، كانا قد تبعا يسوع. وأندراوس كان قد اقتاد أخاه سمعان إلى يسوع، ثم دعا يسوع فيلبس، الذي جلب بدوره نتنائيل من قانا الجليل. هؤلاء جميعا رافقوا يسوع إلى العرس. أمَّا التلاميذ الذين عاينوا الآية وآمنوا فهم: أندراوس ويوحنا اللذين تبعا يسوع استنادا على شهادة يوحنا المعمدان "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29)؛ واندراوس اقتاد أخاه سمعان بطرس إلى يسوع. ثم دعا يسوع فيلبس الذي جلب بدوره نتنائيل من قانا (يوحنا 1: 35-51) وهؤلاء جميعا رافقوا يسوع إلى العرس حيث كانت أمه مريم قد سبقتهم، ومن أجلهم عمل يسوع هذه الآية. فعبَّر هؤلاء التلاميذ عن إيمانهم بالقاب أطلقوها على يسوع. فجات شهادة اندراوس بقوله " وَجَدْنا المَشيح ومَعناهُ المسيح" (يوحنا 1: 41)، وشهادة فيلبس " الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّرِيعَةِ وذَكَرَه الأنبِياء، وَجَدْناه، وهو يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة" (يوحنا1: 45)؛ ثم شهادة نتنائيل "راِّبي، أَنتَ ابنُ الله، أَنتَ مَلِكُ إِسرائيل" (يوحنا 1: 49) وختم يسوع هذه الشهادات معلناً نفسه ابن الإنسان " ستَرونَ السَّماءَ مُنفَتِحَة، وملائِكَةَ اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ فَوقَ ابنِ الإِنْسان" (يوحنا 1: 51). وهكذا تحقق هدف إنجيل يوحنا: الشهادة للمسيح وإعلان سره وحمل الناس على الإيمان بشخصه في الدرجة الأولى كما صرّح يوحنا الإنجيلي: "وأتى يسوعُ أَمامَ التَّلاميذ بِآياتٍ أُخرى كثيرة لم تُكتَبْ في هذا الكِتاب، وإِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه" (يوحنا 20: 30). ومن خلال معجزة قانا الجليل أراد يسوع أيضا أن يقوّي إيمان تلاميذه الجُدُد برسالته السماويّة. فقد تبعَ يسوعَ خمسةُ رجال وأرادوا أن يكونوا لـه تلاميذ. وكان يسوع يعرف أنَّهم كانوا بحاجةٍ إلى برهان يُبيّن لهم أنّهم لم يُخطئوا في اتّباعه والبقاء معه. فاغتنمَ هذه الفرصة، وقدَّم لهم البرهان الذي يُزيل عنهم كلَّ تردّد، ويؤكّد لهم أنّهم كانوا على صواب عندما لبّوا دعوته وانضمّوا إليه. وكان البرهان الذي قدّمه لهم أنه صنع معجزةً لا يصنعها إلاّ الله وحدَه. واطّلع الرجال الخمسة مع أهل العرس على هذه المعجزة فمجّدوا قدرته الفائقة وآمنوا به وتبعوه نهائيّاً. إن الإيمان هو منبع ومركز للحياة الدينية. وعلى الإنسان أن يتجاوب بالإيمان مع مخطط الله الذي يُحقِّقه على أرضنا وفي تاريخنا. وإنجيل يوحنا هو إنجيل إيمان. ففيه يتركز الإيمان، أول ما يتركز في يسوع ومجده الإلهي. وتلاميذ المسيح هم "الذين آمنوا به" (أعمال 2: 44) "والذين يؤمنون" (1 تسالونيقي 1: 7). لقد كان باستطاعة جميع الحاضرين في عرس قانا الجليل "أن يسمعوا ويروا" (متى 13: 13) كلمة يسوع ومعجزته التي تعلن مجيء الملكوت (11: 3 – 6). ولكن، أن يرى الناس حقاً، ويؤمنوا (مرقس 1: 15)، إنما كان ذلك ميزة اختص بها التلاميذ (يوحنا 2: 11). هذه هي المرّة الأولى التي يعلن فيه يوحنا الإنجيلي أنَّ تلاميذ يسوع "يؤمنون به". وكان ذلك باكورة إيمانهم. وقد بلغت ذروتها في عيد الفصح كما ورد في خبرة يوحنا الإنجيلي "فَرأَى وآمَنَ "(يوحنا 2: 8-28). فالإيمان الذي يتكلم عنه يوحنا الإنجيلي يؤلف جماعةً من التلاميذ حول يسوع (يوحنا 10: 26-27). وبفضل توجيه يوحنا المعمدان (يوحنا 1: 34-35) اكتشف تلاميذه مجد يسوع في قانا الجليل من خلال إيمانهم (يوحنا 2: 11). "فقبلوا كلام المسيح" (يوحنا 12: 46-47) و"سمعوا صوته" (يوحنا 10: 26-27) وتبَّثوا إيمانهم بفم بطرس في كفرناحوم " يا ربّ، إلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟"(يوحنا 6: 68). نستنتج مما سبق أنَّ إيمان التلاميذ يؤلف بواكير الإيمان الجديد. وعليه ينبغي أن نؤمن بيسوع (يوحنا 4: 39) وباسمه (يوحنا 1: 12). فالإيمان يجب أن يبلغ إلى الحقيقة غير المرئية لمجد يسوع، دون حاجة إلى رؤية العلامات الكثيرة التي تُظهره (يوحنا 2: 11-12). وإلحاح يوحنا على الإيمان وعلى أهميته، يفسّره هدف إنجيله بالذات: هو حمل قرّائه على أن يشاركوه إيمانه القائم على أن "يسوع هو المسيح، ابن الله" (يوحنا 20: 31)، وعلى أن يصيروا أبناء الله بفضل الإيمان "بالكلمة" المُتجسد (يوحنا 1: 9-14). 3) ساعة تضامن مريم، أم يسوع يحيط إنجيل يوحنا حياة يسوع بمشهدين يُبرز فيهما دور مريم في تضامنها مع يسوع ابنها. في المشهد الأول في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 10-12) حيث يُحدِّد يسوع دور مريم كمؤمنة، وفي المشهد الثاني في الجلجلة (يوحنا 29: 25: 27) حيث يُحدِّد يسوع دور مريم كأم لتلاميذ والبشرية. المشهد الأول عرفت مريم كيف تكون حاضرة لحضور الله، عرفت كيف تسمع كلمة الله وتعمل بها. فكما ولدت مريم يسوع، هكذا في قانا، ساعدت ابنها ثانيةً كي يُولد في حياته العَلنية، ليبدأ رسالته ويُظهر مجده. فدور مريم رئيسي هو لفت انتباه يسوع إلى نقص الخمر. وبالرغم من تباين وجهتي النظر بين يسوع وأمِّه حول ساعته لعمل المعجزات ولخلاص البشر، فقد خضعت بكل كيانها لسر تلك الساعة؛ إنها التلميذة الأولى. توجّهت مريم بالكلام إلى الخدم في العُرس كي يتقيّدوا بأوامر يسوع " مَهما قالَ لَكم فافعَلوه". إنها الوصية الوحيدة التي تُطلقها مريم في الإنجيل كله. وهذه الوصية تتعلق بالخضوع التام للمُخلص الوحيد يسوع المسيح. وقبلت أن تكون خادمة. فوقفت بقرب ابنها، وأرشدت الناس، بإيمانها وطاعتها واستسلامها إلى طرق الحياة الجديدة وفتحتها لهم. إذ حوّلت مريم الأنظار إلى المسيح؛ فدورها يقوم بتمهيد الطريق المؤدي إلى يسوع. فهي المرأة التي تضع ذاتها في خدمة الآخرين ليبلغوا إلى يسوع. ومن هنا جاءت مقولة القديس دومينيك، مؤسس صلاة المسبحة الوردية لإكرامها: بمريم إلى يسوع ". مريم تمثل الكنيسة التي هي المدخل البشري إلى المسيح. بالرغم من أن مريم لم تدرك ما كان يسوع سيفعله، إلا أنها وثقت به وآمنت بقدرته العجائبية. أدركت مريم أن نظر ابنها ينْفُذ إلى أبعد وأسمى من هموم الساعة الحاضرة. واستبق يسوع ساعته فخلق خمر الأعجوبة كآية لمجد وهبة العهد الجديد بدمه. يُعلق سعيد عقل من أشهر الشعراء اللبنانيين قائلا " إن مريم في قانا الجليل خَرْبطتْ ساعة الله". إنها قدّمت الساعة. بهذه الأعجوبة يؤكِّد يسوع من بداية حياته العلنيّة، أنّه قريب من البشر وفي خدمة المحتاجين والمُتضايقين. والأهم من ذلك كلِّه، يَسْطَع دورُ مريم الكبير في حياة البشر والكنيسة، فهي الشفيعة والوسيطة. فيسوع جاء بواسطتها في هذا العالم، ولكيلا ننساها، فقد أقامها لنا أُمّاً تحت الصليب، فاصطبحت لنا الوسيطة بيننا وبين ابنها يسوع في كلِّ احتياجاتنا. نستنتج مما سبق أن الأعجوبة هي جواب لطاعتها وإيمانها. من يؤمن بيسوع، وإن وجد نفسه في بعض المواقف لا يفهمها، ينبغي ألاَّ يتردد أن يواصل الثقة في يسوع أنه يعمل بأفضل الطرق. فالأعجوبة هي جواب لطاعة مريم وإيمانها. وقد أرشدت مريم الناس بإيمانها وطاعتها واستسلامها إلى طرق الحياة الجديدة، وفتحتها لهم. فكانت أول كلمة إيمان لمريم " أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لوقا 1: 38)، وهي كلمة الالتزام الشخصي لرسالة المسيح. وآخر كلمة إيمان لها في الإنجيل كانت "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه" (يوحنا 2: 5)، وهي كلمة الدعوة الموجَة إلى الجميع لان يؤمنوا بيسوع ويلزموا برسالته ويعملوا بها. المشهد الثاني كما كانت مريم موجودة في عرس قانا الجليل كذلك كانت مريم واقفة عند قدمي المصلوب في ساعة انتقاله إلى أبيه وقد اقترب عيد الفصح (يوحنا 13: 19) فتكرَّست بكلمة ابنها يسوع أماً لكل التلاميذ. ويدعو يسوع أمّه مرّةً أخرى "امرأة" وهي واقفة عند الصليب وهي تُمثّل الإنسانيّة المُخلَّصَة (يوحنا 19: 26) كونها أصبحت حوّاء الجديدة، أمّ البشريّة جمعاء. ففي قانا كانت بداية عُرس الحَمَل، وأمَّا على الصليب فكان اكتمال العرس. ولم تتردّد مريم بأن تضحّي بواقع أنّها "أمّ يسوع" لتُصبح "امرأة" شعبها، حَواء الجديدة، المرأة الّتي تبدأ معها رسالة الخلاص. نستنتج مما سبق أن دور مريم تمثّل استمراريّة بين العهدين. فهي تمثل في قانا وعند أقدام الصليب، العهد القديم الّذي ينتظر وصول العهد الجديد ويساهم في تحقيقه، فهي التي تعلن أن ماء العهد القديم قد نفذت، لم تعد بإمكانها إرواء عطش الإنسان ولا بدّ من خمرة العهد الجديد.يعكس دور مريم سر يسوع الذي لا يمكن فصله عن مريم أمِّه الذي ارتضى أن يُولد منها كما جاء في تعليم بولس الرسول " فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ، مَولودًا في حُكْمِ الشَّريعةْ "(غلاطية 4: 4). إنّ هذه المعجزة قد حملت أبناء الكنيسة، منذ القرون الأولى، في الشرق والغرب، على أن يروا في مريم، أم يسوع "المرأة النموذجية: التي تتمنى كل امرأة في قلبها أن تتمثل بها، وان يتضرّعوا إليها ويسألوا شفاعتها التي لا تردَّ أحدا خائباً. لقد فهموا أن شفاعتها لا تتعارض مع شفاعة يسوع ولا تنوب منابها. فإن يسوع يتبنَّى شفاعة أُمّه العذراء ويحملُها إلى الله الآب، ويجعلُها مع شفاعته شفاعةً واحدةً ووساطةً واحدةً، لأنه هو الشفيع الأصيل والوسيط الأوحد بين الله والناس، كما ذكر بولس الرسول ذلك في رسالته الأولى إلى طيموتاوس: " إنَّ اللهَ واحدٌ، والوسيطَ بينَ اللهِ والناسِ واحدٌ، ألا وهو المسيحُ يسوعُ الإنسان " (1 طيموتاوس 22: 5). وهذا الأمر يحمل المسيحيّين على الثقة بمريم أُمّ يسوع وطلب شفاعتها. الخلاصة معجزة قانا الجليل هي أولى آيات يسوع في بدء خدمته، حيث بدأ عصرًا جديدًا مسيحانيًا، فيه تتحوَّل مياه التطهير حسب الناموس القديم إلى خمرٍ من صنف جديد. وفي هذه الآية ظهرت ساعة مجد يسوع وساعة إيمان التلاميذ وساعة تضامن امه مريم. إن رموز عرس قانا الجليل بما فيها من "عرس" و "خمر" و "اليوم الثالث" و "الساعة" تحملنا إلى إدراك مكانة عرس يسوع، الحمل الذبيح وقيامته في اليوم الثالث. وأما إيمان التلاميذ فيفسح المجال لإيمان الكنيسة. وأما مريم، أم يسوع فتصبح أماً للبشرية. فمن واجبنا أن نُندّد بالخطيئة التي تحجب مجد الله (أشعيا 52: 5) من ناحية، ومن ناحية أخرى أن نعترف بمجد الله (مزمور 147: 1) وبمجد المسيح يسوع ابنه، لأن فيه نقول" لله: آمين، إكراماً لمجده" (2 قورنتس 1: 20). وبه يرتفع "لله المجد أبد الدهور" (رومة 16: 27). ولله نُقدِّم المجد من أجل ميلاده (لوقا 2: 20)، ومن اجل معجزاته (مرقس 2: 12)، ومن أجل موته (لوقا 23: 4). وفي المسيح يسوع يرتفع التمجيد للآب على مدى جميع الأجيال والدهور (3: 21). كما أنَّ مجد الله يتجلّى في كلام مريم إلى الخدم وإلى كلّ منّا "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه". ومن خلال إيماننا، سيتمكّن مجد الله من أن يتجلّى. أمَّا الخمر الجديدة التي حوَّلها الرب يسوع فتشير إلى سر الإفخارستيا إذ نشرب خمرا جديدة قدَّسها الرب يسوع ومنحنا إياها دما كريما للعهد الجديد "لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديداً في مَلكوتِ أَبي " (متى 26: 29). الخمرة التي صيَّرها الرب في عرس قانا الجليل لا بد أنها انتهت أخيرًا. أمَّا الخمرة الجديدة (دمه الكريم) التي يعطينا إياها فهي حياة أبدية. عُرس قانا الجليل انتهى أمَّا عرسه السماوي وفرح قلوبنا فهو بلا نهاية ولا انقضاء إلى دهر الدهور كلها. وأخيرا فقد اشترك يسوع في أفراح عرس قانا الجليل ليقدِّس الزواج المسيحي بحضوره، ويرفعه من درجة عَقْدٍ طبيعي بين الرجل والمرأة إلى مقام سرٍّ إلهيّ يكون مجلبةً للنِعَمِ الكثيرة التي يحتاج إليها المتزوِّجون طَوال أيام حياتهم، فيستطيعون بفضلها أن يعيشوا عيشةً مقدّسة، ويتحمّلوا بصبرٍ ومودَّة متبادَلة أعباء الحياة المشتركة، ويربّوا أولادهم تربية صالحة. دعاء أيها الآب السماوي، يا من مجّدت ابنك يسوع من خلال تحويله الماء خمرا، أعطنا نعمة الإيمان به ربا ومخلصا وان نقبل يسوع ومريم في عداد عائلاتنا فنتمم كل ما يطلبه منا يسوع فننال مجده بشفاعة امه مريم العذراء. يا قدّيسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا!


 https://abouna.org/article/%D8%B9%D8%B1%D8%B3-%D9%82%D8%A7%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%AC%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89

vendredi 7 janvier 2022

ألسيدة ام النور الهادية Hodigitria


ألسيدة أم النور " تُدعى العذراء الهادية او المرشدة ( Hodigitria) في الطقس الماروني. السيدة أم النور، هكذا تُدعى في كتاب الهدى ( من القرن العاشر ب.م ) وفي الصلوات الطقسية بوجه عام . ويُرمز الى لقب السيدة أم النور بنجمة تُرسم فوق المنديل الذي يغطي جبينها وكتفيها ،كما هي الحالة في صورة سيدة ايليج" ( انجيل ربولا وصوره ، 586م. 1978، ص ، 196) بهذه العبارة يلخص أستاذي المؤرخ المرحوم الأب بطرس ضو التقليد الذي جرى عليه أجدادنا الانطاكيون (في لبنان وسوريا وفلسطين ) في إطلاق لقب "سيدة أم النور" على العذراء مريم . وهو اللقب عينه الذي يحلو لأبناء بلدتي عين إبل المقيمين في لبنان وعالم الانتشار أن يطلقوه مجددا، اليوم، على النصب التذكاري الذي يقومون بتشييده عند مدخل البلدة الشمالي ، بحيث يقوم فوق تلة "ضهر العاصي" منارة ايمان وسلام، في منطقة الجليل الاعلى التي تقع فيها عين إبل ، فيما يُرجّح علماء الجغرافيا المقدسة (مثل الفرد دوران ) أن السيد المسيح ورسله، ومن بينهم السيدة العذراء مريم ، قد ساروا فوق أرضها خلال تجوالهم في ما يوافق أرض جنوب لبنان اليوم ، كما تفيد نصوص الانجيل المقدس والتقاليد في القرون المسيحية الاولى : -" وكان يسير في الجليل كله ... فشاع ذكره في سورية كلها ( فينيقية الساحلية والجبلية) " ( متى 4: 23). -" ثم خرج من هناك وذهب الى نواحي صور وصيدا واذا امرأة كنعانية خارجة من تلك البلاد تصيح..." ( متى 15:21) . -" ثم مضى من هناك وذهب الى نواحي صور وصيدا فدخل بيتا ..." مرقس 7:24) - " وتبعه جمع كثير من الجليل... والذين حول صور وصيدا جمع كثير اذ سمعوا كم صنع اتوا اليه .." ( مرقس 3:7-10) - يشير النص الانجيلي الى أن المسيح أحب اهل بلاد صور وصيدا واشاد بهم بقوله :" إن صور وصيدا تكون لهما حالة اكثر احتمالا يوم الدين " (متى 11:21، لوقا 10: 13 و 14). في معرض الاعداد لتمثال العذراء فوق التلة العين إبلية ، الواقعة على طريق المسيح قادما الى بلاد صور وصيدا أو راجعا منها الى الجليل الادنى ، ولكي يأتي العمل الفني صادق التعبير ومطابقا لملامح شخص السيدة المكرمة ، يحلو السؤال عن كيفية أداء ما نتوقع بأن يكون تحفة حضارية وروحية مميزة. ولذلك نود التذكير بضرورة الابتعاد عن الارتجال في التصميم والتنفيذ اللذين هما بحاجة الى اختصاص وابداع. فنسوق في هذا الصدد ،وعلى سبيل الاستلهام ، أمثلة ثلاثة من الفن المشرقي المقدس ، لعله يتم الأخذ بها ، في تحقيق النموذج الاقرب الى صورة العذراء بملامحها البشرية المحلية ، على أمل أن يحظى العمل الفني المنتظر بمسحة وهالة توحيان بالروحانية والقداسة . 1. النموذج الاول هو الرسم الذي وضعه مار ربولا السرياني.انها الصورة الاكثر قدما في تاريخ الفن المسيحي المشرقي .وضعها عام 586 في انجيله الشهيرالمزيّن بالرسوم .وهي واحدة من بين 292 صورة اخرى انتشرت في العالم ، وألهمت الكثير من اهل الفنون المقدسة .قال عنها احد الناقدين الفنيين الروس كونداكوف :" إن صورة أم الله الواردة في انجيل ربولا ملفتة بطابعها الجدير بالتقدير .العذراء الواقفة، بوجهها البيضاوي الشكل وعينيها الواسعتين ، انما هي صورة الجمال السرياني الانثوي ، كما رآه الرسام في عصره".والناقد الروسي عينه يرى في الصورة "نموذجا لصورة العذراء الهادية وحاملة الطفل على ذراعها الأيسر"

 ( N.Kondakov,Ikonogr,bogomatri,ISaint –Petersbourg,1911,p.181,in Boutros Daou,Evangile de Raboula et ses icons, p.190-196) Raboula ND.JPG 

كان لهذه الصورة تأثير واضح في الفن البيزنطي والاوروبي. ومن الامثلة العديدة على ذلك والتي يذكرها الاب ضو صورة "العذراء الهادية" الموجودة في كنيسة القديسة فرنسيسكا في روما.ومن مميزاتها العينان الواسعتان والفم الصغير والانف المستقيم ، كما في صورة ربولا. ومن الارجح انها جيء بها من الشرق، كما جيء بغيرها من قبل فنانين سريان ، وذلك في زمن كانت فيه روما ،بين القرنين الاول والثامن، تدين بمعظم أحبارها الى الشرق او ممن هم متأثرون بالشرق. 2-النموذج الثاني هو صورة مريم منقذة الشعب الروماني. الشبه بينها وبين صورة ربولا ملفت من اكثر من جانب واحد. وهي تتميز خصوصا بالنجمة التي تزين الرأس والكتف ( ولذلك دعيت أم النور ). والبعض يرى أن صورة مريم منقذة الشعب الروماني قد تكون منقولة عن صورة "أم الله" و"سيدة المعونات" التي كانت في كنيسة السيدة في مدينة صور اللبنانية ، وقبل ان تصبح "سيدة البحار" ، حيث اطلق لاول مرة على السيدة العذراء لقب "أم الله " ( تيو توكوس) وشيد على اسمها أولى بازيليك في العالم عام 303. ولعل نقل الصورة حصل على يد احد البابوات الذين تشكل مدينة صور مسقط رأسهم او الذين هم من اصل فينيقي سوري.نعني بهم خصوصا :البابا سيسينيوس الذي ولد في صور وانتخب بابا سنة 707.والبابا الثاني الصوري هو قسطنطين الاول الذي انتخب سنة 708 وتوفي سنة 715. ومن البابوات العظام الذين ولدوا في سوريا: البابا غريغوريوس الثالث الذي انتخب سنة 731.وعرف عنه دفاعه عن تكريم الصور في وجه الأيكونوكلاست (أعداء الصور). ساهم في انتشار المسيحية في اوروبا انتشارا واسعا عن طريق الدبلوماسية.وعزز العلاقات مع فرنسا بارسائه التحالف التاريخي معها عبر الملك شارل مارتل . قد يكون التأثير السرياني والفينيقي بالغا جدا على اوروبا وبيزنطية ، في الفترة الممتدة بين 586 و741، ليس فقط في الفن بل أيضا في السياسة وسائر جوانب الحياة الحضارية،إذ ان الفترة التي نتكلم عنها ظهرت فيها اولى مفردات الفن الكنسي ،ومن بينها صورة "مريم الهادية وحاملة الطفل" ،تحت تأثير ربولا، وشهد تاريخ الكنيسة خمسة بابوات من أصل شرقي ، منهم ، كما أشرنا، اثنان من صور- لبنان (ساسين وقسطنطين ) واثنان من سوريا ( أنيست وغريغوريوس الثالث)،وواحد من عائلة فينيقية مقيمة في جزيرة صقلية الايطالية (سرجيوس الاول). om Elnour.JPG -3 النموذج الثالث هو صورة سيدة أيليج في بلاد جبيل.ترقى هذه الصورة الى القرن الحادي عشر.الشبه كبير بينها وبين صورة ربولا: العينان الواسعتان، الفم الصغير، ألانف المستقيم ، الوجه البيضاوي الوضّاء. فوق ذلك يلاحظ اهل النقد الفني والخبرة أن المواد المستعملة في رسم صورة سيدة ايليج وصنعها انما هي ذاتها المستعملة في رسم صورة العذراء في انجيل ربولا السرياني الماروني . ألامر الذي يدعو الى الاستنتاج بأن الصورتين تعودان الى مصدر فني وحضاري واحد. MarieElige1.jpg هذه الخصائص الفنية التي تميزت بها النماذج الثلاثة التي اتينا على وصفها ، والتي تعبّر أكثر ما يكون التعبير عن الصورة التاريخية الاقرب الى حقيقة السيدة مريم ، نأمل أن تؤخذ بالاعتبار في المشروع الجلل الذي تنوي عين إبل تحقيقه ، تخليدا لذكرى السيدة أم النور ،الهادية ،الشفيعة ، بنت أرضنا، أم فادينا ،وأمنا.       ( رسالة كنت بعثت بها عام 2008 الى الفريق الذي كان يعد في كندا لاطلاق المشروع )

lundi 16 août 2021

texte catechese en arabe مشروع تعليمي قيد الاعداد في جمعية " على خطى المسيح في جنوب لبنان " = تمهيد: على خطاه نسير



 تمهيد:

على خطاه نسير منذ ألفَي سنة زار يسوع لبناننا،

وما زالت بصماته واضحةً وجليّةً على كلّ حبّة ترابٍ منه

بالرغم من غبار الحروب التي ما استطاعت يومًا محو أثَرِه أو طمس آثاره...

فهلمّوا سويًا نخوض مغامرة السيرعلى طرقاتٍ مرّ بها يسوع،

ندخل بيوتًا زارها بنفسه ونلتقي أشخاصًا كلّمهم وجهًا لوجهٍ...

تعالوا لكي نزور قانا أرض بداية الآيات والتحوّلات...

ومنها ننتقل إلى صور أرض الشفاء والانفتاح...

ومنها إلى يارون وعين إبل ورميش ودبل بوّابة العبور...

من ثمّ إلى صيدا والصّرفند أرض الاستقبال والراحة...

ومن هناك نصعد إلى مغدوشة حيت تنتظرنا أمنّا مريم العذراء

لنرتقي معها، مرورًا بعبرا وجزّين، جبل حرمون حيث سنلتقي المسيح المتجلّي بأبهى مجده، فنعلن من هناك مع التلاميذ: "يا معلّم ما أحسن أن نبقى ههنا!" (لوقا 9:33)

يهدف هذا الكتيّب إلى المحافظة على الإرث الكتابيّ الخاصّ بوطننا وإحيائه أكثر فأكثر في نفوسنا وفي نفوس طلّابنا،

لإلقاء الضوء ساطعًا، اليوم أكثر من أيّ يومٍ آخر، على هذا الوطن الصغير الذي أضحى "رسالةً" على ما أعلنه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني...

يتألّف هذا الكتيّب من خمسة فصولٍ، نمرّ بها على أبرز المدن والقرى اللبنانيّة الجنوبيّة التي زارها يسوع خلال حياته

على أرضنا. فهو قد يخدم كدليلٍ سياحيٍّ كتابيٍّ ثقافيٍّ وروحيّ، تقودُنا خريطته إلى اكتشاف كنوزٍ قيّمة في أرض قانا

وصور، يارون وعين إبل ورميش ودبل، صيدا والصّرفند، مغدوشة وعبرا وطريق جزّين وجبل حرمون.

وضع خريطة

2

يُقسَم كلّ درسٍ إلى خمسة محاور تربويّة، ننطلق فيها من موقعٍ إلى آخر بشكلٍ لولبيّ يوصلنا إلى الهدف الأساس ألا وهو اللقاء بيسوع صاحب الزيارة.

-1 الموقع الجغرافيّ : فيه يقرأ المشاركون المعلومات الجغرافيّة البسيطة المتعلّقة بهذا المكان، مجيبين عن الأسئلة التالية: أين

يقع؟ كم يبعد عن بيروت؟ كيف نصل إليه إنطلاقًا من مدينة بيروت؟ هل من ميزةٍ جغرافيّةٍ يجب الانتباه إليها؟...

-2 الوقائع التاريخ يّة: فيه نستعرض أبرز الأحداث التاريخيّة المؤثّرة في نشأة وتطوّر هذا المكان، إنْ من الناحية الاقتصاد يّة أو

التجاريّة أو الصناعيّة أو الثقافيّة أو السياسيّة... ذاكرين أبرز من مرَّ بها أو من تكلّم عنها...

-3 على وقع الكلمة: فيه نفتح كتابنا المقدّس لنستخرج من كنوزه بعض النصوص والآيات أي بعض الأحداث أو التعاليم التي

تورد بشكلٍ مباشر ذكر هذا المكان الذي ترك فيه يسوع آثارًا من خطواته...

-4 الوقع الروحيّ : في هذا القسم المميّز، نُخرج المكان من إطاره الماديّ الجغرافيّ إلى إطارٍ لاهوتيٍّ مسيحيّ، فيتحوّل إلى

مدرسةٍ روحيّةٍ منها ننهل غذاءً لحياتنا الر وحيّة...

-5 من الموقع إلى الواقع: إنّه القسم الأبرز والأهمّ، إذ فيه يتحوّل هذا المكان إلى "مكاننا نحن"، حيث ينتظرنا الربّ ليكون لنا

معه لقاءٌ شخصيٌّ محوّلٌ ومبدّل...

من الموقع إلى الواقع

الوقع الروحيّ على وقع الكلمة

الوقائع التاريخيّة

الموقع الجغرافيّ

3

بعض الارشادات التربويّة والأفكار العمليّة:

للمربّي والمربيّة والأولياء الذين سيرافقون التلاميذ في عملهم على فهم وتعلّم ما في هذا الكتاب من معلومات،

المساحات الواسعة ليمدّوا مخيّلتهم بكلّ الأفكار التّي قد تخدم إيصال الكلمة، من خلال حقيقة يزارة المسيح إلى أرضنا؛ نقدّم لكم البعض منها:

- يتوجّه هذا الكتيّب إلى طلّاب الصفوف الثانويّة، كما إلى شبيبة الرعايا بهدف تعميق حبّ لبنان في قلوبهم ومعرفة مدى غنى وأصالة وطنهم عبر التاريخ وفي الكتاب المقدّس...

- يحتاج هذا البرنامج بحدٍّ أدنى إلى 21 جلسة أو حصّة تعليميّة صفّيّة؛ على أن يُتاح المجال للمعلّم )ة( أم للمنشّط (ة ) بالتوسّع أكثر، إذ أنّ البرنامج والمنهج يّة يتيحان له ( لها) هذه الفرصة، هذا إن لم نأخذ بعين الاعتبار الأنشطة اللاصفّيّة...

- الأقسام الخمسة في كلّ درسٍ تتّبع بشكلٍ منهجيٍّ البنية التربويّة TOPAD :

.2 Title = T (العنوان : التفكير حول عنوان الدرس وأبعاده...

.1 Observation = O (الملاحظة(: الموقع الجغرافيّ والموقع التاريخيّ...

.3 Principles = P (المبادئ(: الموقع الكتابيّ والموقع الروحيّ...

.4 Application = A )التطبيق(: من الموقع إلى الواقع...

.5 Devotion = D ) العبادة(: ختم اللقاء بصلاة من وحي المكان...

- قبل قراءة أيّ نصّ كتابيّ، من المفضَّل أن يعرض المنشِّط بشكلٍ بسيط وسريع السياق الكتابيّ ) context ) للنصّ) التعريف بالمكان وهويّة الأشخاص وموقع النصّ بالنسبة إلى حياة يسوع...

- من المفيد تقسيم الطلّاب وتحفيزهم لتحضير بحثً ناشطً  يعتمد اللوحة الجداريّة أو ال powerpoint

أو مختلف تقنيّات العرض...( يتبنّى فيه كلّ فريق دراسة مكانٍ جغرافيٍّ ) بحسب الدروس ( ويعرض بحثه في بداية الجلسة...

- من الممكن جعل الكتاب مشروعً ا يتناوله الطلاب عبر توزيع كلّ منطقةٍ لقسمٍ أو لصفّ، يعمل عليها ويجسّد

معلوماته بطريقته، ويعرضها في احتفالٍ أو نشاطٍ مدرسيّ، من خلال التّمثيل، أو تأليف قصّةٍ أو أغنيةٍ أو مشهد يّةٍ دينيّة، أو تجسيدٍ بالرّسم والعمل اليدويّ...

4

لم تكن هذه الأفكار سوى وسائل تعلّميّة وتعليميّة، نرغب أن نقوم بها مع طلابنا، ووددنا مشاركتها معكم. يبقى لكلّ مربّية أو مربّي، راهبة أو راهب أو كاهن التّصرّف بما وهبه الربّ من نِعَم، وبما يُمليه عليه الرّوح القدس من أفكار، لتوصيل هذه المعلومات الروحيّة القيّمة بما يُناسب تلاميذه، وبكلّ الوسائل المتاحة.

- القيام بزياراتٍ ميدانيّة ورحلاتٍ استكشافيّة إلى منطقة الجنوب...

- رسم خريطة المكان من خلال إقامة مجسّمات لكلّ موقع دينيّ ، أو عرض المُجسّمات وسؤال المشُاركين إعطاء المعلومات عنها فرديًّا أو في فرق...

- صناعة مطويّات عن كلّ منطقةٍ وتوزيعها على الأهل وسكّان البناية والحيّ ، وبذلك يساهم الطلّاب بنشر المعلومات ويصيرون رسلًا للكلمة على قدر طاقتهم...

- إقامة مباراة لأفضل رسم يحتوي كلّ المواقع المذكورة، وتتمّ مكافأة أفضل رسمة بجعلها يافطة تُعلّق في المد رسة أو في غرف التّعليم المسيحيّ أو تُجعل بطاقة توزّع بمناسبة عيد الإستقلال مثلًا...

- تنظيم ندوة أو محاضرة يُدعى إليها أحد أبناء المنطقة المعنيّة في الدراسة ليحدّثنا عن قريته والأخبار المتناقلة عن زيارة يسوع لها...

- يُمكن الاستفادة من الفيلم الوثائقيّ "على خُطى المسيح"، للسياحة الدينيّة، الذي أنتجته جمعيّة "على خطى المسيح في جنوب لبنان" "والمؤسّسة المارونيّة للانتشار" للمخرج فيليب عرقتنجي، والذي يأخذنا مع ركّاب الباص الاثني عشر المؤلّفين من تسعة تلاميذ مع ثلاثة من معلّميهم ، في مشوار استكشافيّ في المنطقة المذكورة، وبالامكان الجمع بين مقاطع الفيلم والمناطق المذكورة في الكتاب ممّا يعطي الصورة أبعادها المتكاملة، ما يخدم العمليّة التعلّميّة ويُركّزها.

- نقترح عرض خارطة لبنان في كلّ جلسة...

- في الختام، ما أجمل أن نتكلّم عن وطننا بحماسةٍ وفخرٍ وعزّةٍ وإندهاش.

5

لبنان رمزٌ للمسيح وملكوته

مقدّمة: في سنة 2991 ، أثناء زيارته التاريخيّة إلى لبنان، توجّه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني إلى اللبنانيّين بعباراتٍ ما زالت تردّداتها تصدح فينا إلى يومنا هذا، إذ قال: "نحن هنا في المنطقة التي وطئتها منذ ألفي سنة قدما السيّد المسيح مخلّص العالم. يخبرنا الكتاب المقدّس أنّ يسوع جال مبشِّرًا في ما وراء حدود فلسطين في تلك الأيّام وأنّه زار أيضًا منطقة المدن العشر وبالأخصّ صور وصيدا مجترحًا فيها المعجزات... أيّها اللبنانيّون واللبنانيّات، إنّ ابن الله نفسه كان أوّل من بشّر أجدادكم. فإنّ هذا لامتيازٌ عظيم! لا يمكننا أن ننسى أنّ صدى كلمات الخلاص التي نطق بها يومًا في الجليل قد بلغت باكرًا إلى هنا... إن كتّاب العهد القديم غالبًا ما توجّهوا في كتاباتهم نحو جبال لبنان وحرمون الماثلة أمامهم في الأفق. لبنان هو حقًّا بلدٌ بيبليّ..."

لُبْنَانَ: إسم ساميّ معناه "أبيض" وقد أُطلق عليه هذا الاسم إمّا للثلوج التي تتساقط بكثرةٍ على قممه العالية معظم ايام الشتاء 

( إرميا 24 -21 ( أو لبياض حجارته الكلسيّة المتوفّرة في الطبقات العليا في جباله.  كذلك كلمة /   Libanos تعني "النّقي" أو "الخالص". ذكَر اسم لبنان في الكتاب المقدّس في العهد القديم، كذلك ذكُِر بشكلٍ مُدغّم )غير 21/ 25 و 1 / مباشر ( في العهد الجديد في سفر الرؤيا 2 Khalkolibanos” “ التي تعني النّحاس النّقيّ الخالص؛ وقد ذكُرت بعض مدنه الهامّة مثل صور وصيدون في العهد الجديد. ويُطلق اسم لبنان بوجهٍ عامّ، على سلسلتَي الجبال الممتدّتَين من قرب صور،حيث تمتدّان شمالًا متوازيتين، وموازيتين لساحل البحر المتوسّط، وهما جبللبنان الغربيّ، وجبل لبنان الشرقي...

1(. وجباله -6/ منحدرات لبنان وأوديته مغروسةٌ بكروم العنب والزيتون  (هوشع 24)

13/ 1 ملوك 29 ؛ 21-6/ مكسوّةٌ بالغابات وأشجار الأرز والسرو <2 ملوك 5(2>. وكانت الأسود والفهود تقطن غاباته ) 1 ملوك / 23 ؛ زكريّا 22 / ؛ أشعيا 6-11(، وأشجاره قُطعت لبناء القصور والمعابد ولصنع السفن / 9/24 ؛ نشيد 4...) 5/ 1 ؛ حزقيال 11 / ا ولسواري لمراكب الفينيقيّين ) عزرا 3

6

معلومات وأرقام:

- تحدّث الكتاب المقدّس عن لبنان من ضمن واقع الأحداث التاريخيّة التي مرّت على هذه المنطقة في نحو ألفيّةٍ ونصف أي بين الأعوام 2311 ) ق. م.( و 211 ) ب. م.( وذلك بحكم الجوار مع بلاد الأنبياء والأماكن التيي عاش فيها يسوع ومن بعده الرسل...

- ما يزيد عن 31 سفرًا ورد فيها الحديث عن لبنان، أو أشارت إلى أمورٍ تتعلّق به...

- ورد اسم لبنان في أسفار الكتاب المقدّس نحو 11 مرّة، والأرز 15 مرّة، ومدينة صور 59 مرّة، وصيدا وصيدون 51 مرّة.

- ورد ذكر نحو 35 مدينة وقرية تقع جميعها في وقتنا الحاضر ضمن حدود لبنان الحاليّة، مثل: صور، وصيدا، وجبيل، والصرفند، وأفقا، ويارون، وعنجر، وقانا...

- تحدّث الكتاب المقدّس عن 22 شخصيّة لبنانيّة من أشهرها حيرام ملك صور، وأثبعل ملك صور أيضًا وابنته ايزابل، ومهندس هيكل سليمان حورابي، وآساف حارس غابة لبنان، وهدَد عزر ملك سهل البقاع ورئيس جيشه رزون بن أليداع.

- أشار الكتاب المقدّس إلى أنّ أرز لبنان زيَّن هيكل الربّ الذي بناه سليمان في أورشليم كما قصوره الملكيّة...

- العامل الطبيعيّ والجغرافيّ جعل من لبنان وجباله، وثلوجه، وغاباته، وغزارة مياهه وخضرته منهلًا ينهل منه الأنبياءالشعراء ومعظم أنبياء العهد القديم شعراء مثل: أشعيا، وإرميا، وحزقيال، وهوشع، وميخا... إستعار هؤلاء من جمال طبيعة لبنان الباهرة ليصفوا ما يريدون وصفه من خلال تعابيرهم الرمزيّة والمجازيّة:

 فكانت جبال لبنان العالية في كلامهم رمزًا للكبرياء والرفعة.

 وشجر الأرز رمزًا للملوك والنبلاء وكلّ أمرٍ شريفٍ ومجيد.

 ومياه لبنان وبساتينه رمزًا للارتواء، والانتعاش، والازدهار، والبحبوحة، في مقابل يباس الصحراء المحيطة بأرض فلسطين وقحطها.

- أصبح لبنان بجماله الطبيعيّ رمزًا وكنايةً للملكوت الآتي: فبعد تشتيت الشعب وإذلاله في السبي، نشط وحيٌ نبويٌّ تمثَّل في كتاب أشعيا يهدف إلى بثّ الأمل في الشعب المسبيّ وحثّه على العودة. وكان التركيز في البلاغات النبويّة على أنّ ما تحسبونه، أيّها المسبيّون، قفرًا ويباسًا في وطنكم، سيتحوّل الى جنّاتٍ غنَّاء خصبة وريّانة. ولم يجد النبيّ أفضل من طبيعة لبنان يستعير منها التعابير البلاغيّة ليصف الحالة المجيدة التي يرغب في الاعلان عنها. وهكذا نرى بكلّ وضوحٍ كيف يستعير الوحي من طبيعة لبنان الخلّابة ما يصف به حالة البركة المستقبليّة للشعوب اليائسة. مثلًا: - "تفرح الب رّيّة والأرض اليابسة، ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس. يُزهر إزهارًا ويبتهج ابتهاجًا ويرنّم.

- يُدفع إليه مجد لبنان، بهاء كرمل وشارون، هم يرون مجد الربّ، بهاء إلهنا... حينئذٍ تبصر عيون العمي وآذان الصمّ تتفتّح. حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيّل ويترنّم لسان الأخرس، لأنّه قد انفجرت في البرّيّة مياه وأنهار في القفر، ويصير السراب واحةً والأرض الظمأى إلى جداول... ومفديّو الربّ يرجعون ويأتون إلى صهيون .)6-2/ بترنّمٍ وفرحٍ أبديٍّ على رؤوسهم..." )أشعيا 35

- "مجد لبنان إليك يأتي: .)23/ السرو والسنديان والشربين معًا لزينة مكان مقدسي..." )أشعيا 61

- أضحى أرز لبنان رمزًا للمسيح المَلك النهائيّ: "هكذا قال السيِّد الرّبّ: وآخذ أنا مِن فرعِ الأرزِ العالِي وأغرِسه، وأقطِف مِن رأسِ خراعِيبِه غصنًا وأغرِسه على جبلٍ عالٍ وشامِخٍ... فينبِت أغصانًا ويحمِل ثمرًا ويكون أرزًا واسِعًا،  فيسكن تحته كلّ طائِرٍ، كلّ ذِي جناحٍ يسكن فِي ظِلِّ أغصانِه .  (13-11/ ) حزقيال 21

خاتمة: بين الله ولبنان علاقةٌ سرّيّةٌ، قويّةٌ، وطيدةٌ وراسخة تمتدّ جذورها منذ قديم الأيّام وتمتدّ أغصانها إلى الدهر الآتي... طوال قرونٍ عديدة، كان لبنان أرض "إيل" أي الإله الكنعانيّ العالميّ الكونيّ الأوّل والأوحد... وفي ملء الزمن أضحى لبنان أرض "إيل المتجسّد" أي "عمّانوئيل"... واليوم في الألفيّة الثالثة، ها رسالة لبنان الإنسانيّة والحضاريّة والحواريّة تسطع أكثر فأكثر في عالمٍ يميل نحو الفردانيّة والتخلّف والابتعاد عن الله...

صلاة على اسم لبنان

أعطنا، ربِّ، قبل كلّ عطاءٍ أن نحطّ التفاتةً في سناك

كلّ ما دون وجهك الجمّ وهمٌ أعطنا، ربّي، أعطنا أن نراك

وترأّف، يا أيّها السعة الكبرى ترأّف باللائذ المحتاج

وانصر القابسين من فيضِك الهدية للكوكب الضلول الداجي

لألأت كلّ هضبةٍ فوق لبنان تصلّي، وهام كلّ فضاء

وتسامى مجامرًا جبل الأطياب فافتح، يا ربّ، باب السماء

(سعيد عقل، من كتاب "لبنان ان حكى")

8

قانا الجليل: بداية المشوار والآيات

قانا، حيث أُعلِنت المسيحيّة

سعيد عقل - لبنان إن حكى تحكي القُرى.. قال.. قانا تِلك أحلانا؟             بعضُ السّما.. قال؟.. بل كُلُّ السّما قانا!

مِن بعضِها: أن بِلُبنان، ولا بِسوىً، شاءته يُعلِنُ دين الحُبِّ مرنانا

بِها نُلألئ لاهوتًا فريد رؤًى، حتّى لِبالِ السّما مِن بالِ لُبنانا!

مِن بعضِها: أن بِعُرسٍ، لا بِموجِعةٍ، تأسّس الدّينُ سمحًا ليس ديّانا

إنسانُها بيت لحم جاء مُفتتِحًا عُرسًا بِقانا... ونلقاهُ ويلقانا...

ردّتهُ قانا إلى الدّنيا، تُعرّفُهُ، بلى، إلهًا بلى، من جاء إنسانا!

 

-1 الموقع الجغرافيّ:

 قانا أو قانا الجليل هي قرية لبنانيّة في محافظة الجنوب قضاء صور، تبعد عن بيروت 95 كلم.

 الطريق من بيروت إلى قانا تمرّ في: بيروت - صيدا - الصرفند- السكسكيّة - جويّا - قانا.

أو: بيروت - صيدا - صور - عين بعال - قانا.

 إسمها كنعانيّ أو سريانيّ يعني: "القنّ" ملجأ الطّيور وملجأ البشر وبالنّسبة إلى بعض علماء اللّغة قد

تعني "إقتنى" ) في العبريّة ( أو "القاني" أي اللون الأحمر الغامق )في العربيّة (، أو "القنا" أي رأس الرّمح.

 إنّ بلدة قانا تقع في "جليل الأمم" الممتدّ شمالًا حتّى صور ومنطقتها، وفق المصادر والمراجع

التاريخيّة الموثوقة في مجال تحديد منطقة الجليل، لذلك تَلازم إسم "قانا" مع"الجليل ".

-2 الوقائع التاريخيّة:

 قانا "مدينة الملجأ": حيث كان المسيحيّون الأوّلون يتوارون عن الأنظار هربًا من الاضطهادات والحروب

خلال القرون الثلاثة الأولى بعد إعلان البشارة: "أمّا المُؤمِنونَ الّذينَ تشَتّتوا بِسَبَبِ الاضطِهادِ ا لّذي وَقَعَ  عَلَيهِم بَعدَ مَوتِ أسطِفانُسَ، فَمَرّوا بِفينيقيا وَقُبرُص وأنطاكيَة" <أعمال 22 > 29/

9

-3 على إيقاع الكلمة:

 قانا: أرض الآية الأولى )يوحنّا  1 )22-2/

نقّب العالم الإيطاليّ رونكاليا عن موضوع قانا أعوامًا طويلة في الكتب والمراجع والوثائق، وتوصَّل الى أدلّةٍ وقرائن، تؤكّد وجود قانا في لبنان .  < م.ب. رونكاليا، على خطى يسوع في فينيقيا-لبنان>  2

ومن بين الآثار الظاهرة في بلدة قانا بالقرب من مقام الجليل: ستّة أجران حجريّة كالّتي يصفها النصّ الانجيليّ، والّتي حوّل المسيح فيها الماء خمرًا، يتناسب حجمها مع سعة الأجران المذكورة في الإنجيل، وهذه الأجاجين لا تكون عادةً داخل البيت لأنّه يصعب أن يتّسع لها، وإنّما توجد في الساحة العامّة ليتوافر للجميع الاستقاء منها.  )54-46/ قانا: أرض شفاءٍ وحياة ) يوحنّا 4 1 341 ( والقدّ يس جيروم من القرن الخامس وفرنشيسكو سوريانو حارس الأراضي المقدّ سة في القرن الخامس عشر: "قانا واحدة وهي - - قانا، وفقً ا لشهادة كلّ من مؤ رّخ الكنيسة الأ ول أوسّابيوس القيصريّ ) 165 ) الآن في لبنان" )

 د. جوزف خريش، على خطى المسيح في جنوب لبنان والبقاع، تموز 1121

وَوَصَلَ يَسُوعُ إِلَى قَانَا بِالْجَلِيلِ، حَيْثُ كَانَ قَدْ حَوَّلَ الْمَاءَ إِلَى خَمْرٍ. وَكَانَ فِي كَفْرَنَاحُومَ رَجُ لٌ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَلِكِ، لَهُ ابْنٌ مَرِيضٌ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَجَاءَ إِلَى الْجَلِيلِ، ذَهَبَ إِلَيْهِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ ينَْزِلَ مَ عَهُ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ لِيَشْفِيَ ابْنَه الْمُشْرِفَ عَلَى لاَ تُؤْمِنُونَ إِلاَّ إِذَا رَأَيْتُمُ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ « : الْمَوْتِ. فَقَ الَ يَسُوعُ ! يَاسَيِّدُ، انْزِلْ مَع ي ق بْلَ أَنْ يَمُوتَ « : فَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَالَ »فَآمَنَ الرَّجُلُ بِكَلِمَةِ يَسُوعَ الَّتِي قَالَهَا لَهُ، وَانْصَرَفَ »! اذْهَبْ! إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ « : أَجَابَهُ يَسُوعُ »! ابْنِي . وَبيَْنَمَا كَانَ نَازِلًا فِي الطَّرِيقِ لاَقَاهُ .» فِي السَّ اعَةِ السَّابِعَةِ مَسَاءَ الْبَارِحَ ةِ، وَلَّتْ عَنْهُ الْحُمَّى « : بعَْضُ عَبِيدِهِ وَبَشَّ رُوهُ بِأَنَّ ابْنَهُ حَيٌّ، فَسَأَلَهُمْ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ تَعَافَى، أَجَابُوهُ فَآمَنَ هُوَ وَأَهْلُ بيَْتِهِ جَمِيع ا .» إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ « : فَعَلِمَ الأَبُ أَنهََّا السَّاعَةُ الَّتِي قَالَ لَهُ يَسُوعُ فِيهَا . هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ هِيَ الآيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَجْرَاهَا يَسُوعُ بعَْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ . وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا بِمِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ هُنَاكَ أُمُّ يَسُوعَ. وَدُعِيَ إِلَى الْعُرْسِ أَيْضً ا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ. فَلَمَّا نَفِدَتِ فَقَالَتْ أُمُّهُ لِلْخَدَمِ: »! مَا شَأْنُكِ بِي يَا امْرَأَةُ؟ سَاعَتِي لَمْ تَأْتِ بعَْدُ « : فَأَجَابهََا »! لَمْ يبَْقَ عِنْدَهُمْ خَمْرٌ « : الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ وَكَانَتْ هُنَاكَ سِتَّةُ أَجْرَانٍ حَجَرِيَّةٍ، يَسْتَعْمِلُ الْيَهُودُ مَاءَهَا لِلتَّطَهُّرِ، يَسَعُ الْوَاحِدُ مِنْهَ ا مَا بيَْنَ مِكْيَالَيْنِ أَوْ .» افْعَلُوا كُلَّ مَا يَقولُه لكُم « فَمَلَأُوهَا حَتَّى كَادَتْ تَفِيضُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: .» امْلَأُوا الأَجْرَانَ مَاء « : ثَلاَثَةٍ )أَيْ مَا بيَْنَ ثَمَانِينَ إِلَى مِئَةٍ وَعِشْرِينَ لِتْ رًا(. فَقَالَ يَسُوعُ لِلْخَدَمِ فَفَعَلُوا. وَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْوَلِيمَةِ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ قَدْ تَحَوَّلَ إِلَى خَمْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ يعَْرِفُ »! وَالآنَ اغْرِفُوا مِنْهَا وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْوَلِيمَ ةِ « النَّاسُ جَمِيع ا يقَُدِّمُونَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلًا ، وَبعَْدَ أَنْ يَسْكَرَ « : مَصْدَرَهُ، أَمَّا الْخَدَمُ الَّذِينَ قَدَّمُوهُ فَكَانُوا يعَْ رِفُونَ، اسْتَدْعَى الْعَرِيسَ، وَقَالَ لَهُ

الضُّيُوفُ يقَُدِّمُونَ لَهُمْ مَا كَانَ دُونهََا جُودَةً. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ حَتَّى الآنَ ! هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ هِيَ الآيَةُ الأُولَى الَّتِي أَجْ رَاهَا » يَسُوعُ فِي قَانَا بِالْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُه .

10

 )4/ 1( وسمعان القانويّ نسبةً إلى قانا )متّى 21 / قانا: أرض الرسل، فمنها نتنائيل الرسول ) يوحنّا 12 -4

الوقع الروحيّ:

 )1-2/ قانا أرض الأفراح: "كانَ عُرسٌ في قانا ودُعِي إِليهِ يسوع وتلاميذُه " )يوحنّا 1

 )3/ قانا أرض الشفاعة: قالت مريم ليسوع: "ليس لديهِم خمر" )يوحنّا 1

 قانا أرض التحوّلات: "ذاق رئِيسُ الولِيمةِ الماء الّذِي كان قد تحوّل إِلى خمرٍ، ولم يكُن يعرِفُ مصدرهُ، أمّا

)9-1/ الخدمُ الّذِين قدّمُوهُ فكانُوا يعرِفُون" )يوحنّا 1

 قانا أرض بداية الاعتلان: "هذِهِ المُعجِزةُ هِي الآيةُ الأُولى الّتِي أجراها يسُوعُ فِي قانا بِالجلِيلِ، وأظهر مجده " )22/ ) يوحنّا 1

 22 ( والأمم- "رجُلٌ مِن حاشِيةِ الملِك. فآمن هُو وأهلُ / قانا أرض الإيمان: اليهود- "فآمن بِهِ تلامِيذُه " )يوحنّا 1

)53/ بيتِهِ جمِيعًا" )يوحنّا 4

 )51/ قانا أرض الأمل والشفاء: "اذهب! إِنّ ابنك حيٌّ!" )يوحنّا 4

 )5/ قانا أرض الطاعة: "إِفعلوا ما يقولُهُ لكُم" )يوحنّا 1

 )53-51/ 4 و 4 / قانا أرض "الساعة": فيها حانتِ السّاعةُ الّتي لم تكُن قد أتت بعد )يوحنّا 1

 )2/ مريم حاضرةٌ في قانا: "وكانت أمّ يسوع هناك" )يوحنّا 1

-5 من الموقع إلى الواقع:

لم تعد "قانا" مجرّد موقعٍ جغرافيّ، ولا اكتفى التاريخ بما حدث فيها، بل صارت قانا أيقونة قِيمٍ تدعوك إلى

حملها واعتناقها في حياتك الشخصيّة أي في واقعك وتاريخك.

- من قانا بدأت البشارة. هل أنت ممّن قبلوا البشارة في حياتهم؟

........................................ 

.............................................وتك إلى حياة؟ شارك باختبارك الحياتيّ:

.........................................................................................................

...........................................................................................................

.....................................................................

- كيف تتعامل مع "كلمة الله"، بطاعةٍ أو بِلامُبالاة؟ وهل هناك من ثمن لكلٍّ من خياراتك؟

...........................................................................................................

...........................................................................................................

...........................................................................................................

تأمّل

يوم قال الإنسان "لا"، وابتدأ مخطّط الله الخلاصيّ لبني البشر كان الإنسان قد ابتعد عن الله، ولكنّ الله لم يقدر أن

يبتعد عن الإنسان. فرافقه كمن يُرافق طفلًا شقيًّا، لا بعينيه فقط، بل بكيانه. رافقه حتّى، في ملء الأزمنة، صاره؛ وانطلق

في مسيرة الخلاص.

كيف، والجنّة حيث الربّ! أتراه ترك الربّ جنّته وتبِع أبناء البشر؟! أتراها صارت الجنّة في حضورهم؟! أتُراهُ أنزل الربُّ

قطعةً من جنّته، لتستقبل ابنه مخلّصًا، يلهث خلف بني البشر، يدعوهم ليُشاركوه العشاء إلى مائدته؟! إلى لبنان جاء

مليك الأزل ليختم على أزليّة أرضنا وقداستها، بحلوله فيها الضيف الأغلى، فصار لبنان جنّته وهيكله وموطىء قدميه...

وتحوّلت آثار "دعساته" أسئلة موجّهة إلى قلب كلّ واحدٍ منّا تنتظر الاجابة والاستجابة...

قانا الجليل:

خطواته في قانا تسألك: عمّن تبحث لملء فراغك؟ على من تتّكل لملء سعادتك وحلمك وطموحك؟

- من تلك القرية اللبنانيّة في محافظة الجنوب التي تبعد عن بيروت 95 كلم والتي التجأ إليها المسيحيّون الأوّلون

)1/ هربًا من الاضطهادات والحروب، "قل للربّ: أنت ملجئي وحصني" )مزمور 92

- 22 ( التي ملأت أجران الكون خمرًا طيّبًا فيّاضًا، قل للربّ صارخًا: "ليس -2/ من قرية أولى الآيات )يوحنّا 1

)3/ لديّ خمر" )يوحنّا 1

- )52/ 54 ( قل للربّ: "رابوني أريد أن أبصر" )مرقس 21 -46/ من قرية الشفاء والحياة )يوحنّا 4

12

)1/ 4(، قل للربّ: "ها أنا أرسلني" )أشعيا 6 / 1( وسمعان القانويّ )متّى 21 / - من قرية نتنائيل الرسول )يوحنّا 12

- من قرية الأفراح والشفاعة والتحوّلات والبدايات: قل لل ربّ صارخًا: "إلى من نذهب يا ربّ وعندك كلام الحياة

)61/ الأبديّة" )يوحنّا 6

صلاة:

1( فتمتلئ وتفيض... / هاك أجراني يا ربّ فارغة! "قل كلمة" )لوقا 1

...)6/ هاك شباكي يا ربّ فارغة! قل كلمة فيصبح الصيد وفي رًا )لوقا 5

...)24/ 23 ( قل كلمةً فيتفجّر منها نبع الحياة )يوحنّا 4 / هاك بئري يا ربّ فارغة! )إرميا 1

13

صور: إيمانُ ابنة أرضِنا

يوم زار يسوع لُبنان

)سعيد عقل - لُبنانُ إن حكى(

لم يُرِد أن يعلم بِهِ أحدٌ مِن النّاس، يقولُ مرقس،

ولكنّ الناس قصدوا إليهِ فلم يقدِر أن يستتِر.

هؤلاءِ اللبنانيّون مُلحّون في الطلب.

إِنهُّم ليتكلّمون كأصدِقاء، كمن لهُم عليهِ دالّة.

ها هِي امرأةٌ مِنهُم تُناديه: "إرحمني أيُّها الرّبّ". فيتضايق التّلاميذ.

فتقول: "أغِثني يا ربّ".

ولكِن أنّى لها أن تحصل على شيء، والخُبزُ يكادُ لا يكفي البنين.

إلّا أنّها تُصرّ: "إنّ الكِلاب تحت المائِدة لتأكُل مِن فُتاتِ البنين".

هذه المرأة، ما حاجتها! هي، ليس لها حاجة، وإنّما لها بنتٌ.

لِسِواها، لا لها تلتمِس! إنّها تُشبِهُ الوطن الذي نمّاها. وما تُريد؟

مسّ الظلامُ عقل ابنتِها، فجاءت تطلُبُ نورًا لِهذا العقل.

لا كِساءً لِعُري، ولا مسكِنًا لِمأوى، ولا مالًا لإعالة.

كاد التلاميذُ يصيحون. ولكِنّهُ أخرسهُم، هذهِ المرّة، بِوجهِه الم تُهلِّل وعينيهِ الباسِمتين.

اللبنانيةُ تطلُبُ النور شِفاءً، كالأرضِ في كُلِّ آن.

وتطلُبُ مِنهُ، ولو فُتاتًا، مِن الذي تحت المائِدة.

"لأجلِ كلامِكِ هذا، قال، اذهبي. لقد شُفيت الفتاة".

وكان لها النّور سخيًّا كما على المأدُبة.

14

-1 الموقع الجغرافيّ:

 صور هي مدينة لُبنانيّة بحريّة على البحر المتوسّط، من مُحافظة الجنوب. تبعد 15 كلم عن بيروت.

 الطريق من بيروت إلى صور تمرّ في: بيروت - صيدا - صور

 اسمها في أكثر اللهجات الساميّة الصوّان أو الحجر الحادّ. ف "صور" تعني بالفينيقيّة الصخرة.

-2 الوقائع التاريخ يّة:

 صور الأقدم: تكوّنت جزيرة "صور" منذ حوالي مليون سنة، وسُكِن البرّ الم قُابل منذ أحد عشر ألف سنة

على الأقلّ.

 صور الأشهر: تُعتبر صور من أشهر حواضر العالم عبر التاريخ للدور الذي لعبته في الحقبة الفينيقيّة إن

كان من ناحية:

 سيطرتها على التجارة البحريّة.

 إنشاؤها المستوطنات التجاريّة حول المتوسّط.

 نشر الدّيانات في العالم القديم.

 إنشاؤها مستوطنة قرطاجة التي قارعت الدولة الرومانيّة.

 مقاومتها لزحف الاسكندر المقدونيّ.

 صور العظيمة: مهما قيل في تاريخ هذه الحاضرة العظيمة فهو قليل، إنّها المعمورة من البحر، المدينة

الشهيرة التي كانت قويّةً في البحر وسكّانها أوقعوا رعبهم على جميع جيرانهم )الكتاب المقدس: أشعيا

)31/ 3، حزقيّال 11 / 1/13 ، زكريّا 9

 صور "درّة البحر الأبيض وسيّدة الأوقيانوسات": ففي سنة 911 ق.م ت ولّى "حيرام بن أبي بعل" عرش

"صور"، ووصلت في أ يّامه إلى مركزٍ حضاريٍّ وتجاريّ لا يُجارى، فبهرت بعظمتها وتألّقها جيرانها، وأخذ

ملوك وأمراء الدويلات المجاورة يتودّدون إلى ملكها، وينشدون صداقته، وكان داود الملك أبرز هؤلاء،

فلم يبخل عليه حيرام بذلك، وأرسل له ولابنه سليمان "خشب أرزٍ وبنّائين ونجّارين" لبناء هيكل الربّ .

 قيل في صور: إنها أُمّ المدن )بلني الكبير(. إنّها سيدة البحار ومركز العالم التجاريّ لعدّة قرون )نينا

جدجيان(. إنّها مُباركة ومدفوعٌ عنها الفتن )الإمام الأوزاعيّ(. إنّها تفوق كلّ المدن بقوّة أبراجها وأسوارها

15

)تيودورش(. إنّها تمتاز عن كلّ مدن فينيقية بجمالها )فوكاس(. إنّها بطلة المدن والكلام عليها ما له

نهاية )سعيد عقل(.

-3 على وقع الكلمة:

 )11 -12/ صور أرضٌ نالت الشّفاء بالإيمان )متّى 25 1

 )6-2/ صور تُرافق الرّسل بالصّلاة )أعمال 12

 )12-11/ صور مثالٌ للتوبة )متّى 22

-4 الوقع الروحيّ:

2 - عند مشارف صور أو قري بًا من الصرفند، شفى الس يّد المسيح إبنة المرأة الكنعان يّة أو السيروفينيق يّة؛ تلك المرأة كان اسمها يوستا، أي عادلة )عدلون(، واسم ابنتها بيرينيق )راجع الميامر المنسوبة الى القديس

كليمنس من القرن الثالث(.

إيمان المرأة الكنعان يّة

ارْحَمْنِي يَاسَيِّدُ، يَا « : ثُمَّ غَادَرَ يَسُوعُ تِلْكَ الْمِنْطَقَةَ، وَذَهَبَ إِلَى نوََاحِي صُورَ وَصَيْدَا. فَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ النَّوَاحِي، قَدْ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ صَارِخَةً

اقْضِ لَهَا حَاجَتَهَا. فَهِيَ تَصْرُخُ فِي « : لكِنَّه لَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَجَاءَ تَلاَمِيذُهُ يُلِحُّونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ .» ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مُعَذَّبَةٌ جِدًّ ا، يَسْكُنُهَا شَيْطَانٌ

»! أَعِنِّي يَاسَيِّدُ « : وَلكِنَّ الْمَرْأَةَ اقْتَ رَبَتْ إِلَيْهِ، وَسَ جَدَتْ لَهُ، وَ قَالَتْ »! مَا أُرْسِلْتُ إِلّا إِلَى الْخِرَافِ الضَّالَّةِ ، إِلَى بيَْتِ إِسْرَائِيلَ « : فَأَجَابَ »! إِثْرِنَا

صَحِيحٌ يَاسَيِّدُ؛ وَلكِنَّ جِ رَاءَ الْكِلاَبِ تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ ا لَّذِي « : فَقَالَتْ »! لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يؤُْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَ يُطْرَحَ لِجِرَاءِ الْكِلاَبِ « : فَأَجَابَ

فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ »! أَيتَُّهَا الْمَرْأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! فَلْيَكُنْ لَكِ مَا تَطْلُبِينَ « : فَأَجَابَهَا يَسُوعُ »! يَسْقُطُ مِنْ مَوَائِدِ أَصْحَابِهَا .

"وأق بَلنا إِلى صور لأنَّ السّ في نَة كا نَت سَ تُف رِغ حُ مو لَ تَها هُ ناك، ف  لَمّ ا صادَ فنا ال تّلاميذ مَ كَ ثنا هُ ناكَ سَ بع ة أ يّام... ولما قَضَ ينا الأ يّام خَ رَجنا

وسِ رنا وهُ م يُش يِّعو نَنا بِ أَجمَ ع هِ م مَ عَ ال نِّساء والأ ولاد إ لَى خا رِجِ الم دَي نَة، فَجَ ثَونا ع لى الشّ اطِ ئ وصَ لَّينا. ثُمَّ و دَّعَ بَعضُ نا بَعضً ا ورَك بنا السَّ في نَة

."

الْوَيْلُ لَكِ يَاكُورَزِينُ! الْوَيْلُ لَكِ يَا بيَْتَ « : ثُمَّ بَدَأَ يَسُوعُ يوَُبِّخُ الْمُدُنَ الَّتِي جَرَتْ فِيهَا أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِهِ، لِكَ وْنِ أَهْلِهَا لَمْ يتَُوبُوا. فَقَ الَ

صَيْدَا! فَلَوْ أُجْرِيَ فِي صُورَ وَصَيْدَا مَا أُجْرِيَ فِيكُمَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، لَتَابَ أَهْلُهُمَا مُنْذُ الْقَدِيمِ مُ تَّشِحِينَ بِالْمُسُوحِ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ.

16

 صور الوثنيّة تأتي إلى المسيح: "والذين حول صور وصيدا جمعٌ كثير، إذ سمعوا كم صنع، أتوا إليه" )مرقس

)1/3 3

 صور تُصغي إلى الكلمة: "ثُمّ نزل معهُم، ووقف فِي مكانٍ سهلٍ، هُو وجماعةٌ مِن تلامِيذِهِ، وجُمهُورٌ كبِيرٌ مِن

الشّعبِ، مِن جمِيعِ اليهُودِيّةِ وأُورُشلِيم وساحِلِ صُور وصيدا، جاءُوا لِيسمعُوهُ وينالُوا الشِّفاء مِن أمراضِ هِم. )لوقا

)21-21/6

 صور تحتضن المسيحيّين الأوائل: "أمّا المؤمنون الّذين تشتّتوا من جرّاء الضّيق الّذي حصل بسبب موت

)29/ إسطفانوس، اجتازوا إلى فينيقية..." )أعمال 22

 )11/ متّى 25 ( »! أي تُها المرأةُ، عظِيمٌ إِيمانُكِ! فليكُن لكِ ما تطلُبِين « : صور "صخرة" إيمان: فأجابها يسُوعُ

 صور من أولى الكنائس: بولس الرّسول زار صور سنة 51 م. عند عودته من رحلته الثالثة، فوجد فيها كنيسة

أنشأتها جالية المدينة، وهي من أولى الكنائس التي أُنشئت في تاريخ المسيحيّة...

 صور بانية قصور الملوك: "وأرسل حِيرامُ ملِكُ صُور وفدًا إِلى داوُد مُحمّلًا بِخشبِ أرزٍ ونجّارِين وبنّائِين، فشيّدُ وا

)22/ لِداوُد قصرًا" ) 1 صموئيل 5

 صور بانية هيكل الله: "كان ابنًا لأرملةٍ مِن سِبطِ نفتالِي، أمّا أبُوهُ المُتوفّى فكان مِن صُور يعملُ نحّاسًا، وقد

)24/ برع حِي رامُ فِي مِهنتِهِ وأتقنها، فانخرط فِي خِدمةِ سُليمان وأنجز الأعمال الّتِي عهِد بِها إِليهِ " ) 2 ملوك 1

-5 من الموقع إلى الواقع:

لم تعد "صور" مجرّد موقع جغرافيّ، ولا اكتفى التاريخ بما حدث فيها، بل صارت صور دعوةً للتأمّ ل في حياتك

الشخصيّة أي في واقعك وتاريخك.

- صور، اسمها يعني الصخرة، فيها شهدت المرأة الصوريّة لثبات الإيمان رغم الامتحان الصعب:

وفي "صورِك" أنت، ما هو الامتحان الأصعب الذي تمرّ به؟.....................................................

...........................................................................................................

...........................................................................................................

3 - أكثر من تقليدٍ متوارث )أوسّ ابيوس القيصريّ والقدّ يس جيروم وغيرهما( أفاد أنّ المسيح استراح عند "رأس العين" جنوبيّ مدينة صور وتناول طعامً ا عند ذلك الينبوع وشرب منه. وعند إحدى بوا بّات صور كانت

.)265- توجد صخرة تشهد على وقوف يسوع فوقها ليعلّم الناس )لبنان في حياة المسيح، بطرس ضو، 1891 ، ص 6

17

في "صورِك" أنت، ما هي الصخرة أو الخبرة التي تثبّت إيمانك؟....................................................

...........................................................................................................

...........................................................................................................

- ضرب الربّ يسوع المثل بتوبة أهل صور:

هل تجرؤ على التوبة؟ كيف تعبّر عنها عمليًّا؟..................................................................

...........................................................................................................

..........................................................................................................

نشاط: أهل صور إستقبلوا بولس بالفرح وودّعوه بالدموع:

- أكتب أسماء الكنائس التي وجّه إليها مار بولس رسائله:.......................................................

...........................................................................................................

...........................................................................................................

- أكتب أسماء التلاميذ الذين وجّه إليهم مار بولس رسائله:......................................................

...........................................................................................................

..........................................................................................................

تأمّل

22 (، جاءكِ الرّبُّ يجود / 24 ( وقصور الملوك) 1 صموئيل 5 / صور: أمّا أنتِ يا صور، يا بانية هيكل الله ) 2 ملوك 1

بفتات رحمته على الجائعين فيكِ، فأشبع نهم المحتاجين إليه وشفى النفوس والأجساد وبنى له في القلوب الهيكل

الموعود حيث يُعبد الله بالرّوح والحقّ.

.)11 -12/ ها أنتِ يا صور مع ابنتك المرأة الكنعانيّة ترحِّبين بحامل تباشير الملكوت شفاءً وخلاصًا )متّى 25

وها أنتِ تجمعين تاريخكِ وخبراتكِ لتسألي كلّ إنسانٍ عن إيمانه وشوقه وحدود تعلّقه بكلمة الله...

1( أصغيتِ / يا صور يا مدينة البحر المبتعدة نحو 15 كلم عن بيروت. من عالم الوثنيّة أتيتِ إلى المسيح )مرقس 3

...)12-11/ 11 ( وصرتِ مثالًا للتوبة )متّى 22 / 21 ( فنلتِ الشّفاء بالإيمان )متّى 25 -21/ إلى كلمته )لوقا 6

18

6( ويا صخرة -2/ 29 (، ويا مرافقة الرّسل بالصّلاة )أعمال 12 / يا صور يا محتضنة المسيحيّين الأوائل )أعمال 22

القلاع والحصون... علّميني الصلاة.

صلاة:

،)41/ ربّي وإلهي، يا رازقًا كلّ إنسانٍ حاجته "في حينه" )لوقا 21

،)33/ هاك فتات إيماني فهبني "خبزك النازل من السماء الواهب الحياة للعالم" )يوحنّا 6

هاك فتات حياتي، فهبني حياةً أبديّةً لا تعرف الموت...

19

يارون، عين إبل، دبل ورميش: المربّع الجنوبيّ الذهبيّ

" أَنا هُوَ البابُ. مَن دَخلَ بي يَخلُص، فيَدخل وَيَخرجُ وَيَجِدُ المَ رعَى...

أَمّ ا أَنا فَقَد أَتَيتُ لِتَكُونَ لَهُم حَيَاةٌ، بَل مِلء الحيَاةِ ! "

)11-8/ )يوحنّا 11

-1 الموقع الجغرافيّ:

 يارون: تقع في أقصى جنوب لبنان على الحدود المتاخمة لفلسطين؛ تبعد عن العاصمة بيروت حوالي

29 "يرأون" وهو اسم كنعانيّ قديم ويعني "المكان / 216 كم. أصل تسميتها ورد في سفر يشوع 31

المطلّ المرتفع".

 عين إبل: قرية في جنوب لبنان، تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 241 كم، وتنتشر على ت لّةٍ ترتفع من

151 م وح تّى 151 م. لعين إبل تاريخٌ قديم بدأ حين سكنها الأمور يّون. أصل تسميتها: إسمٌ مركّ ب بين

إله الخصب الأموريّ "أون" والشخص يّة الآرامية التورات يّة "آبل"، ويمكن أن تعني "عين الحياة" أو "عين

العذراء"...

 دبل: قرية في جنوب الجنوب، تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 231 كلم. معنى اسم دبل "التين

...24/ المجفّ ف" في الآرام يّة السريان يّة كما في اللغة العبر يّة. ورد هذا الاسم في سفر حزقيال 6

 رميش: تقع بلدة رميش في أقصى الجنوب اللبنانيّ ، تبعد عن العاصمة بيروت 235 كلم وهي أبعد بلدة

جنوب يّة عن العاصمة. أصل الاسم سريانيّ ويعني "غروب الشمس" لأ نّها تغيب عنها قبل غيرها من القرى

المجاورة لكونها تقع وسط سهٍ ل، محاطة بثمانية جبالٍ تحجب أشعّ ة الشمس عنها بسرعةٍ ساعة

الغروب. يرجّح البعض أنّ الاسم مشتقّ من اسم أحد الآلهة اليونان يّة هرمس (Hermes) حيث يوجد

معبد له في رميش.

-2 الوقائع التاريخيّة:

20

نستدلّ من الآثار اليونان يّة، العبر يّة، ا ولرومان يّة العديدة الموجودة في هذه البلدات أنّها كانت مأهولة في عصور ما قبل

المسيح، وأنّ تاريخها يعود إلى عهد الكنعان يّين، أي من الألف الثاني قبل الميلاد... نجد مثلًا السور الكنعانيّ المحيط

بقسمٍ من بلدة يارون لتحصينها، وعين داما أو دامو التي كانت مشهورة كمحط ةٍ على الطريق الملوك يّة التي كان يسلكها

ملوك مصر وملوك أرض الرافدَ ين للتنقّ ل، وهذه الطريق ما زالت تسمّ ى "الطريق السلطان يّة"...

-3 على إيقاع الكلمة:

يارون، عين إبل، دبل ورميش قُرى تُمثّل البوّابة اللبنانيّة: لقد أشار أحد علماء الكتاب المقدّ س "ألفرد دوران" إلى أنّ

رحلة يسوع في أرض لبنان بدأت من نقطةٍ تقع في هذا المربّع الذهبيّ قري بًا من بحيرة الحولة وبلدة الجشّ )جيسكالا(

التي هي بحسب بعض المؤ رّخين )جيروم( مسقط رأس عائلة بولس الرسول. من هناك نطلّ على مواقع غن يّةٍ بالذكريات

البيبل يّة. ثُمّ ينحدر الطريق إلى واد يَين يؤدّ ي كلّ منهما، عبر سلسلة من المرتفعات والأودية، إلى قانا وصور.

يشير النصّ الإنجيليّ إلى أنّ يسوع عندما كان يتج ول في أرض الوثن يّين، لم يكن يسلك طر قًا مألوفة ، بل كان يتج ول

متخف يًّا أكثر الأحيان عن الأنظار: "ثُمَّ تَرَكَ يَسُوعُ تِلكَ المِنطَقَةَ وَذَهَبَ إِ لَى نوََاحِي صُورَ. فَدَخَ لَ بَيتًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَن

14 (. ولكن ذلك لم يكن ليمنع تقاطر الجموع إليه / يعَْلَمَ بِهِ أَحَدٌ . وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَطِع أَن يَظَلَّ مُخْتَفِيًا" )مرقس 1

طلبًا للشّ فاء:

- )12/ "ثُمَّ غَادَرَ يَسُوع تِلْكَ الْمِنْطَقَةَ، وَذَهَبَ إِلَى نوََاحِي صُورَ وَصَيْدَا" )متّى 25

- " فَانسَحَبَ يَسُوع وَتَلامِيذُه نَحوَ البُحَي رَةِ. وَتَبِعَه جَمعٌ كبِيرٌ مِن مَنَاطِقِ الجَ لِيلِ وَمِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَ أَدُومِيَّة -1/ وَمَا وَرَاء الأُردُنِّ، وَجَمعٌ كبِيرٌ مِنْ نوََاحِي صُورَ وَصَيدَا، جَاءُوا إِلَيهِ إِذ كانُوا قَد سَمِع وا بِمَا فَعَلَ " )مرقس 3

)1

- ثُمَّ نزََلَ مَعَهُم، وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ سَهلٍ، هُوَ وَجَ مَاعَة مِنْ تَلامِيذِهِ، وَجُمهُورٌ كبِيرٌ مِ نَ الشَّعبِ، مِن جَمِيعِ

اليَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وسَاحِلِ صُورَ وَصَيدَا، جَاءُوا لِيَسمَعُوه وَينََالُوا الشِّفَاء مِنْ أ مرَاضِهِم. وَالَّذِينَ كانَت تعَُذِّبهُُمُ

)21-21/ الأَروَاحُ النَّجِسَة كانُوا يُشفَوْنَ" )لوقا 6

-4 الوقع الروحيّ:

21

† يارون، عين إبل، دبل ورميش "بوّابة لبنان" المشرّع لاستقبال يسوع الآتي، يدعيننا على مثالهنّ لتشريع الأبواب

للمسيح: "هَا أَنَا وَاقِفٌ خَارِجَ البَابِ أَقرَعُهُ. إِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ فَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ

)11/ مَعِي" )رؤيا 3

† يارون، عين إبل، دبل ورميش، "قرى الراحة" حيث كان يلتجئ الربّ ليرتاح بعد تعب التجوّل في ضياعنا

للبشارة، يدعيننا لنجد راحتنا في الربّ : "وَقَالَ: هَذِهِ مَقَرُّ رَاحَ تِي إِلَى الأَبَدِ، فِيهَا أ سكُنُ لأَنِّي أَحبَبتُهَا. أُبَارِكُ

)25-24/ غَلَّاتِهَا برََكَة جَزِيلَةً، وَأُشبِعُ مَسَاكِينَهَا خُبزًا" )مزمور 231

† إن كانت يارون هي "المكان المطِلّ والمرتفع"، فهلمّوا نرفع قلوبنا إلى "الرَّبِّ المُتَعَظِّمِ السَّاكِنِ في العَلَاء"

...)5/ )أشعيا 33

وإن كانت عين إبل هي "عين العذراء" أو "عين الحياة"، فهلمّ ا و نرفع قلوبنا إلى إله الحياة المتجسّ د من

...)13/ أَيِ اللهُ مَعَنَا" )متّى 2 »! العذراء مريم: "هَا إِنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْبَلُ، وَتَلِدُ ابْ نًا، وَيُدْعَى عِمَّانُوئِيلَ

وإن كانت دبل هي "التين المجفّف"، والتينة ترمز إلى شعب الله في العهد القديم، فهلمّوا نرفع قلوبنا معلنين

...)23/ أ نّنا "نَحنُ شَعبَكَ وَغَنَمَ مَ رعَاكَ إِلَى الأَبَدِ وَنُذِيعَ تَسبِيحَكَ مِن جِيلٍ إِلَى جِيلٍ " )مزمور 19

وإن كانت رميش هي "غروب الشمس"، فهلمّوا نرفع قلوبنا إلى مدينتا السماويّة حيث لا "حَاجَة إِلَى نُورِ

...)13/ الشَّمسِ أَوِ القَمَرِ، لأَنَّ مَجدَ اللهِ يُنِيرُهَا، وَالْحَمَلَ مِصبَاحُهَا" )رؤيا 12

-5 من الموقع إلى الواقع:

لم تعد "يارون، عين إبل، دبل ورميش" مجرّد م واقع جغراف يّة، ولا اكتفى التاريخ بما حدث فيها، بل صارت محطّة راحةٍ

وهدوءٍ وتأمّل في حياتك الشخصيّة أي في واقعك وتاريخك. الربّ يريد أن يمنحك سلامًا وراحةً وأمانًا يفوق العقول؛

لتتأكّد، حاول أن تصل المرجع بالآية المناسبة:

33/ يوحنّا 26 

 تَعَالَوا إِلَيَّ يا جَمِيعَ ٱلْمُتعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحمَ الِ، وَأَنَا أُرِيحُكُم

21-9/ عبرانيّين 4 

 إِذًا بَقِيَت رَاحَةٌ لِشَعبِ ٱللهِ! لأَنَّ ٱلَّذِي دَخَلَ رَاحَ تَهُ ٱستَرَاحَ هُوَ

أَيضًا مِن أَعمَالِهِ، كَمَا ٱللهُ مِن أَعمَالِهِ

11/ متّى 22   قَدْ كَلَّمتُكُم بِهَذَ ا لِيَكُونَ لَكُم فِيَّ سَلَامٌ. فِي ٱلعَ الَمِ سَيَكُونُ لَكُم

ضِيقٌ، وَلَكِن ثِقُوا: أَنَا قَد غَلَبتُ ٱلعَالَمَ

22

1/ يهوذا 2 

 وَرَبُّ ٱلسَّلَامِ نَفسُهُ يُعطِ يكُمُ ٱلسَّلَامَ دَائِمًا مِن كُ لِّ وَجهٍ. ٱلرَّبُّ

مَعَ جَمِيعِكُم

25/ كولسّي 3 

 وَلْيَملِك فِي قلُُوبِكُم سَلَامُ ٱللهِ ٱلَّذِي إِلَيهِ دُعِيتُم فِي جَسَدٍ

وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ

26/ 1 تسالونيكي 3   لِتَكثُر لَكُمُ ٱلرَّحمَ ةُ وَٱلسَّلَامُ وَٱلمَحَبَّة مرقس 22:14 

 فَلْنَتَقَدَّم بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعمَةِ لِكَي ننََالَ رَحمَ ةً وَنَجِدَ نِعمَةً

عَ ونًا فِي حِينِهِ

26/ عبرانيّين 4 

 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا تَطلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ

فَيَكُونَ لَكُم

31/ لوقا 22   وَاطْرَحُوا عَلَيْهِ ثِقلَ هُمُومِكُم كلِّهَا، لأَنَّهُ هُوَ يعَْ تَنِي بِكُم

1/ 2 بطرس 5   لاَ تَخَف، أَيهَُّا القَطِ يعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُم قَد سُرَّ أَن يُعطِيَكُمُ

المَلَكُوتَ .

تأمّل:

في سنة 1961 وضع الرحّالة وعالم الآثار الفرنسيّ إرنست رينان كتابه "مَ هَ م ة في فينيقيا" بعد قضائه سنتين في

ربوع لبنان، وجاء في كتابه هذا المقطع وترجَمتُه: "ساحِرٌ مذهلٌ هذا اللبنان. فيه بقايا عطرٍ يرقى إلى أ يّام المسيح. على

أرضه، أنا على ترابٍ مقدَّس. ومن أجمل الأجمل في لبنان أ نّه فريدٌ في جَمْعِه العظَمَةَ والجمالَ معًا في أَعلى مست ا وهما.

على كل قمَّةٍ تاجٌ من معابد وهياكل"...

وسنة 1933 وضع الشاعر الفرنسيّ لامرتين كتابه "رحلة إلى الشرق" وفيه صفحاتٌ أخّاذةٌ عن لبنان هنا ترجمة

مقطع منها: "جميع الصُّوَر الشاعر يّة المقدّ سة مَحفورةٌ بأحرفٍ مضيئةٍ على وجه لبنان، وعلى قِمَمِهِ المذَهَّبة ووديانه

المعطَّرة. لعلّ أرضَه هي الأقدمُ في التاريخ، أرضُ شعرٍ وصلاة، ففي كلّ ناحيةٍ مررتُ بها كدتُ أسمع بين ثناياها أدعيةَ

أنبياءٍ متصاعدةً نَحو أَعالي السماء".

صلاة: يا ربّ،

23

،)11/ 19 ( وفي قلقي أنتَ سلامي )يوحنّا 24 / في تعبي أنتَ راحتي )متّى 22

،)24/ 41 ( وفي عطشي أنتَ مائي )يوحنّا 4 / في جوعي أنتَ خبزي )يوحنّا 6

،)2/ 1(، وفي ضعفي أنتَ قوّتي )مزمور 21 / في غرقي أنت صخرتي )مزمور 62

...)35/ 5(، وفي صحرائي أنتَ واحتي )مزمور 211 / في يأسي أنتَ رجائي )مزمور 12

"الرَّبُّ راعِيَّ فَلَستُ أَحتاجُ إِلى شَيءٍ .

فِي مَراعٍ خَضراء يُربِضُنِي، وَإِلى مِياه هادِئَةٍ يَقودُنِي.

يُنعِشُ نَفسي وَيُرشِدُنِي إِلى طُرُقِ ال بِرِّ إِكرَامً ا لاِسمِهِ .

حَ تّى إِذا اجتَزتُ وَادي ظِلالِ المَ وتِ، لا أَخافُ سُوء ا لأَنَّكَ تُرافِقُني.

.)4-2/ عَصاكَ وَعُكَّازُكَ هُما مَعي يُشَدِّدانِ عَ زيمَتِي" )مزمور 13

24

صيدا والصّرفند حيث فاضت البركات

يوم زار يسوع لُبنان

)سعيد عقل - لُبنانُ إن حكى(

وعِندما خرج مِن تُخومِ صور أبى، يقولُ الإنجيل، إلاّ أن يمرّ في صيدا.

تُراهُ أراد أن يتعرّف أكثر إلى الشعبِ الذي كان أوّل من ذهب إليه!...

والذي كان أوّل من طلب منهُ النور بدل المأكلِ والمشرب؟

وأكيد أنّه ما ترك أرض لُبنان إلّا وهو يقول:

عُودوا إليّ فأعود إليكُم.

وأُفيضُ عليكُم بركة...

وتغبِطكُم كُلّ الأُمم،

لأنّكُم تكونون أرضًا شهيّة.

-1 الموقع الجغرافيّ

 هي مدينة ومرفأ على البحر الم تُوسّط. تقع على الساحل اللّبنانيّ الجنوبيّ، وتبعد عن بيروت حوالي 51 كلم.

 الطريق من بيروت إلى صيدا تمرّ بِ: بيروت - الدامور - صيدا.

 صيدا تعني بيت الصيد. وأصل اسم بلدة الصّرفند "صرفته" الفينيقيّة أو"سربتا" السريانيّة وتعني صهر المعادن

أو صرف العملة. وقد ذكُِرت في العهد القديم بإسم "صرفاد".

ملاحظة: نجمع تحت عنوان صيدا مدن صيدا وصيدون والصرفند أو ما سُمِّي قديمًا بصرفة صيدا، لوج ودها

ضمن دائرة جغرافيّة متقاربة الموقع ومتداخلة الأحداث...

25

-2 الوقائع التّاريخ يّة:

 صيدا المدينة العظيمة والقديمة: تُعتبر من أقدم المدن في العالم وأقدم المرافئ على الساحل الفينيقيّ .

 صيدا مدينة ذات شهرة تاريخيّة: يشهد عليها مرفأُها وقلعتها وما تحوي من آثار فينيق يّة ورومان يّة وصليب يّة.

 صيدا مدينة مشهود لها: ذكر هوميروس مدينة صيدا في إلياذته، وتحدّ ث أكثر من م رّة عن نتاج صيد ون وتجارتها

وغناها قائلًا: "إنّ الحذق والمهارة والشهرة التي كانت للصيدون يّين في صنائعهم والق وّة والبأس والبطش التي كانت

في جيوشهم لم تنحصر في سور يّا بل انتشرت منهم إلى أقاصي الأرض..."

 صيدا مدينة الحَ رف: تؤكّ د روايات مؤ رّخي اليونان، أنّهم عرفوا الأبجديّة عن طريق الصيدونيّين الذين جاء وا إلى

بلاد اليونان صحبة قدموس حوالي سنة 2511 ق.م. )الخوري عيسى أسعد- تاريخ حمص- ج 2، وسعيد

عقل: قدموس(.

 صيدا مدينة اللون: تُعتبر مدينة صيدون مكتشفة الصباغ الأرجوانيّ بخلاف ما ذكُر من أنّ صور هي مكتشفته

)وُجد جبل كامل من أصداف الموريكس عند مقام أبا روح على شاطئ صيدا الجنوبيّ ويعود تاريخها إلى أ وائل

الألف الثاني قبل المسيح في حين أنّ آثارات مصانع الأرجوان حول مدينة صور تعود إلى القرن الثاني عشر قبل

الميلاد فقط(.

 صيدا مدينة الشفاف يّة والدقّة: الصيدون يّون هم أ ول من صنع الزجاج ولا س يّما الشفّاف منه، وأنشأوا لصناعته

المعامل المهمّ ة، وكانت مصانعهم في صيدون والصرفند أشهر معامل من نوعها في العالم المعروف وقتئذٍ. كما

برع الصيدون يّون في صنع الأواني الخزف يّة وهم أ ول من نقل هذه الصناعة إلى بلاد اليونان، كما تف وقوا في صناعة

الحفر والنقش وصبّ الذهب والفضّ ة ومختلف المصنوعات المعدن يّة.

 صيدا مدينة تواصلٍ برًّا وبحرًا: الصيدونيّون كانوا أوّل من عُنوا بتبليط الشوارع وأحرزوا في صناعة السفن نصيبًا

وافرًا من المجد والشهرة، وكانوا أسبق الأمم إلى ركوب البحر والتوغّل فيه.

26

إقامة إيليا عند أرملة صرفة

.» قُمْ وَتَوَجَّهْ إِلَى صِرْفَةَ التَّابِعَةِ لِصِيدُونَ، وَامْكُثْ هُنَاكَ، فَقَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَتَكَفَّلَ بِإِعَالَتِكَ « : فَخَاطَبَ الرَّبُّ إِيلِيَّا

.» هَاتِي لِي ب عْضَ الْمَاءِ فِي إِنَاءٍ لأَشْرَبَ « : فَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ شَاهَدَ امْرَأَةً تَجْمَعُ حَط بًا، فَقَالَ لَهَا

حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ إِنَّهُ لَيْسَ لَدَيَّ كَعْكَةٌ، إِنَّمَا حَفْنَةُ « : فَأَجَابتَْهُ .» هَا تِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ مَعَكِ « : وَفِيمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ لِتُحْضِرَهُ نَادَاهَا ثَانِيَةً وَقَالَ

فَقَالَ لَهَا .» دَقِيقٍ فِي الْجَرَّةِ، وَقَلِيلٌ مِنَ الزَّيْتِ فِي قَارُورَةٍ. وَهَا أَنَا أَجْمَعُ بعَْضَ عِيدَانِ الْحَطَبِ لِآخُذَهَا وَأُعِدَّ لِي ولاِب نِي طَعَامً ا نَأْكُلُهُ ثُمَّ نَمُوتُ

إِيلِيَّا:

لاَ تَخَافِي. امْضِي وَاصْنَعِي كَمَا قلُْتِ، وَلَكِنْ أَعِدِّي لِي مِنْهُ كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلًا وَأَحْضِرِيهَا لِي، ثُمَّ اعْمَلِي لَكِ ولاِبْنِكِ أَخِي رًا، لأَنَّ هَذَا مَا يقَُولُهُ «

.» الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ جَرَّةَ الدَّقِيقِ لَنْ تَفْرُغَ، وَقَارُورَةَ الزَّيْتِ لَنْ تَنْقُصَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يرُْسِلُ فِيهِ الرَّبُّ مَط رًا عَ لَى وَجْهِ الأَرْضِ

فَرَاحَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا وَنفََّذَتْ كَلاَمَ إِيلِيَّا، فَتَوَافَرَ لَهَا طَعَامٌ لِتَأْكُلَ هِيَ وَابْنُهَا وَإِيلِيَّا لِمُدَّةٍ طَوِي لَةٍ.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي وَصَلْنَا إِلَى صَيْدَا. وَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ مُعَامَلَةً طَيِّبَةً فَسَمَحَ لَهُ بِأَنْ ي زَُورَ أَصْدِقَاءَهُ فِي صَيْدَا لِيَتَلَقَّى مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

وَأَقْلَعْنَا مِنْ مِينَاءِ صَيْدَا...

-3 على وقع الكلمة

 )16/ 25 ؛ لوقا 4 / في صيدا والصّرفند تفيض القوارير خيرًا ) 2 ملوك 21

 )3/ في صيدا تفيض القلوب طيبة )أعمال 11

 )11-11/ في صيدا يفيض حضور الله قداسة )حز 11

-4 الوقع الروحيّ:

 صيدا والصّرفند قلبٌ يستقبل: إستقبلت إيليّا النبيّ ويسوع المخلّص وبولس الرسول 4 ...

 صيدا أحبّها الربّ فأدّبها: وقُل هذا ما يُعلِنُهُ السّيِّدُ الرّبُّ: "ها أنا أنقلِبُ عليكِ يا صيدُونُ وأتجلّى بِمجدِي فِيكِ

)11/ فيُدرِكُ سُكّانُكِ أنِّي أنا الرّبُّ حِين أُنفِّذُ فِيكِ أحكامًا وأتقدّسُ فِي وسطِكِ" )حزقيّال 11

)29/ -"إِنِّي أُوبِّخُ وأُؤدِّبُ من أُحِ بُّهُ" )رؤيا 3

4 - في القرن السابع عشر ذكر أحد الحجّاج الأوروبيّين إنّه زار كنيسة المرأة الكنعانيّة في حيّ "الكنان" في صيدا، والتي تقع قرب ما أصبح يُعرَف لاحقًا بكنيسة مار نقولا الصغيرة وكاتدرائيّة الروم الكاثوليك )مقام

.) سيّدة المنطرة، الأرشمندريت سابا داغر، ص 23 سنة 1113

يَا ابْنَ آدَمَ، الْتَفِتْ بِوَجْهِكَ نَحْوَ صَ يْدُونَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا. وقُلْ هَذَا مَا يعُْلِنُهُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا أَنَا أَنْقَلِبُ « : وَأَوْحَى إِلَيَّ الرَّبُّ بِكَلِمَتِهِ قَائِلًا

.» عَلَيْكِ يَ اَ صيْدُونُ وَأَتَجَلَّى بِمَجْدِي فِيكِ فَيُدْرِكُ سُكَّانُكِ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أُنفَِّذُ فِيكِ أَحْكَامً ا وَأَتَقَدَّسُ فِي وَسَطِكِ

27

 صيدا والصّرفند متّكل الربّ بإعالة خاصّته: فخاطب الرّبُّ إِيلِيّا: "قُم وتوجّه إِلى صِرفة التّابِعةِ لِصِيدُون، وامكُث

)9-1/ هُناك، فقد أمرتُ هُناك أرملةً أن تتكفّل بِإِعالتِك" ) 2 ملوك 21

 صيدا والصّرفند تقدّمان للربّ قليلهما فيمنحهما الكثير: فأجابتهُ: "حيٌّ هُو الرّبُّ إِلهُك إِنّهُ ليس لديّ كعكةٌ، إِنّما

21 (؛ هذا ما يقُولُهُ الرّبُّ إِلهُ إِسرائِيل: "إِنّ جرّة / حفنةُ دقِيقٍ فِي الجرّةِ، وقلِيلٌ مِن الزّيتِ فِي قارُورة" ) 2ملوك 21

الدّقِيقِ لن تفرُغ، وقارُورة الزّيتِ لن تنقُص، إِلى اليومِ الّذِي يُرسِلُ فِيهِ الرّبُّ مطرًا على وجهِ الأرضِ" ) 2 ملوك

)9/ 24/21 (؛ فقال لِي: "نِعمتِي تكفِيك، لأنّ قُدرتِي تُكمّلُ فِي الضّعفِ" ) 1كو رنتس 21

-5 من الموقع إلى الواقع:

لم تعد "صيدا" ولا "الصّرفند" مجرّد موقعين جغراف يّين، ولا اكتفى التاريخ بما حدث فيهما، بل صارتا دافعًا للتغيير

في حياتك الشخصيّة أي في واقعك وتاريخك.

صيدا: بيت الصيد

صيدا مصدّرة الحرف

صيدا صانعة الزجاج

صيدا مبتكرة اللون

وفي "صيداك" أنت،

هل تذكر متى اصطادك

الربّ؟ أذكر الحادثة.

وفي "صيداك" أنت، أيّة

مخاطر أنت على استعدادٍ

لتحمُّلها لإيصال

"الكلمة"؟

وفي "صيداك" أنت، كيف

تكون شفّافًا كفايةً لتسمح

للربّ بأن يظهر من خلال

أقوالك وأعمالك؟

في "صيداك" أنت،

تعيش أحيانًا خبرات حياتيّة

"رماديّة"، فكيف يلوّن

حضور الربّ حياتك.

.................................

.........الصّرفند:

إلى صيدا يحملنا المسير، إلى ملجأ الأنبياء ومعيلة المرسلين. إلى العظيمة بين المدن، إلى مدينة الحرف واللّون والدّقة،

الشّفّافة الغالية على قلب القدير حتّى أدّب بنيها. إلى الصّرفند لجأ الله بأنبيائه ورسله، وفيها أرسى بركاته ففاض طحينًا

وزيتًا وخيرات... وها هما تطرحان السؤال إن جاءك الربّ في هذا اليوم هل سيجدك حاضرًا لاستقباله ولسماع ندائه؟

25 ( )لوقا / منكِ يا صيدا يا مرفأ على البحر المُتوسّط تعلّمنا أنّه في استقبالنا للكلمة ستفيض قواريرنا خيرًا ) 2 ملوك 21

...)11-11/ 3 ( ، وحضور الله فينا قداسةً )ح زقيال 11 / 16/4 (، وقلوبنا طيبةً )أعمال 11

.)29/ 11 ( فإنّه "يوبِّخُ ويؤدِّبُ من يحِبّ" )رؤيا 3 / منكِ يا صيدا تعلّمنا قبول تأديب الربّ بتواضع )حزقيّال 11

.)9-1/ منكِ يا صرفند تعلّمنا كيف نكون مُ تّكل الربّ بإعالة خاصّته ) 2 ملوك 21

.)21/ منكِ يا صرفند تعلّمنا كيف نقدّم للربّ قليلنا ليمنحنا الكثير ) 2 ملوك 21

صلاة:

 < يا ربّ ها أنت واقفٌ على بابي تقرع تتوقّع منّي فتح الباب > < رؤيا11\ 3 >

أعطني أذنًا تصغي إليك، وفمًا ينطق بكلامك، ويدًا تعمل مشيئتك،

وقلبًا يستقبلك على الدوام آمين.

29

مغدوشة: أمٌّ وانتطار ...

 <مزمور 22>

الرّبُّ نُورِي وخلاصِي، مِمّن أخافُ؟ الرّبُّ حِصنُ حياتِي مِمّن أرتعِبُ؟...

اسمع يا ربُّ نِدائِي لأنِّي بِمِلءِ صوتِي أدعُوك! ارحمنِي واستجِب لِي.

قُلت: "اطلُبُوا وجهِي!"، فوجهك يا ربُّ أطلُبُ. لا تحجُب وجهك عنِّي...

"انتظِرِ الرّبّ. تقوّ وليتشجّع قلبُك. وانتظِرِ الرّبّ دائِمًا" .

-1 الموقع الجغرافيّ:

 هي بلدة جنوبيّة من قضاء صيدا تبعد عن بيروت نحو 51 كلم.

 الطريق من بيروت إلى مغدوشة يمرّ ب: بيروت - الدّامور - صيدا - مفرق جنوبيّ صيدا على جسر سينيق

ومنه خمسة كيلومترات شرقًا فتطلّ مغدوشة.

 إنّ كلمة "مغدوشة" سريانيّة الأصل، مُشتقّة مِن "مكدّسون" )جامعو الغلال أكداسً ا وعرمات(. والأ رجح أنّ

اسم "مغدوشة" بالسريانية تعني مقدّسة.

 لا يُمكننا التكلّم عن مغدوشة دون ذكر عبرا وطريق جزّين المكمّلتان لهذا المسار حيث تباركنا "سيّدة المعبور"

فيما نسلك إلى سيّدة المنطرة.

-2 الوقائع التّاريخيّة:

 مغدوشة منزل الإنسان الأوّل: سكنها اللبنانيّ الأوّل بعد أن حفر بيته في صخورها، ولا تزال آثار خمس من

هذه المغاور والكهوف واضحة حتّى اليوم في مشارف مغدوشة، أبرزها مغارة "سيّدة المنطرة".