في المنتدى الخامس لـ"رابطة المدن الكنعانية، الفينيقية والبونية" في اليونان لمناقشة مشكلاتها وإحياء تراثها وترسيخ شبكة العلاقات بينها ونشر ثقافة السلام
22 أكتوبر,2014 في إعلام و ثقافة, مقالات النهار-
يؤكد المؤرخ اليوناني هيرودوت ان الابجدية نشأت على يد الفينيقيين، وأن قدموس، حين ذهب للبحث عن اخته اوروبا، نقل الى اليونانيين ابجدية "phoinikeia grammata" . ويقول "عند مجيئهم الى البلاد جلب الفينيقيون الكثير من المعارف الجديدة، ومن بينها الابجدية، التي لم تكن معروفة في اليونان حتى ذلك الحين، في البداية لم يكن هناك سوى الابجدية التي كان كل الفينيقيين يستعملونها، ومع الوقت، تطورت الاصوات ومعها شكل الاحرف".
الاختراع الذي اعطى العالم وسيلة التواصل والحوار ما بين الشعوب والمجتمعات، وشكل نقلة نوعية في تطور الانسانية، وأساسا لحضارات جديدة ونهضة فكرية حملها الفينيقيون الى البلاد التي استكشفوها واستوطنوها، كان محور المنتدى الذي نظمته "رابطة المدن الكنعانية، الفينيقية والبونية"، المنبثقة من "الجمعية الدولية للمحافظة على صور" في 11 و 12 تشرين الأول الجاري، في اثينا، برعاية وزارة الثقافة والرياضة اليونانية، واللجنة الوطنية اليونانية للاونيسكو، بالتعاون مع متحف بيرايوس، وشاركت فيه شخصيات بارزة من دول حوض البحر الأبيض المتوسط التي اسسها الفينيقيون، او وصلوا اليها، او اقاموا علاقات تجارية واقتصادية وسياسية وانسانية مع مدنها، مثل تونس وفرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال وبلجيكا وايطاليا والجزائر ولبنان.
احتضنت قاعات متحف مدينة البيريه اليونانية اعمال المؤتمر وجلساته العلمية والتاريخية، وفي ظل القطع الاثرية والتماثيل الحجرية واللوحات المنقوشة التي تعود الى آلاف العصور، عرض نحو 20 شخصية من كبار المؤرخين وعلماء الآثار من كبريات الجامعات والمعاهد في العالم، لنشوء الابجدية والكتابة وأصولها وتطورها. كما تناولوا كذلك المشكلات والتحديات التي تواجه مدن البحر المتوسط في مجالات السياحة الثقافية والتربية والتعليم والتلوث والبيئة البحرية، وتداولوا في سبل انعاش صناعة الحرفيات، في حضور اساتذة جامعيين واثريين ومهندسين وديبلوماسيين واعلاميين، وعدد من رؤساء بلديات الرابطة التي تضم 50 مدينة من حوض البحر المتوسط، كانت تقيم علاقات تاريخية وجغرافية وتجارية وتربطها مصالح مشتركة مع مدينة صور.
محاور وعناوين
تنوعت موضوعات المنتدى، وتجاوزت الموضوع الاساس الذي أدرج تحت عنوان الابجدية – العصب الاساس الذي تقوم عليه بلاد فينيقيا وتاريخها وحضارتها وتفخر به شعوبها، الى عرض التحديات الاقتصادية والبيئية والثقافية التي تواجه المدن الفينيقية، وبحثت في العلاقات التاريخية والاجتماعية التي كانت تربطها.
على مدى يومين ناقش المؤتمرون المشكلات والصعوبات التي تواجه مدن البحر المتوسط، وتوزعت على 4 محاور:
1- الثقافة والتعليم:
تناول موضوع تطورالابجدية، من الفينيقية الى عصر الابجدية الرقمية، وعرضاً للعلاقات الفينيقية – اليونانية وللعادات والتقاليد التي كانت ترعاها.
2- السياحة الثقافية:
جال خلاله الحضور في رحلة عبر الزمن في بعض المدن المتوسطية، حيث عرض رئيس بلدية غادير الاسبانية المسار الفينيقي السياحي، الذي تنفذه السلطات في المدينة وأعمال التطوير القائمة في هذا الموقع. وكشف الدكتور ناجي كرم عن مشروع " على خطى المسيح في جنوب لبنان" الذي تعمل عليه احدى المؤسسات الدينية، بهدف تجذير المسيحيين في المدن التي وطأتها قدما المسيح، وتشجيعهم على البقاء فيها.
3- الحرفيات:
تناول المحاضرون سر اللون الارجواني ولغز استخراجه، الذي لا يزال يحير العلماء، واكدوا ضرورة احياء الحرفيات التي كانت موجودة ايام الفينيقيين وانقرضت في العديد من مدنهم، مثل الزجاج المنفوخ والخزفيات وغيرها…
4- البيئة البحرية:
عرض المنتدون خلاله للتدهور البيئي والتلوث اللذين يهددان المدن المتوسطية، والتحديات التقنية والسياسية التي تواجه مرافىء المتوسط، وتأثير الاعمال التي يقوم بها الانسان في البيئة البحرية المتوسطية، وناقشوا التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهتها. وعرض الدكتور عصام خليفة دور الاونيسكو والمعاهدات الدولية في حماية التراث والممتلكات الثقافية في حالات السلم وفي النزاعات المسلحة، متخذا من لبنان نموذجا.
بلديات وسيدات مكرّمات
وشهد المنتدى الخامس لـ"رابطة المدن الكنعانية، الفينيقية والبونية" انضمام ست مدن جديدة الى عضويته، والتوقيع على "ميثاق قيم" يتضمن بروتوكول تعاون في ما بينها. وشارك من لبنان وفد ضم رئيس بلدية طرابلس نادر الغزال، ورئيس اتحاد بلديات بعلبك حسين عواضة، ورئيس بلدية ايعات علي عبد الساتر، ونائب رئيس بلدية جبيل ايوب برق وعضو البلدية انطوان صفير. وبحث رؤساء البلديات ومندوبوها في اجتماع عقد في مبنى بلدية اثينا مشاريع عدة ابرزها: تحويل المرافىء في هذه المدن مرافىء خضراء غير ملوثة للبحر المتوسط، (وسبق لمدينة جبيل ان اتخذت هذه الخطوة وشكلت لجنة خاصة لوضع خطة عمل والشروط التطبيقية للوصول الى هذا الهدف)، واقامة سباق للسفن الشراعية بين المدن الفينيقية، وتشجيع زراعة الموركس لانتاج الارجوان.
واختتم المنتدى بحفل عشاء في متحف الأكروبوليس في أثينا، على شرف أربع سيدات مميزات فزن بجائزة "إليسا- ديدون" الذهبية، التي تمنح سنويا لمبدعات قمن بعمل مؤثر في مجتمعاتهن في بلدان في مدن الرابطة الفينيقية، وكن لهذا العام: الليدي ايفون كوكرن من لبنان، تقديرا لاهتمامها بالمحافظة على التراث اللبناني، السيدة رودي كراتسا من اليونان، تقديرا لدعمها تعزيز دور المرأة في بلدان حوض البحر المتوسط، السيدة شريفة خدار من الجزائر لكفاحها ضد العنف الاسري، والسيدة سهير بلحسن من تونس، لمكافحتها من اجل حقوق الانسان.
شلبي
وفي لقاء مع "النهار" اعلنت رئيسة "الجمعية الدولية للحفاظ على صور" مهى شلبي عن مباشرة العمل في تنفيذ المشروعين الكبيرين، اللذين اقيم من اجلهما سحب تومبولا على لوحة عالمية للفنان بيكاسو العام الفائت، ويدخلان في اطار اهداف "رابطة المدن الكنعانية" الاساسية التي تقوم على اساس المحافظة على التراث الفينيقي ونشره، وهما:
1- انشاء "معهد البحوث حول الحضارات الكنعانية والفينيقية والبونية"، وقد اقر نظامه الاساسي وباشر طاقمه الوظيفي العمل. وعقدت طاولة مستديرة لوضع اسس التعاون والتنسيق ما بين المعهد والجامعات والمراكز الثقافية. كذلك يصبّ الاهتمام بمشروع المكتبة المتخصصة، ووضع اطلس كبير عن فينيقيا، ونشر مجلة بحوث في مجالات الآثار والفن والتاريخ الفينيقي وغيرها.
2- انشاء المدينة الحرفية "أشتار" في صور، وأصبحت خرائطها جاهزة للتنفيذ. وتهدف الى مساعدة الحرفيين العاملين، وتشجيع الشباب على المحافظة على عادات الجدود وديمومتها، واحياء حرفيات فينيقية انقرضت، مثل صناعة الارجوان، وخلق فرص عمل والمساهمة في تطوير السياحة.
واكدت ان الهدف من هذا المنتدى كان "المناداة بالتعددية الثقافية، من اجل ارساء ثقافة السلام في مدننا، التي نحن بأمس الحاجة اليها في هذا العالم الذي يتآكله البغض وتجتاحه اعمال العنف الاجرامية واللانسانية، ونحن في هذا نتبع خطى اجدادنا الفينيقيين، رواد السلام العالمي".
مي عبود ابي عقل / النهار