لمحة موجزة حول تاريخ المسيحية في منطقة صور من بداية المسيحية الى مطلع القرن
السابع عشر .
يروي أستاذنا الأب هنري جلابير نقلا عن الأب جوزف غودار اليسوعي في كتابه
بالفرنسية حول " لبنان الارض والسيدة" أن التقاليد الشعبية التي تؤيدها كتابات
عدد من المؤرخين امثال القديس ابيفانوس تفيد بأن السيدة العذراء مريم كانت
ترافق ابنها السيد المسيح مع بعض تلاميذه اثناء الرحلات التي كان يقوم بها الى
الاراضي التي يتكوّن منها لبنان الحالي، بدءا من صور والمناطق المحيطة بها الى
سفوح جبل حرمون مرورا بصيدا وضواحيها وسائر المناطق التي تدخل في نطاق لبنان
الحديث.
في كتابه هذا يروي الأب غودار أن السيدة العذراء توقفت عند بئر في منطقة رأس
العين الواقعة عند نقطة تقع على مسافة بضعة كيلومترات جنوبي مدينة صور ، وجلست
هناك عند حافته لتستقي منه الماء .لذلك عرف باسم "بركة السيدة" .ولعله البئر
الذي ألمح إليه ايضا سفر نشيد الأناشيد:
.( 15يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ، بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ، وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ)
- وعلى مقربة من مدينة صور ، ليس ببعيد عن بوابتها الشرقية القديمة كان لا يزال
يوجد لغاية القرن السابع عشر ، جزء من عمود مطمور بالرمل قيل إن السيد المسيح
وقف عليه وألقى عظة ادهشت سامعيه ، وشفى تلك المرأة التي ذكرها الانجيل بأنها
كانت خارجة من بين الحشود وهي تصرخ : "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين
أرضعاك" ، وذلك نقلا عما ذكره الأب غوجون في كتابه المذكور نقلا عن أحد الرحالة
من رهبان مار فرنسيس، وعن احد الرحالة، وصولا الى المسيحية الأولى على يد
اندرونيكوس . من ذلك العمود لم يبق مع تعاقب الزمن الا جزء صغير بسبب غيرة
الحجاج الذين كانوا يكسرون قطعا صغيرة منه يحملونها معهم من اجل التبرك.
- في سنة ١٠٤٧ وصف الرحالة الفارسي ناصر خسروا في الموقع نفسه معبدا تذكاريا
لذلك العمود مزينا بالسجاد والتنافس والقناديل المرصعة بالذهب.
- وفي سنة ١١٢٦ حملت البحرية الايطالية قسما من ذلك العمود وأودعته في كنيسة
القديس مرقص في مدينة البندقية، وذلك في عهد عمدة المدينة الدودج دومنيك ميشال
.وفي موقع المعبد القديم شيدت كنيسة على اسم " المخلص" .
في بداية المسيحية والى ذلك الشاطئ الصوري وصل القديس بولس ورفاقه فيما كان
متوجها إلى اورشليم كما يروي كتاب أعمال الرسل. هناك اقامت اولى الجماعات
المسيحية وتكاثرت على الرغم من موجات اضطهادية متعاقبة ذهب ضحيتها عدد كبير من
الشهداء والشهيدات من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية والروحية. ترك لنا عنهم
المؤرخ الكنسي اوسيب القيصري صورا ومشاهد حية عاين بعضها بعينه كما رواها في
كتابه الذي يشكل أول كتاب موسع وكنهجي حول تاريخ الكنيسة خلال القرون المسيحية
الاربعة الاولى. وبعد انقشاع غيوم موجات الاضطهاد الأولى رأينا كيف نهضت كنيسة
صور في مناسبة تجديد بازيليك المدينة بصورة رائعة سنة ٣١٤ في حضور اسقف المدينة
باولينوس وحشد من الشخصيات الدينية والمدنية والمؤمنين. وكانت البازيليك قد
تميزت بكونها اولى كنائس العالم المسيحي بفخامة طرازها الروماني وجمال هندستها
وزخرفاتها ونقوشها الرائعة والمتنوعة في الصخر وخشب الأرز .الى ترصيع جدرانها
بالذهب والبرونز ومختلف المعادن الثمينة. ناهيك عن مساحتها الواسعة التي بلغت
مائتين وخمسين قدما طولا وعرضا. في تلك البازيليك عقد المجمع الملحق
بالخلقيدوني سنة ٣٣٥ والمجمع الاريوسي واللذين قد ضما مئات الأساقفة من مختلف
مناطق البحر المتوسط وآسيا واوروبا تحت إشراف الامبراطور قسطنطين وممثل عنه ،ثم
انتقال قسم منهم من هناك مباشرة للمشاركة في تدشين كنيسة القيامة بحضور وتشجيع
من الملكة والقديسة هيلينة. ثم في القرن الخامس وبعد مجمع أفسس ( ٤٣١) اشار
بطرس المونوفيزي الى انتشار العديد من الأديرة والكنائس العائدة لتلك البدعة
الجديدة التي راحت تنتشر في منطقة صور ممهدة السبيل لاحقا أمام دخول الاسلام في
الثلث الأول من القرن السابع.
- سنة ٥١٨ وعلى أثر صدور أوامر من الامبراطور جوستيانوس بتأييد المجمع المجمع
الخلقيدوني دعا رئيس أساقفة صور الى عقد اجتماع في كنيسة " أم الله" المدينة
وتلا على أساقفة الابرشية نص البيان الملكي الداعي إلى تأييد المجمع الخلقيدوني
، في حين كان جمهور الشعب المؤمن يطلق خارج الكنيسة صيحات مهللا ل " أم الله "
التي حملت ساويرس زعيم التيار المونوفيزي الجاحد بعيدا عن المدينة بعدما اثار
فيها الاضطراب و القلاقل.
- حوالي سنة ٥٧٠ غرقت مدينة صور في موجة من الفوضى والاستسلام لاعمال الملذات
والملاهي ، مما مهد السبيل أمام الدين الإسلامي الجديد للقضاء على تلك الاوضاع
والسيطرة السياسية والدينية عليها. قبل دخول الفتح الاسلامي الى مدينة صور كانت
مدينة جميلة ونبيلة كما يصفها الأسقف اركوف. بحيث كان مرفأها من أكثر المرافئ
ازدهارا، وتتميز ابنيتها بتعدد الطوابق، وتجارتها بالحيوية وكثرة الوكالات
الايطالية ووفرة اهل الآداب من شعراء وكتاب.
- في ٢٩ حزيران من العام ١١٢٤دخل الافرنج الى مدينة صور حيث وجدوا كنيسة صغيرة
مكرسة على اسم السيدة العذراء. وسنة ١٢٦٠ تم بناء دير لراهبات سيدة صور تجمعهن
علاقة روحية بجمعية القديس يوحنا في مل من نيقوسيا وعكا.
- سنة ١١٤٧ انطلق بناء بازيليك على اسم القديس مرقص في الموقع الذي كانت تقوم
فوقه بازيليك باولينوس التاريخية. وكانت على الطراز المشابه لذلك الذي كانت
عليه كنيسة القديس يوحنا في جبيل . في تلك البازيليك كان يحتفل التتويج ملوك
اورشليم بعد سقوطها. واخرهم كان هنري الثاني دي لوزينيان بتاريخ ١٥ من شهر آب
١٢٨٦.
- بين ١٢٩١ و١٦١٢ كان يهيم فوق سماء صور جدار من الصمت وعالم من الصمت والدمار.
- سنة ١٦١٢ لم يعاين فيها الراهب الفرنسبسكاني جان بوستيه الا بضع مئات من
الاكواخ التي يقيم فيها جماعة من الأتراك والمغاربة والعرب الذين كانوا قلما
يجدون ما يقتاتون به.
جوزف توفيق خريش
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire